الوضع المظلم
الثلاثاء ٠٥ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • المشهد يستعر في أوكرانيا و"الحل الجورجي" سيناريو مرجّح

  • مواجهات ودعوة كييف للتعبئة الاحتياطية
المشهد يستعر في أوكرانيا و
الجيش الروسي \ تعبيرية

وائل سليمان
  تحليل إخباري

ما تزال الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا في تصريحاتهما الأخيرة، يريان أن الرئيس فلاديمير بوتين يضع نُصْبَ عينيه العاصمة كييف ولن يتوقف عند حدود التواجد في جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك. في خضم هذه الأجواء قد يبدو التشاؤم مشروعاً بالنسبة للأوكرانيين قبل غيرهم عندما يستحضرون مشهد الحرب في جورجيا 2004/2008، وتاريخ الصراع بين الدولة الجورجية والانفصاليين في إقليم أوسيتيا الجنوبية منذ إعلان الطرف الأخير الانفصال عن جورجيا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي 1990.


في آخر حرب بين القوات الجورجية والانفصاليين "الأوسيتيين الجنوبيين"، استطاعت قوات الحكومة المركزية اجتياح الإقليم، فردت موسكو آنذاك بقواتها لتطرد الجورجيين وتتوسع أكتر لتنتهي الحرب  باتفاق على وقف لإطلاق النار برعاية الاتحاد الأوروبي. حينذاك سحب الجيش الورسي قواته إلى روسيا وأوسيتيا الجنوبية. كانت تسخينفالي عاصمة أوسيتيا الجنوبية في حالة خراب وتشرد عشرات الآلاف.

ماذا حصل الآن في أوكرانيا، رأينا تغذية روسية مستمرة لنزعة انفصالية في إقليم دونباس منذ غزو جزيرة القرم 2014. تصاعد الصراع على خلفية توسع الناتو في أوكرانيا بعد طلب الأخيرة، فضلا عن إزعاجها المستمر لروسيا بحصة ثابتة من ترانزيت الغاز بعد مشروع نوردستريم 2 في بحر البلطيق وصولاً إلى ألمانيا. جورجيا أرادت الدخول في معسكر الناتو، فكانت النتيجة تقسيمها وفصل جزء منها أصبح يدعى أوسيتيا الجنوبية.

شهدنا مؤخراً هدوءاً نسبياً رافقه أخبار تتعلق بانتهاء التدريبات في بيلاروسيا وعودة الجنود إلى سكناتهم، لكن في حالة أبخازيا كان الأمر كذلك مشروطا بانتهاء تدريبات عسكرية وانتهينا إلى حرب خاطفة في آب 2008 بالتزامن مع حرب أوسيتيا الجنوبية وجورجيا. انتهى المشهد لإعلان استقلال أبخازيا في 26 أغسطس 2008. وفي 17 نوفمبر 2008، صدق البرلمان الأبخازي على مشروع قانون يخول بناء قاعدة عسكرية روسية في أبخازيا في عام 2009.

في ضوء ما سبق، تبدو التطورات على الجبهة الأوكرانية الروسية مقلقة ومخاوف من تكرار سيناريوهات أبخازيا وأوسيتيا حاضرة، يكون في تبادل القصف المدفعي في المستقبل القريب في أرضي إقليم دونباس حيث توجد قوات روسيا بقوة "المعاهدات الموقعة" سبباً ومبرراً لروسيا للتوسع. أي إن روسيا قياساً بمقاربة سيناريو سابق، فرضت خطوطاً حمراء جديدة على الأرض داخل الأراضي الأوكرانية، وهو ما سيكون "حجر رحى" التفاوض للكرملين المتحضر بأية لحظة لدفع الطرف الأوكراني للرد على القصف بالمثل وخلق مبررات لتوسيع الغزو غرباً بزريعة ضرب قوات روسية أو عمليات إرهابية.

خريطة جورجيا
خريطة جورجيا

تزداد سخونة التصريحات، فمنذ قليل، دعت وزارة الخارجية الأوكرانية الأربعاء مواطنيها إلى مغادرة روسيا في أقرب وقت ممكن خوفاً من تصعيد عسكري من موسكو، وأوصت الوزارة المواطنين الأوكرانيين بعدم السفر إلى روسيا، وأولئك الموجودين هناك للمغادرة فورا. بينما تقول الخارجية البريطانية منذ قليل أن هناك احتمال كبير بأن يهاجم بوتين كييف، مؤكّدة أن خُطَّة بوتين لغزو أوكرانيا هي الهجوم الشامل؛ يسيطر عبره على كييف.

في غضون ذلك، تستمر الاشتباكات بين الانفصاليين والقوات الأوكرانية على خط التماس في منطقة دونباس. ويرى البنتاغون أن كل الإشارات تؤدي إلى أن الجيش الروسي يتأهب لاجتياح واسع للأراضي الأوكرانية.

