-
المتطوعون الجدد، مفهومٌ آخرٌ للاندماج
ليس المراد هنا إعادة ما يتم ذكره دائماً -سواءً من باب المبالغة أو التجميل- حول تميّز اللاجئ السوري في مجالات شتى، أو قدرته على التعامل السريع مع اللغة وإثبات جدارته ضمن مجال عمله أو دراسته، إنما التركيز على فكرة العمل التطوعي بحد ذاتها، وقدرة القادم من ثقافة تكاد لا تعترف بأي قيمة لهذا العمل على العطاء بصورة متميزة ، مع الأخذ في الحسبان ما يمر به اللاجئ في سنينه الأولى في ألمانيا من ضغوطات يفرضها وضعه القانوني والسكن واللغة. هذه التحديات لم تشكل عائقاً أمام من وجد في نفسه القدرة على تخصيص شيء من وقته وجهده دون مقابل لمساعدة الآخرين، في الوقت الذي يحتاج هو نفسه كلاجئ المساعدة بين الحين والآخر.
كُرّم طاهر كيدرش واثنين من زملائه السوريين ضمن هذه الفعالية. طاهر يدرس الطب في مدينة فرانكفورت الألمانية، وكان قد قدم من مدينته إدلب في سوريا إلى ألمانيا عام 2015 وتطوع مع الصليب الأحمر الألماني (Deutsches Rotes Kreus).
في مقابلة أجرتهاThe Levant معه يتحدث طاهر عن مشروعهم التطوعي في ولاية هيسين فيقول: " نحن فريق من خمس أشخاص سوريين، نقوم مع الصليب الأحمر بالكثير من الفعاليات هدفها مساعدة الآخرين على تعلم اللغة، وتحسين إجراءات الاندماج مع المجتمع الألماني من خلال الترجمة، والعمل على إيصال الأفكار المهمة دائماً ضمن إطار إفادة اللاجئين وتلبية احتياجاتهم. قمنا لاحقاً بإنجاز مشروع صغير على موقع الصليب الأحمر بمقاطعة هيسين بعنوان" انضم للمتطوعين" ، ونشرنا فيديوهات قصيرة لكل المتطوعين وأعمالهم ضمن هذه المنظمة. انتشرت هذه المقاطع بشكل كبير، الأمر الذي ساهم بتقديمنا كفريق ليتم تكريمنا في هذه الفعالية". وعن سؤالنا له حول الصعوبات التي قد يواجهها المتطوع في هذا المجال أجاب: "بالطبع تواجهنا دائماً مواقف صعبة لا نستطيع التصرف حيالها، كالترجمة مثلاً لحالات إنسانية محزنة جداً، أو عجزنا أحياناً عن تقديم أي مساعدة عندما يتعلق الموضوع بأوراق لم يتم تقديمها للجهة المسؤولة المعنية أو تأخرت لسبب أو آخر. يظن البعض أننا قادرون على تغيير ذلك لكننا مجرد متطوعين وهذا مانحاول أحياناً وبصعوبة شرحه للآخرين."
أما مهند الهاشم، وهو أيضاً سوري من دير الزور، لجأ إلى ألمانيا منذ عام 2015 ويعمل كمتطوع مع منظمة دياكوني الألمانية (Diakonie) في ولاية سارلاند فيقول: "نحن نعمل كفريق كبير جداً من المتطوعين على مشروع من عدة أقسام. تم تمويل ودعم مشروعنا لمدة أربع سنوات ونصف من منظمة دياكوني الألمانية والتي تمول عمل مدير المشروع فقط -وهو موظف ألماني- كعمل جزئي أما عملنا فيه فهو تطوعي بشكل كامل. المشروع عبارة عن خمسة فرق: الفريق الأول يُعنى بالمرأة العربية التي قدمت إلى ألمانيا عن طريق لم الشمل وبالتالي لم تتح لها فرصة تعلم اللغة أو الاندماج بالمجتمع الألماني، تساعدها في ذلك النساء العربيات اللاتي قدمن سابقاً أو النساء الألمانيات. القسم الثاني يُعنى باللغة المحكية الألمانية وطرق تعليمها للاجئين بحكم الفارق الكبير بين اللغة الرسمية والمحكية وحاجة الكثيرين لفهم هذه اللغة أيضاً. القسم الثالث دروس باللغة الألمانية الرسمية مع تدريس لقواعد وأسس اللغة. أما القسم الرابع فهو مكون من فريق يعمل مع اللاجئين على إيجاد فرص تدريب عملي أو تدريب مهني لأولئك الذين لم يستطيعوا الاختيار وحدهم ضمن خيارات كثيرة متاحة في ألمانيا للدراسة، أو المساعدة في تعديل الشهادات في ألمانيا لخريجي الجامعات أو المعاهد السورية. الفريق الخامس والأخير هو فريق إيجاد فرص عمل للاجئين. وهو القسم الذي آسف جداً على إيقافه في حال لم نجد تمويل جديد لمشروعنا لأنه ساعد الكثيرين حتى الآن."
