الوضع المظلم
الأربعاء ٢٥ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
النيجر وصراع النفوذ القادم في أفريقيا
سعد عبد الله الحامد

إن تأجج بؤر الصراعات وانتقالها بين عدة دول على الخارطة الدولية وتداخل مصالح الفاعلين الدوليين في بقاع مختلفة من العالم يعكس مدى صعوبة هذه المرحلة الحرجة التي لازالت تتأثر بالصراع الدائر في أوكرانيا ليفتح الباب أمام جبهات آخرى كامتداد لهذا الصراع بين تلك القوى الكبرى ولتصبح القاره السمراء المسرح الجديد لهذا الصراع  العالمي بين القوى الاقتصادية والعسكرية في تلك القاره المليئة بالتوترات الأمنية والجيوسياسية.

بالتزامن مع مشكلة  التخلف لتلك الدول والفقر وتدني مستوى التعليم وانتشار الأمية والمشكلات الاقتصادية والاجتماعية وهجرة الكفاءات ومشكلة الاستعمار و آثاره السلبية  في بلدان تلك القاره  مما أدى بدوره إلى انتشار الحروب العرقية المسلحة وزاد من التبعية الاقتصادية برغم حجم الثروات التي تمتلكها تلك الدول من المعادن كالنفط والنحاس والألماس ولبوكسيت والليثيوم والذهب حيث تحتل دول أفريقية مراتب متقدمة في ترتيب الدول العشر الأولى عالميا من حيث مناجم الذهب وحقول النفط واحتياطات إنتاج اليورانيوم  فا اليورانيوم اليوم يلعب دور كبير فى مجال توفير الطاقة ذات الإسهام المحدود في انبعاث الغازات المضرة بالبيئة ومواجهة أثآر التغير المناخي والتحول لمصادر بديله للطاقة إضافة إلى أهمية اليورانيوم في توليد الطاقة الكهربائية وصنع القنابل الذرية وإنشاء البرامج النووية السلمية ووجوده في أفريقيا يمنح فرصه لتنافسية سعريه خلال عمليات استخراجه من تلك الدول الفقيرة إضافة الى التساهل في الضوابط البيئية خلال عمليات استخلاصه وهو جانب مغري للدول الكبرى في ظل استمرار أزمة إمدادات الطاقة التي ولدتها الحرب الروسية الأوكرانية مما يزيد من حدة صراع الهيمنة والسيطرة بين واشنطن وفرنسا وأوربا من جهة والصين وروسيا من جهة أخرى لذا فأن محاولة إعادة التموقع داخل أفريقيا مهمه لخدمة مصالح تلك الدول مع التطورات المتلاحقة، والتى أفرزت رغبه بتحولات سياسية استراتيجية تبلورت فى سيناريوات الانقلابات المتكررة في تلك الدول بداية من بوركينا فاسوا ثم مالي وأخير النيجر وبالتالي تغير خارطة الاصطفافات الأفريقية في دول الساحل الأفريقي من جديد ولعل  الدول الأوربية سابقاً لم تأخذ في اعتبارها أهمية  التجانس العرقي واللغوي و التكامل الاقتصادي والإرث الحضاري للأفارقة لما يشكله من نجاح لإيجاد مقومات تنموية مستقبليه لتلك الدول وانحصر اهتمام الغرب فقط في التسابق على الاستحواذ على  هذه الدول، ومناطق النفوذ فيها مما أدى بدوره الى انتشار الحروب العرقية والنزاعات المسلحة والتبعية الاقتصادية حيث كانت فرنسا لسنوات طويلة تعد الدولة الأوروبية الأبرز من حيث قوة نفوذها في الساحة الأفريقية على ما يقرب من عشرين دولة أفريقية وليقابل ذلك النشاط الأمريكي المتصاعد والمنافس لفرنسا هناك بعد انتهاء الحرب الباردة مما اثر على المصالح الفرنسية في حين أن فرنسا كانت تعد العدة لتحل محل الاتحاد السوفيتي سابقا في مناطق نفوذه التقليدية وملاء الفراغ السياسي الذي نشأ بعد انهياره.

