الوضع المظلم
الأربعاء ٢٥ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • النساء السوريات في الشأن العام والسياسة تباشير وعراقيل!

النساء السوريات في الشأن العام والسياسة تباشير وعراقيل!
ريما

 


لمحة عامة:


في مجتمعات أبوية وتحت مظلة الأنظمة القمعية لا يمكن للحياة السياسية ان تزهر عموماً،  ولا ان تحقق النساء مكانتهن الاجتماعية او ان تجدن لهن مكانا في الحياة العامة ، حيث تنظر تلك المجتمعات للنساء كتابع للرجل وليس كمواطنات..  ينصب  فيها كل الذكور انفسهم أوصياء على النساء ، و يحق لهم بموجب هذا الحق الممنوح "منهم اليهم" تحديد واقع ومستقبل هؤلاء النسوة وطريقة حياتهن،  ثم يقوم جزء من هؤلاء  بأدوار مختلفة ضمنتها لهم منظومة الاستبداد عبر سن القوانين وهم في اماكن صنع القرار من اجل تكريس حالة الاستبداد واللا مواطنة،  وضمن  حالة لا تتحقق فيها المساواة ولا حقوق الانسان ولا تكافؤ الفرص بين النساء والرجال،  فتتعرض ثقة النساء بأنفسهن للاهتزاز،  وتتضاءل كنتيجة لهذا و كنتيجة للتأطير المفروض علي شريحة كبيرة منهن فرصة تنمية القدرات والتحصيل العلمي ا وبالتالي تحقيق الذات في الشأن العام...


 


تحديات النضال النسوي:


تناضل النساء السوريات المؤمنات  بالحقوق لتحقيقها أولا كمواطنات وكجزء من حركة النضال الشعبي لتحقيق الوصول الى وطن ديموقراطي تتحقق فيه مواطنتهن الكاملة وينال الجميع فيه حريته وكرامته، وثانياً كنساء يردن تحصيل كل الحقوق المنصوص عليها بالشرعة الدولية لحقوق الانسان، وكل الاتفاقيات والمعاهدات ذات الصلة بحقوق النساء والتي تكفل كرامتهن كبشر وكمواطنات، وهن يعلمن أن هذا لا يمكن تحقيقه بأي شكل من الاشكال ان لم يتم تحقيق المواطنة الكاملة للجميع والمرتبطة بالحرية  ومساواة الجميع امام القانون،  و هذا أيضاً لا يمكن تحقيقه دون تفعيل دور النساء في العمل العام وفي السياسة و أماكن صنع القرار وفي صنع مستقبل بلادهن ورسم طريق تحقيق السلام و سن القوانين وتفعيل آليات العدالة الانتقالية،  والمشاركة على مستوى الحكومات والبرلمانات والأحزاب والمجالس المحلية والإدارات بكل اختصاصاتها ومجالاتها، هن يعلمن أيضا أن مهمة هذه النضال صعبة للغاية،  فالمواجهة ليست فقط  سياسية بل هي أيضاً مجتمعية، حقوقية، ثقافية واقتصادية  ضمن حالة في كثير من الأحيان  ترفض التغيير الإيجابي،   كرستها الأنظمة والأدوات والقوى الاستبدادية القمعية بكل أشكالها سياسية او ايدولوجية او عسكرية بشكل مضاعف على النساء اللواتي يواجهن الجميع في نفس الوقت..


 


طبعا ما كان لهذا الاستبداد أن يستشري لولا تكريسه أصلاً لأدوات قانونية تدعم هذا التمييز وتعمق جذوره بالمجتمع، وهي تستند بدورها على جزء من الموروث الثقافي المتخلف ومصالح بعض المؤسسات الدينية والأنظمة السياسية، ويتم تنفيذها من خلال سلسلة من القوانين التميزية بمختلف انواعها وعبر عدم وجود قوانين تحمي النساء من العنف الاسري ولا منظومات اجتماعية كافية للتعامل مع الضحايا الا بمبادرات فردية، ومن خلال بعض مؤسسات المجتمع المدني اليافع ولكن ليس على مستوى استراتيجيات وطنية عموما. إذا النساء السوريات تواجهن العنف والتمييز في المنزل والمجتمع وامام القانون وفي الهياكل السياسية والأحزاب ويتم محاولة دفعهن للوراء حين تحاولن المشاركة في الحياة العامة او الوصول الى دور فاعل وقيادي. 