ما يعزز سياق أكثر تشاؤماً، اعتذار وزير الخارجية الأمريكي توني بلينكن عن لقاء نظيره الروسي سيرجي لافروف في لقاء كان من المخطط له أن يكون اليوم الأربعاء. بينما أصبح اللقاء بين الرئيس جو بايدن ونظيره الروسي فلاديمير بوتين ليس خياراً  مؤكداً في الوقت الحالي حسب البيت الأبيض على جين ساكي لسان الناطقة باسمه.

قوات منتشرة.. قتلى وجرحى في المواجهات

بعد اعتراف الكرملين بالجمهوريتين الانفصاليتين في إقليم دونباس شرق أوكرانيا، رُصد خمس دبابات روسية في زُمْرَة على أطراف دونيتسك واثنتين في جزء آخر بالمدينة، كما شوهدت طوابير طويلة من المُعَدَّات العسكرية، تشمل دبابات، في مدينة دونيتسك الانفصالية بعدما أمر بوتين وزارة الدفاع بإرسال قوات إلى المنطقتين فيما وصفه "لحفظ السلام" في مرسوم أصدره بعد الاعتراف باستقلال المنطقتين.

تستمر المواجهات المتفرقة التي أودت بحياة جندي أوكراني وإصابة 6 آخرين في قصف للانفصاليين في المناطق التي اعترفت روسيا باستقلالها رسميا. سبق الحادثة اليوم، مقتل جنديين وإصابة 12 آخرون من جرّاءِ الاشتباكات المتقطعة مع الانفصاليين وفقاً لبيانين للجيش الأوكراني.

إلى ذلك، سُمع دوي انفجار ضخم في وسط مدينة دونيتسك الخاضعة لسيطرة الانفصاليين في شرق أوكرانيا، وانفجارات قرب خط المواجهة بين القوات أوكرانيا والانفصاليين الموالين لروسيا.

إقليم دونباس

ووصل إحصاء الانتهاك إلى 84 انتهاكاً لوقف إطلاق النار من جانب الانفصاليين في شرق أوكرانيا حسب الجيش الأوكراني في الساعات الـ 24 الماضي، شمل ذلك استخدام أسلحة محظورة في اتفاقيات مينسك.

على المقلب الآخر، سجلت المكاتب التمثيلية في الجمهوريتين الانفصاليتين انتهاكات للقوات الأوكرانية لنظام وقف إطلاق النار 114 مرة في يوم واحد في جمهورية لوغانسك فضلاً عن تعرض مناطق سكنية للقصف أدت إلى الحؤول دون إصلاح محطة لوجانسك الحرارية للكهرباء واستئناف تشغيلها، ما سبب بقطع الكهرباء  في مناطق عدة.

الغرب يرد بالعقوبات الفورية

حين كان الأخذ والرد على أعلى مستوى من الحذر و العناد بين الغرب والكرملين، كان العم سام وشريكه البريطاني يجهزان باقة من العقوبات. أُفرج عن أول دفعة منها اليوم، كما نشرت مجلة مترو اللندنية. طالت هذه العقوبات البريطانية بنوك روسية بعضها متورط بدعم اجتياح شبه جزيرة القرم في 2014، ورجالات أعمال مقربون من بوتين هم جينادي تيمشينكو وإيجور روتنبرغ وبوريس روتنبرغ. "اقرأ أكثر"

في الأغلب الأعم بدأت تحضيرات الحرب وتأثيراتها تُبخّر ثرواتهم، فقد خسر تيمشينكو ثلث ثروته حتى الآن. ولم يعد بإمكان روسيا بيع خِدْمَات الدين السيادية في بريطانيا وأغلقت الآن كل الأبواب، وما نزال حتى الآن في المرحلة الأولى فقط، إنها ورقة ضغط قوية لكن موسكو تبدو جاهزة للأمر فانعكاسات الحرب الاقتصادية ستنسحب على العالم أجمع وصولاً إلى زيادة أسعار الغاز في أوروبا والتضخم في الولايات المتحدة وهو ما يلمسه العالم حاليا ولاسيما في قطاعات عدة كالصيرفة والأسهم وسلاسل التوريد.

بالتزامن، طالت عقوبات أمريكية كارتيل بنوك روسية وشخصيات مقربة من بوتين.  ففي الشريحة الأولية من العقوبات طالت  بنك VEB والبنك العسكري الروسي - Promsvyazbank، الذي يبرم الصفقات الدفاعية. وقال بايدن إن العقوبات المفروضة على الديون السيادية لروسيا تعني أن الحكومة الروسية ستُقطَع عن التمويل الغربي. وقيدت واشنطن التعاملات في السوق الثانوية على السندات السيادية الروسية التي تصدر بعد الأول من مارس.

من اليسار إلى اليمين: جينادي تيمشينكو وإيجور روتنبرغ وبوريس روتنبرغ
من اليسار إلى اليمين: جينادي تيمشينكو وإيجور روتنبرغ وبوريس روتنبرغ

لحقتها كندا بخطوات مماثلة وتجهز عقوباتها على أعضاء البرلمان الروسي الذين صوتوا لمصلحة قرار الاعتراف باستقلال المنطقتين الانفصاليتين لوغانسك ودونيتسك.