وهو الجانب الذي تعتقد فرنسا أهميته في إطار التنافس الدولي داخل أفريقيا لتبقى قوه عظمى كما أن تركيز أمريكا على أفريقيا وزيادة الاهتمام بها منذ انتهاء الحرب الباردة اثر على النفوذ الفرنسي أيضا في أفريقيا حيث كانت كلا من فرنسا وروسيا تركز على مد النفوذ العسكري بينما تسعى الصين إلى توسيع نفوذها التجاري والاستثماري في حين تركز الولايات المتحدة الأمريكية على التنسيق مع الجهات الأمنية والعسكرية في الداخل، واستطاعت روسيا والصين توسيع نفوذها الأفريقي برغم المقاومة من الغربيين التقليديين في أفريقيا فمثلا تمتلك النيجر إبعاد استراتيجية مهمة للغرب ففرنسا  شريك في مكافحة الهجرة غير الشرعية كذلك الحرب على الإرهاب وبالتالي فأن استقرارها شيئا بالغ الأهمية للأمن الإقليمي وحماية للمصالح الغربية في منطقة الساحل كما ان حكومة النيجر التي تم الانقلاب عليها تمثل حليف للغرب لردع التهديدات الأمنية والإرهابية ولتحجيم الدور الروسي في النيجر في ظل أن النيجر تتلقى سلسلة من الموارد والمساعدات العسكرية والإنمائية بشكل موسع من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية خلال السنوات الماضية.

فقد أنفقت واشنطن نحو 500 مليون دولار منذ عام 2012 لتعزيز الأمن وقدمت أمريكا لدول الساحل بما فيها النيجر في مارس 2023 مساعدات إنسانية بقيمة 150 مليون دولار لدول كما أعلنت ألمانيا في أبريل 2023 دعمها لتحسين كفاءة وقدرات الجيش النيجري في البلاد وقدم الاتحاد الأوروبي في عام 2022 حوالي 1.3 مليار دولار لتنويع اقتصاد النيجر بعيدًا عن النفط كما ان القواعد العسكرية الفرنسية على الأراضي النيجريه يمثل  قاعدة مركزية لقوات حلف الناتو في منطقة الساحل، ولاشك أن ما يعقد المشهد اكثر في ظل هذا التنافس الغربي أيضا تزاجد قوات فاغنر الروسية لمحاولة تغيير المعادلة وخدمة النفوذ الروسي على حساب النفوذ الأمريكي الغربي في منطقة الساحل حيث أن فاجنر استطاعت أن تتواجد داخل الدول الأفريقية لخدمة روسيا في حوالي عشر دول أفريقية وربما تصبح النيجر هي الدولة التالية بينما تجد فاجنر الأمر يسيرًا في إيجاد قواسم مشتركة للتقارب مع العسكريين الجدد في دول الساحل سيما أنها تشكل الملاذ الآمن ضد أي إجراءات أو عقوبات محتملة من الغرب والمنظمات الإقليمية والقارية، مثلما حدث مع دولتي مالي وبوركينا فاسو خلال العامين الماضيين مع تواجد قاعده عسكريه في شمال النيجر منطقة (اجايز) لفاغنر لذلك فنجاح العسكريين الجدد من خلال نجاح الانقلاب على حساب الرئيس محمد بازوم قد يفعل الاتفاقيات العسكرية التي تم ابرامها عام حتى2017 -2019 مع فاغنر وبالتالي إمكانية تقديم فاغنر لخدمات عسكريه لأغراض التدريب العسكري ومواجهة الإرهاب والأخلال بالأمن في النيجر، مقابل بعض المميزات في مجال التعدين فالنيجر تمتلك رابع احتياطي من اليورانيوم يمد أوربا بما نسبته 20% من احتياجات أوروبا لليورانيوم وبالتالي فان أي تغيير سياسي في النظام الحاكم في النيجر وهو ما يحصل الآن نتيجة للانقلاب القائم هناك  قد يفاقم مشكلة إمدادات الطاقة  الأوربية ويحدث نقص جديد في الطاقة وقد يؤثر أيضا على إمدادات فرنسا التى بلغت نسبتها 35% من اليورانيوم لمحطاتها النووية لتوليد 70% من احتياجاتها وكما ان النيجر تمتلك اكثر من 69 منجم للذهب بالإضافة إلى احتياطياتها من النفط التى بلغت 320 مليون برميل.

في حين تنتج حوالي 20 ألف برميل من النفط يوميًّا وهذه الأوراق تعتبر أوراق استراتيجيه لخلق هامش من المناورة مع الغرب وواشنطن من قبل الانقلابيين في النيجر فلدي الغرب قناعه بان الانقلاب سوف يحدث مرحله من عدم الاستقرار في النيجر ودول الساحل ويجعل لروسيا والصين فرصه لمد نفوذه استراتيجيا داخل النيجر ومن ثم افريقيا.

لذلك فإن تصريحات المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) حول اتخاذ إجراءات عسكرية ضد المجلس العسكري في النيجر إن صدقت فهي محاوله أخيره لإيقاف مرحلة مقبله من التغيرات السياسية في دول الساحل خوفا من أن تلحق بها دول القرن الأفريقي حال نجاحها ولكن هل ستعطي أمريكا وفرنسا وحلفائها تلك الفرصة لاستمرار ذلك كما حصل في مالي وبوركينا فاسو؟.

 



الكاتب / د. سعد عبدالله الحامد

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!