-
بعد الغزو الروسي لأوكرانيا.. سوريا إلى أين؟
إن الأنباء التي تفيد بأنّ الجنرال الروسي ألكسندر دفورنيكوف قد تم تعيينه في قيادة "العملية الخاصة" الروسية في أوكرانيا، كانت من شأنها أن ترسل قشعريرة عبر العديد من السوريين. كان دفورنيكوف قد قاد الحشود عام 2015 لتعزيز موقف دمشق والنظام السوري، وبالتالي تحويل المد الذي بدا حتى ذلك الحين لا يمكن وقفه. يجب ألا ننسى هنا أنه قد دمرت القوة الجوية الروسية ميزان القوى آنذاك وسمحت للأسد، الذي أعيد تنشيطه، باستعادة حلب وأجزاء استراتيجية أخرى من البلاد.
ومع ذلك، وبينما تركز الأنظار على الحرب في أوكرانيا، ما تزال سوريا مجزّأة جيوسياسياً وممزقة بالحرب، حيث ما يزال الملايين يعيشون خارج البلاد أو يعتمدون على المساعدات الإنسانية في دول اللجوء والمخيمات. مرت الذكرى الـ 11 للثورة السورية في مارس، دون أن يتحدث أحد عن الأعمال الوحشية التي ما زالت ترتكب في تلك البلاد. لذا ومع ظهور أعمال وحشية على مشارف كييف، يجب على السوريين الذين عانوا من محاكمات ومحن مماثلة أن يتساءلوا عما إذا كان قوس العدالة الخاص بهم سيأتي، عاجلاً أم آجلاً، أم لن يأتي على الإطلاق، بسبب الأحداث في شرق أوروبا.
دعونا نؤكد نقطة حاسمة ولو استراتيجياً، أنه لا يوجد مكان في مختلف أنحاء العالم محصّن ضد أصداء الأزمة الأوكرانية، ولكن البعض سيشعر بها أكثر من غيرها. وستتأثر بعض الدول بالارتفاع الحاد في أسعار الغذاء أو الوقود، وآخرون يرون أن سلاسل إمداداتها الدفاعية وسياسات القوة التقليدية التي تتدفق بسبب المحاولات التي يقودها الغرب لبناء أقسى العقوبات المفروضة على بلد على الإطلاق.
إن سوريا هي مزيج من كل ما ذكر أعلاه. بعد أسابيع قليلة من الأحداث، تبين أن روسيا قد وضعت قائمة تضم 40 ألف سوري لنشرهم في أوكرانيا للمساعدة في غزوها للبلاد، ونقل تجربة المقاتلين السوريين للطبيعة الوحشية لحرب المدن، ما يمكن أن تجعلهم رصيداً بالمدن في أوكرانيا التي أوقفت التقدم الروسي. فيما يقول منطق آخر إنه مع تعرض روسيا "لخسائر كبيرة"، فهم يحتاجون إلى كل مساعدة يمكنهم الحصول عليها.
ومع ذلك، فإن الاستفادة من خبرة الجنرالات الروس والمقاتلين السوريين في محاولة للحصول على ميزة في أوكرانيا شيء آخر، ومن طرف ثانٍ، يجب ألا نجهل عدم توقع أن يؤدي ذلك إلى تغيير ميزان القوى في سوريا نفسها. قصفت إسرائيل مواقع عسكرية داخل سوريا هذا الأسبوع للمرة الثامنة هذا العام، ولكن في تكتيك نادر، فعلت ذلك في وضح النهار. وفي الوقت نفسه، أدت النيران غير المباشرة في الشرق على ضفاف نهر الفرات إلى إصابات طفيفة في صفوف القوات الأمريكية، وغارة جوية لاحقة ضد الميليشيات المدعومة من إيران على الجانب الآخر من النهر.