حلفاء آخرون بدأوا بعقوبات مماثلة، لقد أعلنت اليابان وكوريا الجنوبية واستراليا وكندا نيتهم فرض عقوبات اقتصادية، وستمنع اليابان إصدار سندات روسية في اليابان وستجمد أرصدة أفراد روس حسب رئيس الوزراء الياباني. وقالت الحكومة الأسترالية أن العقوبات التي ستفرض على روسيا ستكون حُزْمَة أولى يتبعها حُزْمَة أخرى من العقوبات، على أن تشمل العقوبات أفراد روس ومؤسسات مالية روسية. لكن حتى الآن يبدو أن روسيا الدولة والكارتيل الاقتصادي، وشعوب الاتحاد مجبرين أو راضين على مواجهة العقوبات والصمود في وجهها منذ 2014، مستعدون مع قيادة الكرملين للخوض عميقاً في هذا الصراع.

كييف تعلن التعبئة الاحتياطية

لم يعد الأمر يحتمل التأجيل بنظر كييف التي بدأت منذ أشهر بتدريب الأوكرانيين المدنيين في شرق البلاد على السلاح والأعمال الحربية الخفيفة، وبالأخص حماية المنشآت العامة والخاصة.

تعلن الآن كييف التعبئة الاحتياطية في البلاد، ففي بيان القوات المسلحة الأوكرانية نقرأ أن يوم الأربعاء هو يوم البداية في تجنيد جنود احتياط تتراوح أعمارهم بين 18 و60 عاماً تطبيقاً لمرسوم أصدره الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في مدة أقصاها عام واحد من الخدمة.

حتى الآن، لم يعلن زيلينسكي تعبئة عامة في البلاد، ما يقال عنه نفير عام، واكتفى يوم أمسِ الثلاثاء بإعلان التجنيد الإجباري لجنود الاحتياط، استبعد حتى الآن إعلان التعبئة العامة. وبعد اعتراف روسيا بالجمهوريتين دونيتسك ولوغانسك وتوقيع المعاهدات فإن هاتين الدولتين تستطيعان عقد اتفاقيات دفاع مشترك متجاوزتين اتفاقية مينسك.

لكن تأجيل التعبئة العامة من قبل الرئيس لم يمنع الحكومة من إعلان فرض حالة الطوارئ في كافة أنحاء البلاد باستثناء دونيتسك ولوغانسك، معلناً البرلمان الأوكراني عن إقرار تشريع للدفاع عن النفس ومنح المدنيين حق حمل السلاح.

جنود أوكرانيون على الجبهة الشرقية في البلاد. تاس/أ ب
جنود أوكرانيون على الجبهة الشرقية في البلاد. تاس

على هذا المنوال، ستستطيع القوات الروسية التواجد داخل الحدود الأوكرانية وهو ما بدأ فعلا منذ يوم أمس بأمر من بوتين بحجة حفظ السلام، فضلا عن أوامر الكرملين بتطبيع العلاقات بالجمهوريتين الانفصاليتين، بينما ما تزال الأمم المتحدة تعترف بسيادة أوكرانيا واستقلالها ووحدة أراضيها.

اقرأ المزيد: بنوك وأصدقاء بوتين في مرمى العقوبات البريطانية فوراً

تراهن الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي على أن بوتين في أسوأ الأحوال مدركاً تورطه في مستنقع أوكرانيا مقارنة بجورجيا، لن ينوي خوض معركة تكسير العظم تودي لاجتياح كامل لأوكرانيا. لكن محللون يرون أن بوتين قد يضطر إلى اجتياح جزئي خاطف متوسعاً أكثر من جهة الشرق وهو ما بدأ فعلاً من خلال ورقة إعلان الجمهوريات.

يبدو أن الكرملين لن يتوقف في التوسع حتى يُحصّل اتفاقاً مرضياً للطرفين، فيما يمكن تسميه بسياسة الضغط الأقصوي والسيطرة العكسية ما دامت القوات الروسية أصبحت في إقليم دونباس رسمياً، وجرى إعداد الخطط والسيناريوهات ومراجعة دورس التاريخ.

هناك فضاء مجال حيوي تتحرك فيه روسيا متعلق بدول جوارها حيث الجيوبولتيك الروسي يرسم بالدم والنار، ولاسيما في/مع الجمهوريات السوفياتية السابقة حيث يعدّ بالنسبة للأمن القومي الروسي خطاً أحمر غير قابل للتفاوض عليه والمساومة دون مكاسب كبيرة وشروط وقيود محددة، وهو ما ينتظره بوتين فلم يعد هناك مجال للتراجع دون تحقق مكاسب. فروسيا الدولة والشركات والناس يمنون بخسائر كبيرة اقتصادياً ومالياً بمليارات الدولارات وما تزال مستمرة بسبب التصعيد في مِلَفّ أوكرانيا.

 

ليفانت نيوز _ خاص

 

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!