-
المرتزقة السوريون في ليبيا، من بيع الأرض إلى بيع الذات!
إعداد وتحرير: أحمد قطمة
رغم حالة الإنكار التي قابلت بها المليشيات السورية المسلحة التابعة للمعارضة المُمولة تركيّاً، لم يعد ذلك مجدياً مع توارد المزيد من الأنباء المتوالية حول وصولهم إلى طرابلس والقتال بجانب مليشيات حكومة فايز السراج الإخوانيّة، خاصة أنّها باتت بالجرم المشهود، عقب عرض الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، عشرات المقاطع المصوّرة التي تظهر مسلحين سوريين من مناطق سورية عدّة، وهم يقاتلون الليبيين على أرضهم.
وفي الوقت الذي كان يبدي فيه المسلحون ندمهم على المشاركة (ضمن تلك المقاطع المصورة)، يبدو أنّ المعارضة السورية التي تتخذ وضعيّة الصمت حيال تلك المقاطع، مُصرّة على الانجرار خلف الأجندات التركيّة في سوريا وأي مكان آخر تختاره لهم أنقرة، حيث لم يصدر عنها أي بيان يوضّح موقفها، مكتفية ببيانات منفصلة من بعض التشكيلات غير المؤثّرة فعلياً على أي صعيد عسكري أو سياسي، فيما لم يكلّف “الائتلاف السوري” خاطره بإدانة وجود المسلحين السوريين في ليبيا، وهو ما يضع الائتلاف نفسه في دائرة المسائلة حول مبرّرات وجوده، خاصة إنه قيّد سابقاً، من مواطن تركي اسمه “خالد خوجة”، فيما من الواضح أنّ رئيسه الحالي “عبد الرحمن مصطفى” لا يقلّ تركيّة عن سابقه.
الائتلاف السوري وأذن من الطين
ولا يمكن بطبيعة الحال إلقاء اللوم على المسلحين بشكل كليّ، كونهم لا يجدون من يصحّح دربهم ويحضّهم على ترك السبيل الخاطئ الذي يسيرون فيه، من خلال الانجرار التام خلف الأجندات التركية، وضرب الثوابت الوطنية بعرض الحائط، ليغدو معها أدوات للفتك بالدم السوري على أساس طائفي بداية، وأثني ثانياً، وتوسّعي نحو العثمانيّة ثالثاً.
اقرأ أيضاً: عندما تتحوّل مليشيا “الجيش الوطني” للارتزاق، تضحى اللصوصيّة تحصيل حاصل!
وفي السياق، قال مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبد الرحمن، في الثامن من أبريل: “إنّ المرتزقة السوريين الذين دفعت بهم أنقرة إلى ليبيا يواجهون الموت”، مشيراً إلى وجود حالة تمرّد غير مسبوقة في صفوفهم، بعد أن شعروا أنّه قد تمّ التخلّي عنهم، وأضاف رامي عبد الرحمن في تصريح لـ “إرم نيوز”، أنّ مرتزقة أردوغان باتوا يشعرون اليوم بأنّه قد تمّ توريطهم في مستنقع الحرب بليبيا التي لا ناقة لهم فيها ولاجمل، موضّحاً: “كانت لدينا توقّعات بأن تكون هناك حالات تمرّد واستياء من جانب هؤلاء السوريين الذين تمّ الزجّ بهم في الحرب في ليبيا من قبل قادتهم الموالين لتركيا مثل فيلق الشام الإسلامي الذي يعتبر الجناح العسكري لجماعة الإخوان المسلمين والقادة الذين يعملون مع المخابرات التركيّة”.
وأشار إلى أنّه عندما تم الزجّ بهؤلاء في ليبيا، قالوا لهم إنّهم سوف يقاتلون عملاء إيران وروسيا وسوف يدافعون عن الشعب الليبي الذي جاء لنصرة الشعب السوري سابقاً، لكن ما نشهده اليوم هو تزايد أعداد القتلى في صفوف هؤلاء المقاتلين، حيث قتل منهم حوالي 165 مسلّحاً خلال المعارك في ليبيا، فيما بعض هؤلاء قتل على يد مجموعات سلفيّة موالية لحكومة الوفاق، مبيّناً أنّ هؤلاء المرتزقة يجدون أنفسهم في مناطق لا علاقة لهم بها، ويتعرّضون للقتل في المعارك ويخشون من الجيش الوطني الليبي والأهالي الموالين له، متابعاً: “هناك حالة استياء كبيرة في صفوف المرتزقة خاصة بعد أن بدأت تنكشف حقيقة الوعود التركيّة الزائفة، وهناك أيضاً البعض من بين هؤلاء المقاتلين يرغبون بالعودة إلى سوريا أحياء ولا يرغبون أن يعودوا قتلى في التوابيت، كما أنّ غالبيّة الجثث تدفن في عفرين وليس في مناطقهم”.
