الوضع المظلم
السبت ١٢ / أبريل / ٢٠٢٥
Logo
  • جدل الإسلام والحداثة في التجربة التركية (3 - 3)   

  • التداعيات على المستوى الإقليمي
جدل الإسلام والحداثة في التجربة التركية (3 - 3)   
عبدالله تركماني

من الواضح أنّ تيار الإسلام السياسي، على المستوى الإقليمي، يتمتع بثقل سياسي مؤثر مقارنة بالقوى السياسية الأخرى في دول المنطقة، مهما اختلفت درجات التسامح والتضييق على هذا التيار، وهو مايستحق قدر من التأمل والدراسة للتعامل مع هذه الظاهرة، خاصة وأنها تعبر عن تطلعات قطاعات واسعة من شعوب هذه المنطقة من العالم. 


كما أنها تفرض على التيار الإسلامي العديد من الاستحقاقات، خاصة في مجال تطوير أطروحاته وأساليبه في العمل السياسي، وربما يكون النموذج التركي المعتدل والذي يمثله حزب " العدالة والتنمية " نموذجاً هاماً في هذا المجال، خاصة وأنه اكتسب العديد من الخبرات العملية في نطاق التعامل مع قواعد العمل السياسي، واستفاد من خبرات إسلامية أخرى. 


وهناك عدة فرضيات لتفسير تزايد الإقبال على الأحزاب الإسلامية في العالمين العربي والإسلامي في السنوات الأخيرة، والمتميز بحدة الأزمة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي يعرفها هذا الإقليم الممتد من الرباط إلى كابول. وهذه الفرضيات هي محاولة اجتماعية - سياسية لتفسير تطلعات قطاعات عريضة من الرأي العام العربي والإسلامي: إذ بات من الواضح أنه يعيش " فوبيا " الهوية، أي ذلك الخوف الكبير وحتى المرَضي على الهوية والانتماء، وجزء من هذا الخوف مفهوم بالنظر إلى التحولات العالمية التي حملتها موجة التغيّرات العالمية التي جاءت مع العولمة معززة بالتطور الهائل في وسائل الإعلام وتكنولوجيا الاتصال، والتي أصبحت تسوّق نمطاً يكاد يكون وحيداً في الثقافة والقيم وأنماط العيش والسلوك. أما الحقيقة الثانية في موضوع الخوف على الهوية يجيء من توظيف سياسي وحزبي لواقع الأزمة من قبل الحركات والتيارات الاسلامية التي تعاني من فقر شديد في الرؤى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية البديلة، بالإضافة لغياب تصوّر واقعي وعقلاني للمشاكل القائمة، فتلجأ إلى توظيف مصادر الانتماء الأولى وعلى رأسها الدين. وبالفعل فقد أثمر هذا التوظيف، في مناخ الخوف على الهوية، تأييداً واسعاً وسط الرأي العام للحركات الدينية، وإن كان لا يتقاسم معها كل تفاصيل البرنامج والرؤية للمجتمع وللعالم.


 ومن هنا، يجب أن تكون تجربة وصول الإسلاميين إلى الحكم في تركيا بمثابة تجربة مفيدة ومثمرة بالنسبة لبعض الدول العربية، بل يجب على قادة التيارات الإسلامية، وأيضا التيارات القومية واليسارية والليبرالية، متابعة هذه التجربة التركية التي حدثت في بلد علماني، لكي تمنحهم دروساً وعبراً تساعدهم في عملهم السياسي المستقبلي. إذ إنّ هذه التجربة توضح أهمية طرح مقترحات واقعية وعملية تتناسب مع العصر الذي نعيش فيه وتداول مصطلحاته وعدم القفز فوق واقعه، وعدم التخفّي وراء الشعارات الواسعة والطنانة كأسلمة المجتمع وطرح صيغة الدولة الإسلامية، وفرض الحجاب علي النساء والمطالبة بالرجوع إلى دولة الخلافة.


ويبقى أن نستخلص بعض العبر من هذه التجربة التركية التي تثير، بشكل مباشر، جدل الإسلام والديمقراطية، بل جدل الإسلام وكل مكوّنات الحداثة:
(1)    - النظام الديمقراطي السلمي هو وحده القادر على إحداث التغيير، ونجاحه في تركيا يدحض ويسفِّه الاتجاه الذي يعتمد العنف والإرهاب، والمؤامرات لإعداد الانقلابات كوسائل للتغيير.
(2)    - إنّ الحركات الإسلامية التي تؤمن بالإسلام السياسي وتنزلق إلى العمل بأساليب غير ديمقراطية تضل سبيلها، ومن واجبها أن تراجع تصوراتها ومفاهيمها وطرائق عملها وتتأقلم مع متطلبات الحداثة، وتندمج في مجتمع الواقع السياسي وتقبل التعاون مع مؤسساته. كما عليها أن تنأى عن إيمانها بأنها وحدها مالكة الحقيقة، بما يجعلها تجاهر غيرها بحملات الإقصاء والتنديد وأحياناً تتصدر أحكام التكفير على المجتمعات.


إنّ المثال الأفضل جاء من إعلان حزب " العدالة والتنمية " التركي أنه يقبل العلمانية التي لا تناهض الدين، وينخرط في أعماق المجتمع التركي ويتعامل ويتعاون مع المؤسسات الدستورية.


والسؤال هو: كم يلزم الإسلام السياسي السوري من تحولات وهزات ثقافية واجتماعية وزلازل سياسية حتى يفهم أنّ عليه أن ينقلب على أفكاره وتصوراته ومفاهيمه المحنطة عن الماضي والحاضر والمستقبل، وعن الدولة والمجتمع والفرد، وعن المرأة والطفل والحريات الشخصية، وعن الفلسفة والفكر والفن والأدب، والحريات العامة.


أوليس المجتمع السوري في حاجة ملحة وعاجلة إلى دولة تقوم على الحق والقانون، فيكتسب المجتمع في ظلها المناعة والقوة ويستعيد بفضلها الثقافة الإسلامية التيتقوم بتجديد نفسها؟ ربما أنّ ما نشهده من الإسلام العلماني - الديموقراطي في تركيا، هو المقدمة الأولى والضرورية لبزوغ فجر هذا النوع من الإسلام السياسي في سورية.


وهكذا، فإنّ إسلاميي تركيا يبعثون برسالة بليغة، إلى كل حركات الإسلام السياسي، مفادها أنه يمكن تقديم الإسلام بصورة مختلفة عما يعرضه الأصوليون المتزمتون الذين يقدمون للعالم صورة متخلفة ومرعبة للدين الإسلامي. إنهم يتحدثون بلغة عصرية مفهومة ويعبرون عن أفكار متمدنة: فصل الدين عن الدولة، الديمقراطية وحرية العمل السياسي للجميع، كفالة حقوق الإنسان، المساواة بين النساء والرجال.


ليفانت: الدكتور عبدالله تركماني

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!