الوضع المظلم
الجمعة ٠١ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • المركزية ركيزة النظام في استبداده وليس مُستعدّاً للتنازل عنها!

المركزية ركيزة النظام في استبداده وليس مُستعدّاً للتنازل عنها!
المركزية ركيزة النظام في استبداده وليس مُستعداً للتنازل عنها!

قال نائب وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد في الخامس عشر من فبراير، إنّ "الإدارة الذاتية" من المحرّمات، مشيراً إلى أنّ دمشق مُصرّة على وحدة أراضي سوريا كاملة، وأضاف في حديث مع قناة ”الميادين“، المقرّبة من سوريا وإيران، إنّ الأكراد جزء لا يتجزأ من الشعب السوري، معتبراً إنّ "محاولات فصلهم هي أمريكية صهيونية"، حسب تعبيره، وقال: "الإدارة الذاتية من المحرّمات، ومصرّون على وحدة أراضي سوريا كاملة".


موقفٌ لا يبدو غريباً لدى الكثيرين من الكُرد السوريين، الذين يدركون إنّ عقلية النظام السوري لا تسمح بتقاسم السلطات أو توزيعها بشكل عادل بين مكونات الشعب السوري، كونه يقوم على مبدأ استئثار السلطة والنفوذ وخيرات البلاد في يد شريحة معينة مقربة من النظام الحاكم، وتهيمن على المواد الطبيعية والمرافق الحيوية في البلاد وحركة النقل والاستيراد والتصدير والاتصالات، وهي محصورة في الدائرة الضيقة من أعلى النظام السوري، وبالتالي ليس غريباً عدم تقبّله لبناء نظام جديد في سوريا، ما دام ذلك النظام سيسحب جزءاً كبيراً من نفوذه، ويوزعه وفق المبدأ النظري القائم عليه أي "الإدارة الذاتية"، الذي يقوم على منح المكونات العرقية والدينية حقوق سياسية وإدارية تمكّنها من إدارة المناطق التي تعيش فيها، لا أن يتمّ إيفاد مبتعثين من مناطق موالية للنظام حصراً، كي يقوموا بإدارة باقي المناطق السورية، وهي إدارة أثبتت فشلها الذريع، ويدفع ثمنها السوريون بدمائهم منذ تسع سنوات وأكثر.


توافق رؤى أنقرة ودمشق حول رفض اللامركزية


ويتشارك الموقف مع النظام السوري في رفضه لإقامة نظام لا مركزي في سوريا، الجانب التركي، الذي يخشى أن يمنح الأكراد السوريين حقوقاً يحرمها هو من الكرد في تركيا، فيغذّي ذلك تطلعاتهم نحو استحواذها منه، خاصة وإنّ نظام البلديات المعلوم به في تركيا، يجري تجريده من خصائصه، من خلال عزل رؤوساء بلديات كُرد منتخبين، لصالح تعيين وصاة من حزب العدالة والتنمية على سدّة البلديات التي يجري عزل الكرد المنتخبين من تبوِّئها، وفي السياق، ظهر رئيس النظام السوري بشار الأسد، في مقابلة على قناة روسيا 24 في الخامس من مارس، مغازلاً الشعب التركي، واصفاً إنّ بلاده لم تركتب أعمالاً عدائيّة ضدّ الشعب التركي، وإنّه لا يوجد خلافات بين البلدين، وهي رسالة تثبت عجز النظام السوري أمام تركيا، وسعيه إلى كسب ودّ أنقرة، رغم ما تدّعيه من أنّ أنقرة تدعم الإرهابيين في سوريا، الأسطوانة التي لطالما أسمعتها دمشق للعالم، بأنّه يُحارب الإرهاب المدعوم من تركيا، فإذ به ينسف كل تلك الرواية، ويرسل رسائل ودّ إلى أنقرة، شيفرتها قائمة على (الكرسي مقابل الكردي)، فلا يبدو أن للنظام السوري مانع في أن يهاجم الجيش التركي مناطق شرق الفرات، كما حصل سابقاً في رأس العين وتل أبيض، وكذلك عفرين، مقابل ضمان سحب أنقرة دعمها عن المليشيات المعارضة، وسحبها نحو شرق الفرات وليبيا، وبقاء النظام السوري كما كان في السابق، مع إمكانيّة تطعيم حكومته ببعض العناصر الإخوانية، كجائزة ترضية للمعارضة السورية عن خيبة تسع سنوات، نتيجة الارتهان للإرادة التركية والأجندات الأردوغانية.


رسائل متبادلة بين دمشق وأنقرة


وخلال حديثه حول معركة إدلب، هدّد الأسد، بتطهير المناطق الشرقية من سوريا، مما سمّاهم "المسلحين" بمن فيهم القوات الأمريكية، وذلك بعد "تحرير إدلب"، مشيراً إلى أنّه بعد "تحرير" مدينة إدلب شمال غرب سوريا، ستركّز قوات النظام على تطهير "المناطق الشرقية من المسلحين"، في إشارة إلى مناطق قوّات سوريا الديمقراطية.


رسالة التقطها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الحادي عشر من مارس، الذي وجه بدوره رسالة إلى النظام السوري، وقال أردوغان في اجتماع الكتلة النيابية لحزب العدالة والتنمية: "لا يمكن طمس وإخفاء الحقائق من خلال إطلاق اسم قسد أو ي ب ك على منظمة بي كاكا الإرهابية"، وتابع أردوغان مُخاطباً النظام السوري: "أدعو النظام السوري وداعميه إلى تحرير ثلث سوريا من احتلال تنظيم ي ب ك/ بي كاكا الإرهابي، وعندما تتمكنون من ذلك، فإنّ حلّ الأزمة القائمة في إدلب وباقي المناطق سيكون سهلاً".