من الصعب قراءة وشرح المزيد من الحوادث التي ليست باستثنائية وسط عملية مد وجذر للعنف الحالي في سوريا، لكن بنفس الوقت، خطوط الصدع يمكن أن تظل كامنة نسبياً لسنوات أو يمكن أن تنتج زلزالاً مدمراً. إن حقيقة أن روسيا والولايات المتحدة، وهما دولتان تحاولان إعادة إرساء قواعد هذه الحرب الباردة الجديدة، موجودتان في البلاد مع وكلاء وحلفاء مسلحين مما يجعلها تشكل خطراً واضحاً وكبيراً. ومع ذلك، لطالما كانت أهداف روسيا في سوريا تركز دائماً على دعم دمشق، في حين ركزت الولايات المتحدة حتى الآن على العمليات المناهضة لداعش. هل يمكن أن يتغير ذلك؟
هذا هو الدَين الذي يدين به ديكتاتور دمشق -الأسد- لبوتين، لدرجة أنه لا يمكن أن تكون هناك فرصة واقعية تذكر لرفض المجرم السوري طلبات الدعم من موسكو، سواء في الساحة الدبلوماسية أو من خلال نقل المقاتلين. ومع ذلك، يبقى السؤال المطروح هو ما إذا كان تركيز روسيا على أوكرانيا ونشر سوريا للتعزيزات سيوفر الفرصة للقوات المناهضة للأسد، والتي ربما يتم تنشيطها من خلال موارد خارجية لتغيير الديناميكيات على الأرض، أم أن الخطر التركي الآخر في سوريا سيبقي الوضع كما هو عليه مشتتاً ومبعثراً كما الريح؟
تركيا لاعب رئيس داخل البلاد والمنطقة لكنها تحاول تقديم مساعٍ حميدة للأزمة الأوكرانية، ومن غير المرجح أن تغير لباقتها بشكل كبير لطموحات متعلقة بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. وبالتوازي قد تشعر إسرائيل بأنها أقل تقييداً بمهاجمة أهداف في سوريا مع استثمار روسيا بشكل أقل في الأعمال اليومية هناك. ومع ذلك، فإن السؤال الحاسم في جوهره هو ما إذا كانت الولايات المتحدة تشعر بأنها تستطيع، ويجب عليها الضغط على روسيا في سوريا؟ وهل يمكن لمزيد من الأسلحة والتدريب لقوات سوريا الديمقراطية في الشمال الشرقي أن يدفعهم جنوباً لخطوط عبر الفرات أو يشنون هجمات "الكر والفر" لإجبار دمشق على الرد؟
وفي شمال غرب البلاد، قد تغتنم الجهات الفاعلة المسلحة ما تعتبره فرصة بغض النظر عن أي تغيير في سياسة الولايات المتحدة. منذ أيام، تم الإبلاغ عن قصف بالقرب من إدلب بجانب الغارات الجوية الروسية، ويجب اعتبارها مقياساً مفيداً لمدى تغيير أوكرانيا للوضع في سوريا، وما إذا كانت الجهات الفاعلة المناهضة لدمشق في البلاد تعتبر ذلك الوقت مناسباً للقيام بمناورة تكتيكية أو استراتيجية.
مما سبق يمكن أن نستنتج، أنه وفي هذه المرحلة تحديداً هناك تحول نموذجي في الجغرافيا السياسية بالمنطقة، وأن النظام العالمي الجديد لن يتهاون مع تبعثر قواه الإقليمية والمحلية لتمديد عمر الحروب، تقلص الصراعات هو الهدف الأسمى لتلك الدول، جغرافياً وسياسياً، وفي هذه الحالة بكل تأكيد ستكون سوريا هي الدولة التي تلي أوكرانيا في تلك التغييرات، والنتائج الأولية للحرب الأوكرانية الروسية ستكون واضحة لكل الأطراف في سوريا مهما امتد عمر الصراع الأوكراني الروسي الحالي.
ليفانت - شيار خليل
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!