الوضع المظلم
الثلاثاء ٠٥ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
جائحة الإشاعة التي تغزو أيّامنا هذه
همبرفان كوسه

أثناء هجوم تنظيم داعش الإرهابي على منطقة شنكال في العراق، وقتذاك كنت قريباً من المنطقة الحدوديّة السوريّة_العراقيّة نستقبل الأزيديين الفارين من هجوم التنظيم الجهاديّ، حتّى دخلنا إلى العمق العراقيّ بعض الوقت. أتذكّر حينها ظهور شائعة مفادها أنّ مدينة شنكال قد تحرّرت وفرّ التنظيم منها . جائحة الإشاعة


ما جعل عدد من الأزيديين الفارّين وعوائلهم يعودون على الفور إلى مدينتهم، واختفوا بعدها؛ أغلب الظنّ أنّهم فقدوا وخطفوا على يد عناصر التنظيم وبعضهم قتلوا، وفق ما أكّده زملاء وصحافيون من كردستان العراق. كانت هذه الشائعة نُشرت من صحافيين ونشطاء ومدنيين ومؤسسات إعلاميّة، تركت خلفها ضحايا ومخطوفين. حيث تلك الشائعة تقول إنّ المهجّرين يقتلون مرّتين، مرّة وهم مهجّرون من منازلهم، ومرّة وهم يتلقّون المعلومات الكاذبة عن عودتهم إليها.


في جائحة كورونا، خلّفت المعلومات المضلّلة والمزيّفة التي أطلقها رجال دين ومدوّنون إسلاميون ومسيحيون أرقاماً مضاعفة للجائحة. كانت المعلومات التي وجّهها رجال الدين على صفحات التواصل الاجتماعي قد حالت دون أن تُمنع التجمعات في دور العبادة، ربّما ظّن بعض ضحايا الشائعة أن وجودهم في دار للعبادة والدعاء سيحميهم من المرض، كما جرى في حادثتي ماليزيا وكوريا الجنوبيّة في المساجد والكنائس.


ربّما أودى شغف شعوب الشرق الأوسط إلى تلقّي الأخبار المزّيفة التي تبالغ في المعلومة والأرقام وتفاصيل الأحداث إلى تقبّل كل ما قيل عن فيروس كورونا، حتّى تلك التي تخلق الذعر بينهم، وتسبّب لهم مشاكل نفسيّة. أو ربّما كان الإعلام قد عوّد الشعوب على تقبّل هذه النوعيّة من الأخبار.


وربّما كان هناك ثمّة جانب من روح الدعابة والمزاح خلف نشر الأخبار المزيّفة عن جائحة كورونا، تلك الروح التي يمضي بها المرء وقته في حجره المنزليّ فارّاً من المرض. إلّا أنّ الجانب الأشدّ وطأة وتأثيراً هو تصفية الحسابات الدينيّة والمذهبيّة والفكريّة في العالم، الشائعات التي تقول إنّها مؤامرة رأسماليّة تستهدف الشيوعيّة، وشائعة تقول إنّها عقاب من الله للملحدين الذين تخلّوا عن دينهم الإسلاميّ أو المسيحيّ، وأخرى تقول إنّها استهداف لآل البيت والشيعة. كانت شائعات جائحة كورونا، تصفية حسابات سياسيّة ودينيّة واستغلال للأزمة لصالح دول وقناعات وأفكار، قبل أن تكون جمعاً للمشاهدة والمزاح، حتّى إنّها صارت تجد في المثليّة الجنسيّة سبباً لوجودها. جائحة الإشاعة


في مطلق الأحوال، تقبّلت المجتمعات العربيّة والكرديّة والتركيّة الأخبار المزيّفة في أرقام الإصابات والضحايا وآليات التعقيم والوقاية، بعد أن كانت قد تقبلت أرقاماً مزيّفة ثانية في صراعات سياسيّة وعسكريّة جرت وتجري في المنطقة. بمعنى آخر، أهّلت الحركات العسكرية والسياسية في المنطقة شعوبها إلى تقبّل الإشاعة ونشرها وتهويل الأمور، من خلال ما روّجته من أخبار لأهداف سياسيّة وعسكريّة تفيد مصالحها.


والحال إنّه ربّما تكون الإشاعة حاجة اجتماعيّة، تلك الحاجة التي تتناقض مع ذاتها؛ إذ إنّ جزء ممن هم بحاجة لهذه الإشاعة يرفضون الاعتراف بالأخبار الصريحة ويلوجون نحو الأخبار المزيّفة التي ترضي رغباتهم وقناعاتهم.


ليس ثمّة موجة إشاعة لاقت رواجاً كبيراً كما يحدث مع أخبار جائحة كورونا، شائعات كثيرة ويوميّة، نبدأ أيّامنا في الحجر الصحيّ بها وننتهي بها، شائعات مدعومة بأدلّة ووثائق وبراهين حاكها مروّج الإشاعة، شائعات لأدوية منزليّة الصنع وأدوات تعقيم وأرقام ضحايا ومشاهد الدفن والحظر والاعتراض، شائعات للمؤامرة واستهداف للدين والدولة والمعتقدات الفكريّة، شائعات تدلّ على مدى جهوزيتنا لتلقّي المعلومة الزائفة والتعايش معها دون حاجة إلى ابتكار أو مجهود. في نهاية المطاف، سيكون العالم أمام عادات خلقتها جائحة الإشاعة، بعد أن نمضي من جائحة كورونا، هذه الجائحة التي صارت جزء من حياتنا اليوميّة، تعرّفت علينا جيّداً وتقبّلناها جيّداً.


إذ كان ثمّة نظام عالمي جديد بعد جائحة كورونا، فإنّ جائحة الإشاعات هي التي ستؤسّس له وليس الفيروس.


ليفانت - همبرفان كوسه

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!