 


خرج السوريون الى الشوارع في اذار من عام 2011 وسمع الجميع أصواتهم للمرة الأولى، وتعلمنا معاً كيف يمكن لنا الصراخ من اجل الحرية، كانت فرصة التعلم تلك فرصة متساوية للجميع نساء ورجال، كان يمكن لهذه التجربة ان تنتج تغيرا سياسيا ومجتمعيا ايجابيا أيضا "تونس نموذجا".ً


 


شاركت النساء السوريات في تلك المرحلة بكثافة ومشاركتها لم تقتصر فقط بالمظاهرات كمتظاهرة، بل كانت قائدة للمظاهرات ومؤسسة لتنظيمات ثورية ومنظمات حقوقية ، والكاتبة والسياسية والإعلامية والطبيبة والاغاثية والفنانة وايضاً المعتقلة والشهيدة ، واجه النظام الأصوات النسائية عبر عدة أدوات قذرة كانت منها الاعتقال والتعذيب والملاحقة والتهديد بالأولاد والقتل وأيضا التصفية المعنوية عبر الجيش الالكتروني من خلال الاشاعات والتشويه ، أو المحاربة الاقتصادية من خلال الطرد من العمل أو المقاطعة، وهذا كان يخيف كثير من النساء ويجعلهن يترددن في اقتحام الشأن العام، والمجاهرة برأيهن أو الوصول الى دور ريادي سياسي في المرحلة..


 


لكن وعلى الرغم من هذا  كان يمكن تلمس ملامح مبشرة في الحراك الثوري السلمي "البدايات" ، وتجلى هذا بأن الجانب المطالب بالحرية كان قادراً على تقديم صورة حضارية  داعماً للمشاركة  النسائية القيادية في كثير من الأحوال ( مثلاً تجربة لجان التنسيق المحلية نموذجا)، وهو ما تغير بشكل كارثي بعد عسكرة الثورة وأسلمتها ، فعلى الأرض كلما ارتفع صوت السلاح انخفض صوت النساء!،  وباتت النساء على الأرض يحملن مسؤولية الحفاظ على الاسرة والأطفال والحماية وتأمين القوت في ظل سحق كثير من الرجال في رحى الحرب،  التي تسببت بدورها بزيادة ارتفاع وتيرة العنف الاجتماعي واستغلال النساء واستخدامهن كوسيلة حرب من خلال قيام النظام او المجموعات المتطرفة او المسلحة بكل انتماءاتها بانتهاكات كبيرة تضمنت الاغتصاب والاعتقال والاستهداف والخطف والتصفية والتي طالت عددا من الشخصيات والناشطات والقياديات في الحراك السلمي ..


 


جزء من الاعلام المعارض بكل انواعه بدأ بالتغير ايضاً، ولحق بالتغبير الحاصل على الأرض وبات عنيفاً تميزياً يهاجم النساء العاملات في الشأن العام ويحض على الكراهية عموماً وينشر الاشاعات بدوره كتابع لقوى ايدولوجية لم يكن يناسبها مشاركة النساء وتصدرها المشهد المعارض، اذا من استطاعت الخروج من كل تلك المصائد وتمكنت من المشاركة في تلك القوى السياسية او برزت كناشطة وفي الحياة العامة وهي تحمل شخصيتها الريادية والقوية والتي لا تتبع لاحد وترى ان دخولها الى ساحة العمل العام او  تلك الكيانات والقوى هو  من اجل تحقيق دورها النضالي والوطني كان يتم تحطيمها فيه بشكل ممنهج ، حيث يمارس عليها العنف والتمييز المتمثل بالإقصاء والتهميش الممنهج والاستهداف المعنوي الذي يتضمن أحياناً حتى  التهديد ، واطلاق الاشاعات، وخاصة من منطلق كونها امرأة،  فالتشكيك بأخلاقها ونزاهتها وسلوكياتها وبقدراتها السياسية وكفاءتها هو الوسيلة المتبعة للتحطيم، وانا لا اتحدث عن النقد السياسي او الموضوعي بل اتحدث عن اختلاق الأكاذيب، والمبالغات، والتشويه والاستهداف الممنهج والمؤذي والذي يراد منه ابعاد هؤلاء النساء عن المشهد السياسي او العام عموماً ..


 


ولا يمارس هذا فقط أصحاب الايدولوجيا والثقافة الرافضة لمشاركة النساء بأدوار ريادية من منطلق عقائدي،  بل أيضا بعض الشخصيات التي تحمل راية العلمانية فهي اما  تنظر بسخرية لمشاركة النساء ، واما ترى بهن منافسات بدور كان يجب ان يقوم به الرجل وفقا لعقلية بعض الذكور في الوسط السياسي، وهو يعيدنا الى الثقافة الذكورية المترسخة في مجتمعنا،  بالإضافة للتحديات الاقتصادية والاجتماعية والنفسية خاصة حين تكون تلك النساء أمهات أيضا و حين ترى عوائلهن هذا الأذى النفسي التي تتعرضن اليه و وهو ما يدفع أخيرا بالكثيرات الى الابتعاد عن العمل السياسي.


 


اخيراً كمفارقة بسيطة لنظرة المجتمع للنساء: المرأة في السياسة حين تتحدث بشغف عن وطنها والم شعبها وربما تبكي يقال عنها عاطفية ولا تصلح للسياسة، اما الرجل إذا تأثر فبكى مثلا على الاعلام يصبح مضرب مثل بالوطنية والعاطفة والإنسانية.


 ريما فليحان

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!