الوضع المظلم
الخميس ١٩ / سبتمبر / ٢٠٢٤
Logo
تركيا ونادي التوحش
غسان المفلح

بعد ما حققه حزب العدالة والتنمية لتركيا من انجازات لا يمكن نكرانها. منذ توليه السلطة انتخابياً في العام 2002. حيث نقل الاقتصاد التركي نقلة نوعية مستدامة. أدخل تركيا اقتصادياً بنادي الكبار بالمعنى النسبي للعبارة. وتحول النموذج التركي إلى مضرب مثل، في تولي حزب" إسلامي" يؤمن بالديمقراطية وعلمانية الدولة التركية. ليس فقط على هذا الصعيد، بل على صعيد ما قدم من انجازات في كافة الصعد الاقتصادية كما ذكرنا والسياسية والقانونية وعلى مستوى الحريات العامة. مكافحة قوية ومثمرة للسلطة السوداء وفسادها المزمن. التي كانت تحكم تركيا عسكرياً من امام الستار أحياناً أو من خلفه أحياناً أخرى. هذه الأمثلة السريعة هي لتبيان الخطوات الأردوغانية اللاحقة التي ختمت هذه المسيرة النموذجية، رغم بقاء القضية الكردية في تركيا دون حل نهائي، ورغم بعض الخطوات المهمة التي قدمها هذه النموذج على هذا الصعيد. حيث مقارنة بما قدمه هذا الحزب على الصعيد الكردي بواقع الكرد في سورية وايران، يعتبر خطوة متقدمة.


إن استعار الخلاف الأوروبي التركي، ارتبط بمسألتين أساسيتين:

الأولى أن حكومة العدالة والتنمية بذلت جهوداً قوية من أجل دخول الاتحاد الأوروبي. لكنها كانت تصطدم بالفيتوات الأوروبية المتعددة الفرنسي على رأسها. مما حدا بها إلى التخلي عن هذه الفكرة. ومحاولة تشبيك عالمية مع أطراف أخرى. مما جعل الأوروبي يغضب لأنه كان يريد تركيا ملحقة إلحاقا بالاتحاد الأوروبي دون أن تكون عضواً كبقية الأعضاء. على طريقة النموذج البورتوريكي. نسبة لجزيرة بورتوريكا وعلاقتها بأمريكا. حيث هي ملحقة بأمريكا دون أن يكون لها حقوق كباقي الولايات الأمريكية الخمسين. هذا سقف ما طرحه الأوروبيون على حكومة العدالة والتنمية. ودون أفق في أن يتطور هذا المطروح. خاصة دخول دول من أوروبا الشرقية لا يقارن اقتصادها ولا مستوى الحريات فيها بما هو في تركيا. حيث تحكمها مافيات "حزبية" مثل هنغاريا وسلوفاكيا سابقاً.


الثانية هي الخوف من قيام محور روسي صيني تركي على كتف أوروبا بارتياح أمريكي. إضافة بالطبع لمحاولة العدالة والتنمية في اختراق النفوذ الأوروبي في منطقة الشرق الأوسط. أيضاً برعاية أمريكية. أوروبا أيضاً محكومة بالمعنى النسبي للعبارة بوجود تركيا بالحلف الأطلسي. هذا الوجود الذي لا تزال أمريكا داعمة له ومصرة عليه. حتى أتت المحاولة الإنقلابية التي رعاها أوباما ورضا أوروبي فرح، للإطاحة بالتجربة التركية برمتها وليس برجب طيب أردوغان فقط، حيث كانت الخطوة الأوبامية خارج السياق المعروف في العلاقة التركية الإسرائيلية والعلاقة التركية الأمريكية وهذا سبب فشلها الرئيسي. يريدون عودة السلطة السوداء مع كل مافياتها. بالتالي عودة تركيا إلى نادي ضحايا التوحش بدل أن تنضم لنادي التوحش. اعتقد هنا أن هنالك تنازع داخل الدولة العميقة الأمريكية حول الدور التركي وعلاقته بإسرائيل.


