الوضع المظلم
الجمعة ٢٠ / سبتمبر / ٢٠٢٤
Logo
انتفاضة السويداء.. الأسئلة الصعبة
نزار غالب فليحان

جاءت انتفاضة السويداء الأخيرة والتي ما زالت متقدة استجابة لظروف موضوعية يعيشها الشعب السوري على امتداد كامل الجغرافيا السورية منذ عقود اختُطِفَ الوطن خلالها وما زال من قبل عصابة تجردت من الوطنية والإنسانية والأخلاق ما أهَّلَها للعب دور وظيفي لخدمة مصالح ومخططات الأطراف المُشَغِّلة لها على المستويين الإقليمي والدولي في شرق ملتهب ومتصارع عليه.

والسويداء كغيرها من مدن ومناطق سوريا، حُرِمَتْ من التنمية ومن المشاركة في حكم البلاد وحورب أهلها أمنياً وسياسياً واقتصادياً، ومورست عليها كل فنون تفتيت البنية الدينية والاجتماعية من خلال خلق رموز هامشية فاسدة مرتبطة بالسلطة تكفل لها السيطرة والهيمنة، مُنَحِّيةً بذلك كافة الرموز الوطنية الفاعلة المرتبطة بقواعدها الشعبية والقادرة على التغيير والتعبير عن تطلعاتها ورغباتها.

وقد كان حراك السويداء إجابة منطقية وبديهية لأسئلة الحرية والكرامة والوجود، لكن ثمة أسئلة بدأت تطرح نفسها مع تنامي هذا الحراك وفرض ذاته على الساحتين الإقليمية والدولية بقوة اكتسبها من خلال شعاراته وبياناته ومكوناته وكوادره وروافعه وإبداعاته واستقلاله وسلميته المطلقة.

ديمومة الحراك؟

في التحليلات والتوقعات، خاصة تلك الصادرة عن أبواق النظام وزبانيته، يبدو سؤال استمرارية الحراك سؤالاً ملكاً، لم تطرحه السلطة فحسب، بل راهنت عليه واتخذته خياراً أولاً في المواجهة، ظناً منها أن عزيمة الشارع ستفتر مع دخول فصل الشتاء وانطلاق العام الدراسي الجديد وحاجة الناس الماسة للعمل وتأمين حاجياتها الأساسية.

لكن الشارع يرد كل يوم هذه التكهنات عبر ارتياد ساحة الكرامة صباحاً ومساءً، الساحة التي أصبحت رمزاً لكل السوريين ومنبراً تُتْلى فيه يومياً مطالباتهم برحيل النظام وتطبيق القرار الدولي 2254.

ولعل بقاء سؤال ديمومة الحراك مطروحاً مرده دخوله في سباق مع سرعة استجابة القوى الإقليمية والدولية لدعمه والوقوف على أهدافه، وهي استجابة بل استجابات بدأت تتجلى في أشكال مختلفة كان آخرها الدعم والتأييد الدوليين من على أهم منابر المنظمات الدولية.

قمع الحراك؟

منذ اللحظة الأولى لاندلاع انتفاضة السويداء، ولأن الشعب السوري خبر على مدى عقود كيفية تعاطي النظام مع كل بادرة اعتراض على هيمنته، بدأت التكهنات بالقمع العسكري والأمني، وعلى أقل تقدير إطلاق مرتزقة البعث والشبيحة لضرب المظاهرات كدأب النظام في السويداء منذ الأيام الأولى للثورة السورية، بيد أن النظام عمد إلى ضرب الحراك من خلال إطلاق اتهاماته السمجة الممجوجة والمكرورة بالعمالة والخيانة والسعي إلى الانفصال عن الوطن، الرواية التي دحضها الحراك وما زال من خلال بياناته وتصريحات ناشطيه ومرجعياته، ومن خلال الإصرار على أيقونة صيحات الثورة السورية (واحد واحد واحد الشعب السوري واحد) الصيحة التي تقضّ مضجع النظام لأنه سعى طيلة عقود إلى بثّ الفُرقة بين مكونات الشعب السوري على كافة المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والطائفية، كما عمد النظام إلى استخدام أزلامه داخل السويداء وكذلك لبنان بغية التأثير ما أمكن على الحراك واحتوائه ومن ثم تطويقه.

