-
تعهد جديد لكن صعب تصديقه من جديد
-
ما الذي يمكن أن يكون وراء التصريحات المثيرة التي صدرت عن اجتماع ليلة رأس السنة لوزراء دفاع روسيا وسوريا وتركيا؟
أفادت وكالة تاس، في 30 ديسمبر 2022، أنه عقب المحادثات التي جرت في موسكو بين وزراء دفاع روسيا وسوريا وتركيا، وافقت أنقرة على سحب القوات التركية من الأراضي التي تحتلها في الشمال السوري. وكما نعلم، أن مصير هذه المناطق السورية التي انتهى بها المطاف تحت الاحتلال التركي دون موافقة السلطات السورية يتعارض مع القانون الدولي، رغم زعم السلطات التركية مواصلة احترامها لسيادة سوريا وسلامتها الإقليمية.
بطبيعة الحال، كون هذا الاجتماع هو الأول من نوعه على هذا المستوى الرفيع بين ممثلين عن تركيا وسوريا بعد 11 عاماً من العداء المفتوح والاتهامات المتبادلة، وتلاه بيان أنقرة حول استعدادها لسحب قواتها من الأراضي السورية المحتلة، يستحق اهتمام الأطراف المعنية والمجتمع الدولي. لكن في الواقع، وحتى عشية اللقاء أعلنت السلطات التركية وعلى مدى أشهر، وبإصرار منقطع النظير، عزمها على إجراء عملية عقابية عسكرية، هي الخامسة على التوالي في شمال سوريا بحجة محاربة الإرهابيين، تقصد بهم القوات الكردية.
لذلك من الصعب تصديق أن ما حدث يمنع أنقرة هذه المرة من عمل عدواني جديد ضد سوريا، وما أجبرها على الإدلاء بمثل هذا التصريح الذي ينزع ظاهرياً للسلام؛ أنه إيماءة صريحة لموسكو ودمشق؟ طبعاً من المحتمل أن يكون أردوغان قد استجاب لنداءات عاجلة من موسكو وبكين وواشنطن بالامتناع عن عمليات توغل جديدة في شمال سوريا. كما ربما تكون هذه الخطوة مرتبطة ببدء الحملة الانتخابية الرئاسية في تركيا صيف عام 2023 أو محاولة حل جزئي على الأقل لمشكلة ملايين اللاجئين السوريين.
ما يلفت الانتباه، أنه لم يتم حتى الآن، الإعلان عن تواريخ محددة لانسحاب القوات التركية من الأراضي السورية المحتلة ولم يتم تحديد الجهة التي ستنقل إليها السيطرة على المناطق المحررة. واليوم، وبحكم الأمر الواقع، ما تزال سوريا مقسمة إلى ثلاثة جيوب: المنطقة الرئيسة - التي تسيطر عليها دمشق وحلفاؤها الإيرانيون، والمناطق الشمالية التي تنتشر فيها فصائل المعارضة المسلحة والجماعات الإسلامية الراديكالية التي تحتلها تركيا، ومنطقة الحكم الذاتي الكوردي "روج آفا". في الشمال الشرقي من البلاد، بدعم من قبائل عربية وكتيبة صغيرة من القوات المسلحة الأمريكية.
خلال سنوات الاحتلال التركي في شمال محافظات إدلب وحلب والحسكة والرقة عن طريق المعارضة السورية المسلحة والجماعات الإسلامية الراديكالية مثل جبهة النصرة وجبهة تحرير الشام (كلاهما محظورين في سوريا وروسيا)، تم إنشاء حكومات بديلة لسلطات الأسد في الأقاليم والبلدات وقوات مسلحة، بل ووكالات استخباراتية وشرطة.. وتم إدخال الليرة التركية للتداول، وبدأ تدريس اللغة التركية في المدارس.. ثم طورت أنقرة برنامجاً مكثفاً لبناء ما يصل إلى 200.000 منزل جديد في هذه المناطق من أجل إعادة توطين 1.5 إلى 2 مليون لاجئ سوري من المخيمات في تركيا. في الوقت نفسه، قد أُخذ في الاعتبار أن العدد الهائل من اللاجئين كانوا معارضين لنظام الأسد وسيصبحون معقلاً وموطئ قدم موالٍ لتركيا في سوريا. جاءت جميع هذه السياسة متماشية مع خطط أردوغان وحزبه الإسلامي لجلب القوات الموالية لتركيا مثل الإخوان المسلمين إلى السلطة في دمشق وإحياء الإمبراطورية العثمانية في ظروف تاريخية جديدة.
بناءً على ذلك، يمكن الافتراض أن انسحاب القوات التركية من مناطق شمال سوريا قد يتأخر إلى أجل غير مسمى ولن يعني على الأرجح نقل السيطرة على هذه المناطق إلى الحكومة في دمشق. على ما يبدو، تتوقع أنقرة استمرار السيطرة على شمال سوريا بمساعدة قواتها بالوكالة من المعارضة السورية والإسلاميين الراديكاليين. وكذريعة لمزيد من التدخل في الشؤون الداخلية لمنطقة سورية، يستخدم أردوغان ما يسمى بشبح التهديد الكردي. وليس من قبيل المصادفة أنه عقب اجتماع للإدارات العسكرية للدول الثلاث في موسكو، قيل إن "التشكيلات الكردية المرتبطة بحزب العمال الكردستاني التركي (PKK) هي "عملاء للولايات المتحدة وإسرائيل وتشكل أكبر خطر على سوريا وتركيا!". ويبدو هذا الجزء من البيان وكأنه تنافر واضح على خلفية التطبيع المستمر للعلاقات التركية الإسرائيلية وحقيقة أن تركيا ما تزال الطرف الجنوبي لحلف شمال الأطلسي.