وبالتالي، تبادل الطرفان الرسائل العلنية، وهي بكلّ تأكيد لم تأتِ إلا بعد استكمال تفاهمات سريّة مخابراتية بين الجانبين، عمادها العمل على محاربة الإدارة الذاتية في شمال سوريا وقوات سوريا الديمقراطية، ومنع أي تغيير في شكل النظام الحاكم في دمشق، والذي يضمن للنظام السوري الاستفراد بمقدرات سوريا، وكتم جميع الًأصوات التي تطالب بحقوقها السياسية أو بخيرات البلاد، فيما سيكون لأنقرة ضمان منع استحصال الكُرد السوريين حقوقهم دستورياً، وبالتالي إيصال رسالة ضمنية للكُرد في تركيا بأن محاولاتكم فاشلة قبل أن تبدأ.


الإدارة الذاتية والحراك الشعبي السوري


وبالرغم من أنّها لم تتبنّى مواقف قوية في سبيل إسقاط النظام السوري أو محاربته، لكنها في السياق ذاته لم تعلن أي موالات للنظام السوري، وأعلنت إنها تسعى لحقوق مكونات شعوب شمال شرق سوريا بمختلف مكوناتها العرقية والدينية والطائفية، وهو ما يحتّم عليها التواصل مع مختلف أبناء المناطق السورية، رغم الطعن الذي تتلقاه منهم، لا سيما ممن تدعمهم أنقرة، حيث يعتبر الموالون "لـلإدارة الذاتية" إنّ تركيا كانت السبب الأساس في منع تواصل السوريين في باقي المناطق معها، كونها كانت تملك فيتو على الكُرد وشركائهم في "قسد"، وهو ما لم يسمح بعقد حوارات حقيقة بين الإدارة الذاتية والمعارضة السورية، ووضع الطرفين على جانبي نقيض، يقوم وجود أحدهما على أنقاض الآخر، كما هو الحال في عفرين، التي تمّ القضاء على مشروع الإدارة الذاتية فيها، لصالح مشروع المعارضة المدعومة من تركيا، وهو مشروع لم يثبت هويته، سوى أنّه ملحق بالمشروع التوسعي التركي مثله مثل المشروع التركي في ليبيا ومصر وغيرهما.


وفي السياق، دعت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا في بيان صدر عنها بتاريخ الخامس عشر من مارس، وهي ذكرى انطلاق الاحتجاجات في سوريا، كافة الأطراف والقوى السياسية والديمقراطية المؤمنة بالحلّ السياسي السلمي والدول الفاعلة بالعمل في سبيل إرساء دعائم الحلّ والاستقرار، مؤكّدةً استعدادها للعمل مع كل الأطراف.


وقالت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا في بيانها: "في ذكرى مرور تسع سنوات على الثورة في سوريا في الوقت الذي نستذكر عموم الشهداء الذين دفعوا بدمائهم من أجل سوريا الديمقراطية نؤكد في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا بأنه من المسؤولية الأخلاقية والوطنية العمل على إيجاد ما ينهي المأساة السورية والمساهمة في تحقيق الاستقرار والديمقراطية، كما نؤكد بأن النظام في دمشق، كذلك المعارضة المرتبطة بأجندات إقليمية، إحدى العوامل الرئيسية في تعميق الأزمة، بإصرار وتعنّت الأول وعدم قبوله للتغيير وبإشتراك الثانية في المشاريع الإقليمية والمخططات التركية التي باتت تشكل اليوم خطراً كبيراً على سوريا ومستقبلها".


وأضافت: "حربنا على الإرهاب كانت من منطلقات وطنية سورية ودفعنا ثمن ذلك دماء الآلاف من أبنائنا، ولا زالنا مستمرّين حيث يعتبر الإرهاب خطراً كبيراً كذلك الاحتلال الموجود من قبل تركيا حيث يساهم هذان العاملان في تأزيم الأمور"، داعيةً القوى الوطنية العمل وفق ما يملي عليهم واجباتهم الأخلاقية والوطنية على التحرك عاجلاً في التصدي لمنظومة الإرهاب في سوريا والعمل على إخراج الدولة التركية ومرتزقتها من المناطق المحتلة، حيث إضافة لما تمّ الحديث عنه هذه الخطوات تمثّل ضرورة من أجل التوافق والحل السوري- السوري.


مختتمةً بالقول: " كما ننادي الأمم المتحدة ومؤسساتها بالعمل على بذل جهود أقوى بما يترجم دورها الريادي الهامّ خاصة في العمل على تطبيق القرار 2254 والتحرّك وفق مسؤولياتها التاريخية في سوريا، ونؤكّد في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا التزامنا واستعدادنا بالتعاون والعمل مع كافّة الأطراف بما يخدم مصلحة الشعب السوري ومستقبله الديمقراطي في ظلّ مشاركة وطنية دون إقصاء أو تهميش".


ويبقى السؤال، هل يمكن أن تقتنع باقي الأقطاب السورية برسالة عدم الإقصاء والتهميش التي تطالب بها "الإدارة الذاتية"، والتي كانت في الأساس جوهر المطالب التي تظاهر السوريون من أجلها في العام 2011، وفي حال كانت المعارضة مُصرةً على رفض اللامركزية، فأيّ تغيير كانت تُطالب به وتنشده، وهل كانت سترفض اللامركزية حقاً لو لم تكن تركيا هي التي تتمتّع بالسطوة الحقيقة على قراراتهم؟.


ليفانت-خاص


إعداد وتحرير: أحمد قطمة 

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!