صباح كل عمر، وهي سورية من حلب ، ولاجئة منذ العام 2015 أيضاً وتعمل مع منظمة الآفو الألمانية (AWO) في ولاية نوردراين فيستفالن. تقول صباح عن المشروع التي تشارك فيه كمتطوعة والذي كُرِّمَ أيضاً لعام 2019: "المشروع مخصص للنساء بكل ما يلزمهن من تعلم اللغة الألمانية للمشاركة بفعاليات اجتماعية، لإيجاد منزل أو ترجمة مواعيد رسمية أو دعم نفسي للسيدات اللواتي يحتجن ذلك. من خلال عملي أعلم أن المرأة السورية بحاجة دائمة للدعم وخاصة ممن تجيد لغتها وتستطيع فهم احتياجاتها ومشاكلها، وهذا ما أحاول تقديمه كمدربة للنساء السوريات ومتطوعة منذ ثلاث سنوات."
ثقافة العمل التطوعي أو كما تسمى حالياً " رأس المال الاجتماعي" هي ثقافة متجذرة وقديمة في المجتمع الألماني، يسعى من خلالها إلى ترسيخ مبادئ التكافل الاجتماعي والمساواة بين جميع شرائحه. بحسب قسم البحوث الإحصائية الألماني، فإن 31 مليون شخص يعملون في المجال التطوعي أي حوالي 44% من المجتمع الألماني في مجالات رعاية المسنين أو كرجال إطفاء أو في منظمات كالصليب الأحمر. وبإلقاء نظرة على الإحصائيات على مدى الأربع سنوات الماضية نجد أن عدد العاملين في المجال التطوعي منذ العام 2015 وحتى العام 2019 زاد بمقدار 2,54 مليون شخص، جزء كبير من هؤلاء هم من اللاجئين أنفسهم الذين رفضوا فكرة تصنيفهم كمتلقي معونة فقط، بل آثروا دخول مجال العمل التطوعي.
ولكن بمقارنة بسيطة بين مواطن ألماني يعيش في بلده الأم، مستقر في عمله أو دراسته ومدينته ويتخذ قراراً بالدخول في مجال الأعمال التطوعية غالباً كنوع من الثقافة الاجتماعية السائدة، وبين لاجئ لم تتجاوز مدة وجوده في ألمانيا الخمس سنوات كحد أقصى، يتعلم اللغة، يحاول جاهداً إيجاد فرصة للعمل أو الدراسة إلى جانب عمله الدائم بأوراقه الثبوتية وتجديد إقامته المؤقتة، وفي الوقت ذاته يقرر الانخراط في مجالاتٍ عدّة تطوعية، نجد أن الحالتين لا تتكافئان، ما يدفعنا للتساؤل لماذا يرغب اللاجئ بالعمل كمتطوع؟
أسباب التطوع هي بطبيعة الحال فردية وشخصية، بيد أن الأسباب الإنسانية والأخلاقية دائماً ما تأتي في المقام الأول. يذكر استطلاع أجرته الوزارة الفيدرالية للأسرة وكبار السن والمرأة والشباب الألمانية (BMFSFJ) عام 2014 عددًا من الدوافع المتكررة للعمل التطوعي في ألمانيا. وتشمل على سبيل المثال لا الحصر، التمتع بالنشاط المعني ذاته، وفرصة القيام بشيء من أجل الصالح العام ولوعلى نطاق ضيِّقٍ، وكذلك فرصة لتوسيع الآفاق وتعلم مهارات جديدة.
وبحسب الاستطلاع المذكور، غالباً ما يشعر الشباب، على وجه الخصوص، بالرغبة في تجربة شيء جديد مع الآخرين، وربما لتعزيز خبرتهم. بينما يفضل كبار السن نقل معرفتهم إلى الآخرين ومتابعة مهمة ذات مغزى بعد العمل.
أما بالنسبة للاجئين، أو كما يحلو لي تسميتهم "المتطوعون الجدد" فإضافةً لما سبق، يتيح لهم التطوع فرصة للحدّ من الإقصاء الاجتماعي، من خلال تأكيد الصورة الذاتية لمجتمع الهجرة، والعمل على تعزيز التعايش والتنوع الاجتماعي عن طريق دمج الثقافات المختلفة بفعالياتٍ مشتركة غايتها الحفاظ على جوهر الثقافة الأخرى لا السعي لتذويبها، وأيضاً محاولة تغيير المنظور العام عن اللاجئ كمتلقي للمساعدة فقط، ومواجهة ثقافة الكره والخوف من الآخر بالمبادرة والتفاعل، كما يحقق لهم فرصة الحصول على التقدير الذي يستحقونه كمبادرين، الأمر الذي ربما لطالما حلموا به في بلادهم الأصلية.
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!