مشاهد مصوّرة ودلائل دامغة
ومع أنّ إرسال المسلحين السوريين إلى ليبيا قد كان يبدو ضرباً من الخيال لدى البعض، لكنّ تقديم الجيش الوطني الليبي تلك المشاهد المصورة التي فضحت المستور، لم تعد تقبل التشكيك، وبالتالي أضحت المعارضة السوريّة أمام خيارين، إما تبيان موقفها الرافض لإرسال المسلحين السوريين كمرتزقة إلى ليبيا، ومطالبة أنقرة بإعادتهم إلى الداخل السوري، وهو ما يبدو أنّها لا طاقة له عليه، كونها تدرك أنّها ستبقى بلا موطئ قدم ومُمول، وأما الإعلان رسمياً عن رضاها بعملية الإرسال، وهي لن تكون عاجزة عن خلق الحجج والأعذار التي قد تُبرّر من وجهة نظرها ذلك. ومع إصرارها على الصمت على القضية، يبدو أنّها اختارت الخيار الثاني باعتبار أنّ “السكوت علامة الرضى”.
اقرأ أيضاً: عندما يفشل “كورونا” في دفع السوريين لمُراجعة حساباتهم!
لكن ما يجب أن تدركه “المعارضة السورية” ممثّلة بالائتلاف، أنّ صمتها عن إرسال تركيا للمسلحين السوريين إلى ليبيا كمرتزقة، سيعني بشكل أو بآخر قطع آخر خيوطها مع المستقبل، كونها ستغدو مرفوضة أكثر من القوى العالمية، التي لن تقبل الاعتراف بمرتزقة يقاتلون حسب الحاجة والطلب، خاصة وأنّ الاتهامات رسميّة من الجانب الليبي، حيث يكرّر المتحدّث الرسمي باسم القيادة العامة للجيش الليبي اللواء أحمد المسماري حديثه عن هؤلاء المرتزقة، ومنها في الرابع عشر من أبريل، عندما قال: “إنّ تركيا لا تزال تضخّ المرتزقة السوريين في ليبيا”، مضيفاً: “تمّ رصد وصول 1500 إرهابي إلى ميناء طرابلس قادمين من موانئ تركيا”، لافتاً إلى أن هناك أسلحة تدخل إلى ميليشيات طرابلس على الرغم من قرار مجلس الأمن بحظر تصدير الأسلحة إلى ليبيا.
منذ نهاية العام 2019
ومنذ نهاية العام الماضي، بدأت وسائل إعلام تابعة للمعارضة السورية، وموالية عمليّاً لتنظيم الإخوان المسلمين بفرعه السوري، التمهيد لفكرة إرسال مرتزقة إلى ليبيا، من خلال تسريب معلومات عن نيّة بعض المليشيات ضمن ما يعرف بـ”الجيش الوطني السوري” إرسال المسلحين إلى ليبيا، في إطار دورها بتمهيد الأرضيّة وزرع القبول لدى أنصار المسلحين بأحقية إرسال أبنائهم إلى ليبيا.
ويبدو أن ذلك لن يكون صعباً على تلك الوسائل باعتبار أنّ القتال في سوريا لم يعد مُجدياً، وقد أثبت عدم جدواه، مع انجرار المعارضة بشقّيها المسلّح والسياسي إلى السير في الفلك التركي، مذعنين تماماً لما تقرّه أنقره، حيث تحصل أنقرة على بصمة إبهامهم بالموافقة، حتّى وهي ترسلهم إلى قتل سوريين آخرين في شرق الفرات أو عفرين، أو قتل الشعب الليبي دون وجه حقّ في كلتا الحالتين.
اقرأ أيضاً: عندما تُحوّل تركيا المياه إلى سلاح ضدّ سكان شرق الفرات!
وفي سياق دورها الآثم والملوّث بالدم السوري، سلطت تلك الوسائل الإعلاميّة، الضوء وبشكل موارب على الامتيازات التي سيتلقّاها المسلحون المعادون إلى ليبيا، من منح ماليّة إلى جانب تسهيلات لذويهم، قد تتيح لهم الحصول على الجنسية التركيّة، التي يبدو أنّها غدّت أكثر ما يسعى له هؤلاء المسلحون، وقد عبّروا عن ذلك صراحة، حين قال أحد متزعميهم على الإعلام التركي، إنّها فداء للخلافة العثمانية، ولا عجب في ذلك، كونه من السهل على مَن باع أرضه، أن يبيع ذاته.
وعليه، يبدو أنّ هؤلاء “المرتزقة السوريين” قد باتوا معتادين على القتل العبثي من أجل الاستحواذ على المال، فأضحى سفك الدماء صنعتهم التي يتكسّبون منها، والتي لن يعجزوا عن خلق مبرّرات وإصدار الفتاوي التي تبيح لهم قتلهم للآخرين بغير وجه حق، رغم أنّ النظام السوري يواصل تحشده على تخوم ما تبقّى من إدلب، والتي قد تسقط هي الأخرى بين ليلة وضحاها.
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!