لكن أساليبه تلك لم تُؤْتِ أكلها وفشلت فشلاً ذريعاً أمام غضبة الشارع ووقفته الصارمة التي أكدت أنها لن تتراجع ولن تفاوض ولن تصالح.

لكن سؤال لجوء النظام إلى القمع العسكري يبقى مطروحاً لأن هذا الأخير لا يتوانى عن ذلك حال أخذ موافقات مشغليه، ولأنه -أي النظام- لا عهد له ولا ذمة، ديدنه الوحيد القضاء على كل سبب يهدد بقاءه في السلطة.

الحكم الذاتي؟

إن سؤال التقسيم الذي لطالما طُرح بقوة في الجبل بات يُطرح في جنوب سوريا وكذلك في الشمال والشرق، أي في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، الأمر الذي يجعله قائماً إلى أن تجني الثورة ثمارها، كما أن تصريحات رأس النظام في أنه رئيس لبعض السوريين وأنه يبحث عن سوريا مفيدة وأنه يسعى إلى مجتمع متجانس تبقي السؤال قابلاً للطرح.

وهذا السؤال في الجبل تحديداً من المرونة بمكان، سرعان ما يبرز مع كل حراك مناوئ للسلطة، ليس فقط لخصوصية السويداء جغرافياً وديموغرافياً، بل لأن مشروع سلخ الجبل عن سوريا الأم طُرح مراراً بدءاً من سايكس بيكو قبل أكثر من مائة عام، إلى أن أعيد طرحه في ستينيات القرن الماضي من قبل دولة الكيان الصهيوني، وصولاً إلى اتهامات أبواق النظام للحراك اليوم بالسعي وراء تطبيق مخطط يبدأ بالمطالبة بالحكم الذاتي وينتهي بدولة مستقلة. لكن الحراك كان واعياً لتلك الفرية، ليبادر بالتالي إلى دحض رواية النظام واضعاً وحدة سوريا أرضاً وشعباً ومصيراً هدفاً أساسياً له، رافضاً كل الأكاذيب التي حاول النظام لصقها به.

مآل الحراك؟

وهو السؤال الأصعب، السؤال الذي سيبقى مطروحاً رهن الظرف الإقليمي والدولي الذي لا يبدو له انفراج في المدى القريب، سيما وأن الدول صاحبة القرار منشغلة في قضايا تراها أولوية في حين ترى قضايانا تفاصيل وعلى الهامش، وحتى يأخذ مصير الشعب السوري صفة الأولوية لدى تلك الدول علينا أن ننتظر، إلا إذا استجابت مناطق سيطرة النظام لصيحات ساحة الكرامة وثارت على نفسها أولاً وشكلت ضغطاً حقيقياً يضاف إلى الضغط الذي فرضه حراك السويداء وتكون نتيجته تحرير ساحة الأمويين من الهيمنة الأمنية وإسقاط النظام تالياً.

ولئن كانت الأسئلة التي طرحتها انتفاضة السويداء عديدة وعلى درجة كبيرة من الأهمية، فإن ثمة حقائق فرضتها، أهمها أن الثورة السورية مستمرة وأن انتفاضة السويداء هي الرد الحقيقي على الثورة المضادة التي تحالفت فيها كل القوى الديكتاتورية والظلامية لوأد الثورة الأم، كما أن انتفاضة السويداء فضحت مزاعم النظام في تحقيق الانتصار على شعبه وفي حمايته للأقليات، كما وضعت انتفاضة السويداء جامعة الدول العربية في موقف صعب بعد أن عكست فشلها الذريع في إعادة تأهيل مجرم حرب وزعيم عصابة كبتاغون.

ليفانت - نزار غالب فليحان  

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!