الوضع المظلم
الأربعاء ٢٥ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
تناقض وتعاضد حين لا يمكننا أن نتنفس
ريما

 


يحدث ان نرى تعاطفا كبيراً على مستوى العالم عموماً والعالم العربي أيضاً مع الحركة الاحتجاجية الكبرى التي تمتد في الولايات المتحدة الامريكية " حياة السود مهمة"  وهي حركة احتجاجية غاضبة أعلنت وقوفها في وجه السلوك العنصري البغيض ضد السود في أمريكا ، حيث خرجت المظاهرات الغاضبة في كثير من دول العالم كما حصل في  معظم الولايات الامريكية على مقتل المواطن الأميركي من اصل إفريقي جورج فلويد على يدِ شرطيٍ عنصري في ولاية مينيسوتا حيث وتركه يختنق تحت ركبته لمدة تسع دقائق بدم بارد وهو فعل تقشعر له الابدان ويصدم انسانيتنا بالعمق ،   حراك الشارع الأمريكي هذا أعلن وقوفه في وجه العنصرية التي يمكن ان تكون ممنهجة وتحتاج الولايات المتحدة لتجتاز هذه المرحلة تغير حقيقي في القوانين ومحاسبة جدية وحازمة للمنتهكين وتنمية اكثر وفرص اكبر للأحياء الفقيرة وابناء الأقليات المتعددة من خلفيات عرقية متعددة وهو نضال طويل ومرير خاضه السود في أمريكا منذ زمن طويل .. 


 


التعاطف الذي حصل في العالم هو ارتكاس انساني عظيم وضروري وهو ما يجب ان يحصل دوما امام أي انتهاك أو جريمة بحق الانسان أينما كان، ولكنه طرح لدي كثير من الأسئلة حول كيفية فهم البعض للتمييز أصلاً والعنصرية وانتهاكات الحقوق بمختلف أنواعها وأسبابها في بلداننا العربية وبلدان المنطقة فالبعض قد لا يفهم حقيقة جذر المشكلة او يجتزئها فيما يتفق مع اراءه،.  أي تمييز او اضطهاد قائم على  عوامل مرتبطة بشخصية الانسان المميز ضده سواء عرقه ، لونه , رأيه ، جنسه أو ميوله الجنسية ،  او آرائه او معتقداته، وحتى قدراته الذهنية او الجسدية هو اضطهاد وجريمة لا تقل بشاعة عما حصل مع جورج في امريكا ،  ومثلاً بعض المتعاطفين في كثير من البلدان العربية  لن يروا حرجاً في انتهاكات يرتكبونها بأنفسهم بحق فئات أخرى تعيش في بلدانهم من الأقل حظاً على مستوى الطبقة الاجتماعية او الخلفية الثقافية او الدينية ، آخرون لا يرون أي مشكلة في التمييز ضد النساء وانتهاك حقوقهن وتعنيفهن بل وقتلهن أحياناً ، البعض  الاخر قد يضحك من مشهد فيه انتهاك وأذى لشخص مثلي الجنس او متحول جنسياً في الشارع وعلى مرأى من الجميع.. اخرون لا يجدون أي ضرر من ممارسة فعل التحريض اليومي على أتباع دين او مذهب،   او قومية ما خلال حياتهم اليومية قولاً وفعلاً  او من خلال تربية أطفالهم وينعكس بعض من هذا في الموروث الشعبي و الامثال والحكايات الشعبية المتداولة ،  فئات أخرى قد تمارس انتهاكات واضطهادات لمجموعات كبيرة من البشر لأنها تخالفهم الراي سياسياً او تتبع مذهبا معينا او تطالب بحقوقها الثقافية كأقليات مثلا تعيش في تلك البلدان، هناك أيضا من ينظر بقرف وتململ الى اللاجئين ، ويعتبر انهم اقل مرتبة منه كانسان ويرى انهم جميعا حثالة ولصوص ومجرمين!


 


والغرابة في المشهد لن تقف هنا بل تصل الى حد الاستهجان والضحك حيث لا يكفي البكاء كارتكاسه لتفاصيله حين تصدر تصريحات من أنظمة قمعية اضطهدت شعوبها بالكامل لعقود من الزمن وهي تدين العنصرية في أمريكا او قمع الشرطة للمتظاهرين وهم من قتلوا مئات الالاف من مواطنيهم لنفس الأسباب من جذور متعددة كالنظام الإيراني راعي النظام السوري، فالأول أعدم وقتل الالاف من الإيرانيين لانهم تظاهروا ضده، او لأنهم من عرب الاهواز، او لانهم معارضين للنظام، وسجن النشطاء والناشطات في مجال حقوق الانسان وحقوق النساء و ساهم في قمع وقتل السوريين ودعم الثاني وهو النظام السوري الذي ارتكب جرائم تقشعر لها الابدان ضد المتظاهرين والمعارضين والشعب عموما جرائم منها الاعتقال والتعذيب والحصار والتجويع والمجازر بحق قرى بأكملها، واستخدم كل أنواع الأسلحة بما فيها المحرمة دوليا وشاهد العالم أطفالنا وهم لا يستطيعون التنفس امام الكاميرات، وهم يعدون الجميع بأنهم سيخبرون الله بكل شيء أمام صمت العالم..


 


قبل ما يقارب الستين عام قال الإعلان العالمي لحقوق الانسان"   "يولد جميع الناس أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق" وعلى ما يبدو الإشكالية ما زالت قائمة في فهم كثير من البشر لفكرة الإنسانية والتساوي بين الجميع دون استثناء بغض النظر عن الدين والجنس والعرق والدين والميول والآراء..


 


لا يمكن لهذا العالم أن يشفى من وباء العنصرية والتمييز والقمع حتى تصبح ثقافة حقوق الانسان وتشريعاتها جزءاً من التربية اليومية والموروث الثقافي في المجتمعات،  و جزءاً من مناهج التعليم وسياسيات الدول على مستوى التخطيط والبنى الاقتصادية والخدمية والثقافية،  ومصدراً للقوانين المحلية وسياجاً لتطبيق القانون و حين تتحقق الرقابة على مطبقي القوانين والضابطة العدلية والقوى الأمنية فيما يتعلق  بمدى تطبيقها لتلك القوانين ، اما على المستوى العالمي فلن يحصل هذا حتى يزول التجاهل بين الشعوب والثقافات و حتى تتقارب الشعوب من بعضها بعضاً عبر الفن والثقافة والاختلاط والسياحة والتعليم وتكريس مبدأ تقبل الاختلاف عبر تنمية الحوار والمشاريع الشبابية المشتركة لمجموعات شبابية بشريه من ثقافات متعددة وتنمية قدرات الحوار والمناظرات والتبادل الاكاديمي بين الجامعات مثلا لا حصراً


المهمة ليست مستحيلة لكنها صعبة وتحتاج ارادة حقيقة لهذا العالم بالتنفس والنهوض من تحت وطأة الأفكار العنصرية والتميزية والتجاهل والانانية، يحتاج هذا العالم لكثير من الحب والتقارب، 


نحتاج أكثر للتعارف من جديد كشعوب وثقافات بل حتى على مستوى أبناء الوطن الواحد.


ريما فليحان

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!