-
جمال باشا أعدم السوريين وأردوغان يحرّضهم على الانتحار
قد يبدو غريباً أنّ أكثر من 104 أعوام لم تكن كفيلة بتغيير العقلية الحاكمة في أنقرة، حيث تسعى على الدوام إلى القوّة والجبروت والسلطة القائمة على جماجم الشعوب المجاورة لها، فالمجزرة التي ارتكبها جمال باشا السفاح في العام 1916 إبان حروب الدولة العثمانيّة مع البريطانيين والفرنسيين بحقّ ثلّة من الوطنيين السوريين واللبنانيين، هي في حقيقة الأمر مستمرّة حتى الوقت الراهن، وإن كانت حينها بصورة مستعمر يسعى الأجداد إلى الخلاص من ظلمهم، فقد تكررت ولكن باستغلال أحفادٍ طغت العاطفة على عقولهم، فأزهقتها، فيما يستغلّ الأتراك طموحاتهم المشروعة بأوطان عادلة بغية إعادة سلطنتهم وإن بصورة مستترة مواربة، تارة باسم الدين وتارة باسم المظلوميّة والدفاع عن الحقّ.
عيد الشهداء في سوريا ولبنان
ولأنّ المظلمة جمعتهم على المقصلة ذاتها، ليس غريباً أنّ السوريين واللبنانيين يحتفون في اليوم ذاته بشهدائهم، الذين تمكّن منهم جمال باشا السفاح، التركي الحاكم لـ”الشام” باسم السلطنة العثمانيّة، حيث جاءت الذكرى بمناسبة أحكام الإعدام التي نفذتها السلطات العثمانيّة بحقّ عدد من الوطنيين السوريين في كل من دمشق وبيروت أثناء نهاية الحرب العالميّة الأولى، في الفترة الممتدة ما بين فترة 21 آب 1915 وأوائل 1917، فيما اختير يوم 6 من أيار، كونه ضمّ المجموعة الأكبر منهم في يوم واحد في العام 1916، وذلك عقب أن اكتشف العثمانيون، وثائق يطالب فيها الوطنيون السوريون من الإنكليز والفرنسيين بالتخلّص من الحكم العثماني إما بالالتحاق بالثورة العربية أو بالطلّب من الفرنسيين احتلال لبنان.
اقرأ أيضاً: 105 أعوام من جزّ المقصلة التركيّة لرقاب ضحاياها من الأرمن إلى الكُرد!
وعليه عقد والي الشام العثماني جمال باشا محكمة صوريّة في عاليه في جبل لبنان وأصدر أحكاماً بالإعدام على عدد من الوطنيين في دمشق وبيروت، فيما نفّذت أحكام الإعدام شنقاً على دفعتين: واحدة في 21 آب 1915 وأخرى في 6 أيار 1916 في كل من ساحة البرج في بيروت، وساحة المرجة في دمشق.
عقب أكثر من قرن
ولعلّ الكثير من السوريين لم يكن ليتبادر إلى أذهانهم، أنّ مساعيهم المشروعة في بناء نظام جديد لبلادهم قد يساهم في تحقيق المساواة والعدالة بين أبنائه، دون إقصاء طائفي أو أثني، بأنّها قد تكون باباً من أبواب الجحيم عليهم، مع تربّص جارتهم الشماليّة بتطلعاتهم تلك، حيث عملت منذ بدء الحراك الشعبي في العام 2011، على التحشيد لفكرة واحدة قائمة على استبدال النظام المستبدّ بآخر مع تبديل طائفته فقط، حيث عملت على تغذية التيارات الموالية له بالمال والسلاح، وعلى رأسها تنظيم الإخوان المسلمين.
وليس سرّاً أنّ أنقرة التي يحكمها هي الأخرى تنظيم الإخوان المسلمين بمسمى “حزب العدالة والتنمية”، كانت تسعى بما ملكت من قوّة بغية الإطاحة بالنظام الحاكم في دمشق، لتثبيت أنصاره في حكمها، كما حصل في بلدان أخرى، حيث سعى التنظيم لاستغلال حالة الهيجان الشعبي من جهة، والانضباط التنظيمي للجماعة من جهة أخرى، بغية حشد أكبر عدد من الأنصار لمشروعها التوسعي، في وقت اضطربت فيه مجموعة من البلدان العربية بوقت متزامن، ودخلت فيه الجماهير على العموم في حالة “سكر ثوري”، توّاقة بعد عقود من الكبت إلى الخلاص من عهود الاستبداد.
اقرأ أيضاً: هل أضحت تركيا “دولة عظيمة”، أم إنّها تتوهّم؟
وفي خضم تلك اللحظات التاريخيّة، كانت أنقرة تسنّ أسنانها للعودة إلى البلاد التي كانت خاضعة سابقاً للدولة العثمانية، وإن كانت قد طردت منها بفعل ظلمها للشعب، فلكي يكون هناك مدخل يمكّنها من العودة مجدداً، حجة مناقضة للأولى، وهي حماية الشعب من الأنظمة التي تحكمها.