من المعروف أن حزب العمال الكردستاني أوقف منذ فترة طويلة جميع الأنشطة السياسية والعسكرية في تركيا، ويقضي زعيمه حكماً بالسجن مدى الحياة، وسحب شعارات إقامة دولة كردية أو حتى حكم ذاتي. أما بالنسبة للأكراد السوريين، فهم يستخدمون أيديولوجية ورموز حزب العمال الكردستاني، لكنهم لم ينتهكوا أبداً الحدود السورية التركية ولم يرتكبوا أي عمل مناهض لتركيا. كل "ذنبهم" أمام السلطات التركية يكمن في حقيقة أنه خلال الحرب الأهلية في سوريا، كان الأكراد قادرين على تنظيم أنفسهم وإنشاء هيئات حكم ذاتي وقوات شعبية، والتي لم تصد فقط هجوم جهاديي داعش (المحظورة في روسيا)، لكنها حررت أيضاً الشمال بأكمله منهم - شرق البلاد. وقد تحولت تركيا في ذلك الوقت إلى ممر عبور وقاعدة خلفية للإرهابيين الدوليين، واشترت النفط والمنتجات النفطية من الخلافة الإسلامية، وساهمت في نهب وتهريب القطع الأثرية في المتاحف، والمنتجات الزراعية؛ كما عولج المسلحون الجرحى وأعيد تأهيلهم في المؤسسات الطبية التركية. وبعد هزيمة العصابات الإرهابية الموالية لتركيا في سوريا، أثار الأكراد غضب أردوغان المولع حديثاً بالعثمانية الجديدة.
كما اعتُبر إنشاء منطقة حكم ذاتي كوردية في شمال سوريا تسمى "روجافا" في أنقرة مثالاً محتملاً قد ينسحب على سكان تركيا الكورد البالغ عددهم أكثر من 20 مليون نسمة، مستغلاً العجز السياسي والعسكري للسلطات في دمشق، نفذ أردوغان، بذريعة كاذبة لمحاربة الإرهاب، عدة عمليات عسكرية عقابية في مناطق السكان الكورد في شمال سوريا. ونتيجة لذلك، تم إنشاء ما يسمى بـ "المنطقة الأمنية العازلة" بين مدينتي إعزاز وجرابلس الحدوديتين شمال حلب، واحتلت منطقة عفرين الإدارية، وسيطرت على المناطق الحدودية شرقي نهر الفرات. لقد عانى مئات المقاتلين والمدنيين الكورد من تصرفات القوات التركية والقوات التي تعمل بالوكالة عنها، واضطر مئات الآلاف منهم إلى الفرار، بعد تنفيذ عمليات التطهير العرقي. كما بدأت سلطات الاحتلال التركي إعادة توطين العرب السنة الموالين لها والتركمان من مخيمات اللاجئين في تركيا ومناطق أخرى من سوريا في الأراضي المحتلة.
وهكذا، فإن اجتماع العام الجديد لرؤساء الإدارات العسكرية لروسيا وتركيا وسوريا وما تلاه من تصريح لأنقرة حول نيتها سحب قواتها من سوريا، بالطبع، يستحق الاهتمام ويمكن اعتباره خطوة إيجابية مهمة نحو تسوية سلمية للأزمة السورية. لكن ومع ذلك، فإن عداء أردوغان المستمر تجاه مواطني سوريا الكورد، وعزمه المكشوف على مواصلة ما يسمى بـ "مكافحة الإرهاب" في سوريا لا يمكن أن يبعث على التفاؤل بالمستقبل القريب.
لم يُسمع بعد من أنقرة استعداد أردوغان للاعتراف بشرعية حكومة الأسد أو رفض دعم الجماعات الإسلامية الراديكالية في محافظة إدلب. على الأرجح، في هذه المرة أيضاً "تمخض الجبل عن فأرٍ!"، أي، من غير المرجح أن تلبي نتائج الاجتماع توقعات جميع الأطراف المعنية بين بيان أنقرة الإعلامي وحفظ السلام الحقيقي في سوريا، تبقى مسافة كبيرة.
ليفانت - د. ستانيسلاف إيفانوف
الترجمة عن الروسية: د. رضوان باديني
د. ستانيسلاف إيفانوف
حول الكاتب
- د. ستانيسلاف إيفانوف
- باحث رئيسي في مركز الأمن الدولي، لمعهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية - التابع للأكاديمية العلمية الروسية.
لمحة
قد تحب أيضا
كاريكاتير
لن أترشح إلا إذا السوريين...
- December 28, 2024
لن أترشح إلا إذا السوريين طلبوا مني..
ليفانت-خاص
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!