إسرائيل التي كما أزعم أنها وقفت ضد الانقلاب لاعتبارات تخصها. كنت قد كتبت عن هذا الأمر مرات عديدة. بعد هذا الانقلاب حث أردوغان الخطى سريعاً لكي ينضم إلى هذا النادي، ويثبت أقدام تركيا فيه. حيث كانت سورية المعبر الأهم لقيام شراكة أردوغانية بوتينية مدعومة إسرائيلياً خاصة بعد محاولة الانقلاب الفاشلة. هنا لابد من الاشارة أن تغير ما بالموقف الإسرائيلي يمكن وحده أن يخلق مصاعب أمام أردوغان بتثبيت أقدامه في ناديهم هذا. هل هنالك الآن مؤشرات تدل على تغير الموقف الإسرائيلي من خلال ما يجري من مناوشات في إدلب بين روسيا عبر ميليشيا الاسد وبين أردوغان عبر الجيش التركي؟ لننتظر ونرى.


الخطوات التي قام أردوغان بها على الصعيد الداخلي. نجاحه في تثبيت نظام رئاسي يحوز فيه الرئيس على الطريقة الأمريكية المنتخب من الشعب مباشرة على سلطات واسعة، لكن المفارقة هنا أن أردوغان لم ينحو باتجاه مأسسة القانون الجديد على الطريقة الأمريكية! بل حاول تكريسه على الطريقة البوتينية وهذا سر من أسرار التقارب الشخصي بين الرجلين كما أعتقد. نتاج هذه الخطوات وغيرها على سورية أنها حولت تركيا من وسيط إلى محتل في سورية، كباقي الاحتلالات الأخرى من خلال عمليات درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام. استخدامها للسوريين في محاربة حزب العمال الكردستاني، واحتلال عفرين وبعض مناطق أخرى كانت تحت سيطرته، وخلقت شرخاً جديداً في النسيج السوري او راكمت ما قام به سابقاً حزب العمال الكردستاني المعروف بالبي كي كي. كان الأوروبي راض عن التحول في الدور التركي في سورية. لكن لم يكن بحسبانه أن يرعى الأمريكي وموافقة روسية على أن تتحول تركيا إلى لاعب محتل في سورية أكثر حضوراً منهم، خاصة منذ قيام اتفاقيات سوتشي وأستانة مع المحتلين البوتيني والخامنئي. رغم ظهور تناقضات أحياناً بين هذه الأطراف الثلاثة. هذه الاتفاقيات التي مررتها أمريكا بعيداً عن أوروبا وما بني عليها، زادت من حدة التوتر التركي الأوروبي. خط الغاز المدشن أخيراً في الشهر الماضي. الذي ربط الغاز الروسي عبر تركيا إلى أوروبا. دخول اردوغان ايضاً كمحتل على خط الصراع في ليبيا. هذا بالذات لم تكن فرنسا ماكرون راضية عنه أبداً. مما زاد من حدة الخلاف الفرنسي التركي. كل هذه الأمثلة لنقول أن أردوغان ماض قدماً في الانضمام إلى نادي التوحش العالمي. هذه النزعات الآن اتخذت مساراً جديداً تماماً، حيث تشبه إلى حد كبير النزاعات الأوروبية مع بوتين. أو النزاعات بين الأوروبيين أنفسهم في بعض الملفات كالملف الليبي. الآن خروج بريطانيا من الاتحاد يمكن أيضاً أن يلعب دوراً سلبياً في حال اتجهت بريطانيا لقيام علاقات أكثر شراكة مع تركيا. من هذا نصل إلى أن الخلافات التي يمكن أن نراها بين اردوغان وبوتين أو بين ماكرون وأردوغان. هي خلافات باتت داخل نادي التوحش هذا دون أن تصل إلى مرحلة كسر العظم. ولا يعول عليها كثيراً بالنسبة لنا كسوريين على الأقل.


أخيراً تعريفي لنادي التوحش هذا ينطلق من معايير موضوعية تتعلق بالقوة والاقتصاد والسياسة وتبادل المصالح. لكن المعيار السوري ينطلق أنه ما من زعيم من هؤلاء المنتمين لنادي الأقوياء هذا رف له جفن، وهو يرى أطفال سورية منذ تسع سنوات، يشردون في البوادي والخيم في أصعب الظروف المناخية والحياتية. هم لا يرف لهم جفن لهذه المقتلة الإبادية الاقتلاعية التي تقوم بها الأسدية بدعم هؤلاء جميعاً ضد شعبنا. هؤلاء جميعا وحوش! الذي انضم إليهم أردوغان بعد سعي حثيث منه ومن بعضهم.


غسان المفلح - كاتب سوري

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!