ففي سوريا، وبذريعة حماية الشعب من النظام المستبدّ، وهي حقيقة لا يمكن نفيها عن استبداده، استغلّ الجانب التركي منذ تسع سنوات الصراع الداخلي، عبر إمداد مسلحين هم في غالبهم من أنصار تنظيم الإخوان المسلمين، بغية الاستحواذ على أكبر قدر ممكن من المدن والبلدات السورية، تارة باسم حماية الشعب السوري، وتارة باسم حماية الأمن القومي التركي، وتارة باسم محاربة الإرهاب، وتارة باسم حماية وحدة سوريا، وتارة بحجّة أنّ النظام يقتل شعبه، وفي كل الحالات، ليس لأنقرة من مسعى إلّا الاستيلاء على المزيد من الأرض، وتحويلها مستقبلاً إلى لواء إسكندرون آخر، باستفتاء يبدو أنّ التحضيرات على الأرض تجري له على قدم وساق، من تتريك وإضفاءٍ للصبغة التركيّة على البلدات السوريّة في شمال غرب سوريا.
ويتكرّر ذات السيناريو في ليبيا، التي تبدو فيها مطامح أنقرة أكبر بحكم ثرواتها وموقعها وتحكمها بالبحر المتوسط، وتشكيلها للبوابة الجنوبية للقارّة العجوز، وهو ما قد يفسّر الإصرار على خوض حرب فيها إن بشكل مباشر أو عبر وكلائها الليبيين من المليشيات الإخوانيّة في طرابلس.
عبّر التاريخ والتجربة الحاليّة مع الاتراك
ورغم انفضاح الدور التركي خلال العامين الأخيرين تحديداً، واللذين أثبت فيهما كم التورّط التركي في الدم السوري، ومنع أنقرة للحلّ السياسي فيها، عبر عدم السماح للأقطاب السوريّة بالالتقاء، وإفشال الحوارات التي كانت تتم بينهم، من خلال وضع حظر على مشاركة مكونات عرقيّة أو طائفيّة بعينها، وتسببها بالتالي في إفقاد المعارضة السورية صورتها كمعبّر عن تطلعات السوريين في الداخل. لا يبدو أنّ المليشيات المسلحة العاملة تحت يافطة المعارضة السورية بمسمّى “الجيش الوطني السوري” قادرة على الخلاص من المقتلة التي وضعتهم فيها أنقرة على سكّتها، فقد باتوا أمام خيارات قليلة، تتلخص في الموت على يد سوريين آخرين في شرق الفرات، أو قتلهم والاستيلاء على أرضهم وتهجير سكانها منها كما هو الحال في عفرين ورأس العين وتل أبيض، فيما يكمن الخيار الآخر في التوجّه إلى ليبيا والموت في صحرائها كمرتزقة.
اقرأ أيضاً: “الخلايا النائمة” و”القضم على مراحل”.. الاستراتيجيّة التركيّة لإنهاء “الإدارة الذاتية”
أما الخيار الأسلم لهؤلاء المسلحين، والذي قد يتمثّل في الخروج من تحت العباءة التركيّة، وخوض حوار حقيقي مع باقي السوريين، يضمن بناء سوريا جديدة تجمع أبناءها، بدون الثلّة المتورّطة في الدم من جانبي الصراع موالاة ومعارضة، فيبدو أنّ الطريق أمامه ماتزال بعيدة، في ظلّ إصرار الموالين لتركيا على خيارهم الانتحاري، رغم إدراكهم أنّ أنقرة لن تتوانى عن بيعهم في أقرب مزاد.
ولأن المقتلة السوريّة مستمرّة، ومحرّكها قد أضحى واضحاً للقاصي والداني، ولأن قضية السوريين لا يمكن أن تجد نوراً في أنقرة، ولا يمكن حلّها اعتماداً على مساعيها التوسعيّة، يبدو أنّ جمال باشا الذي أعدم السوريين واللبنانيين في ساحات دمشق وبيروت، مايزال حيّاً، وإن كان باسم آخر، وما بين ماضٍ قائم على الإعدام، وحاضر قائم على التحريض لسفك الدم، تبقى النتيجة واحدة للسوريين، الموت إعداماً على يد العثمانيين أو انتحاراً على يد سوريين آخرين بتحريضٍ تركي.
ليفانت-خاص
إعداد وتحرير: أحمد قطمة
قد تحب أيضا
كاريكاتير
من وحي الساحات في سوريا
- December 19, 2024
من وحي الساحات في سوريا
ليفانت-خاص
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!