-
جو بايدن في قمة جدة.. طاقة الشرق ومصالح واشنطن الاستراتيجية في زمن متغير
ثمة احتفاء بدا للجميع منذ أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن زيارته لمنطقة الشرق الأوسط خلال منتصف شهر تموز (يوليو) الجاري، وحضور قمة جدة في المملكة العربية السعودية.
لطالما حرص بايدن على تخفيض القيمة الاستراتيجية للشرق الأوسط في رصيد السياسة الخارجية الأمريكية وعكف من الناحية العملية على إبراز تلك الرؤية في عديد المواقف، غير أن الحرب الروسية الأوكرانية، وتحديداً ما يتصل بأمن الطاقة، دفعت الرئيس الأمريكي نحو نقطة حرجة على تخوم جغرافيا ساخنة ترعى فيها القوى المناوئة للولايات المتحدة الأمريكية كما تشاء، وهو ما عبر عنه بايدن بأنه لن يترك المنطقة للصين أو روسيا لملء فراغاته.
ليس ببعيد عن المتابعة والترقب كم النزيف الذي تعانيه الإدارة الأمريكية من ارتفاع سعر برميل البترول في الوقت الذي يتوقف فيه إنتاج ليبيا من النفط، عبر رفع المؤسسة الوطنية للنفط الليبي إعلان القوة القاهرة في حقول الإنتاج، كنتيجة مباشرة لسيطرة قوات فاغنر الروسية على تلك الحقول، وتداعيات ذلك الحضور بترتيبات سياسية مع عدد من الفاعلين المحليين، لا سيما أن كافة محاولات المستشارة ستيفاني ويليامز للتقريب بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، لم تحقق النتائج المرجوة على مستوى إقرار قاعدة دستورية تسمح بممارسة الاستحقاق الانتخابي.
كافة خطوات الرئيس الأمريكي تتجه نحو "الجغرافيا الأقل تأثيراً في "الشرق الأوسط" بدءاً من إسرائيل وانتهاء بالمملكة العربية السعودية، حيث الاجتماع بدول الخليج العربي مع قادة مصر والعراق والأردن. وهذه التحركات اللافتة ما هي إلا انعكاس لحجم العثرات التي تعتري مسيرة رئيس لن يدرك يقيناً فترته الرئاسية الثانية، بينما سيرحل والعالم على مقربة من اشتعال الرأس شيباً.
لا يمكن بأي حال تصور أن الفراغ الذي بدا في الشرق الأوسط خلال العقود الأخيرة عبر الفوضى التي عرفتها المنطقة، خلال العشرية الفائتة، ونكوص الثقة في الولايات المتحدة كحليف رئيس للأنظمة العربية، من الممكن أن يعود تلقائياً بمجرد زيارة يعلن من خلالها قرار المملكة العربية السعودية بفتح مجالها الجوي أمام كافة شركات الطيران، في إشارة للطيران الإسرائيلي. إذ يبدو معلوماً للجميع أن القرار كان سيدرج قيد التنفيذ، سواء حضر جو بايدن أو لم يحضر، ضمن سياق عام يدفع جغرافيا الخليج العربي لإبرام رؤية سلام مع تل أبيب، وتتماهى مع اضطراب النظام الدولي وارتهان الأوضاع الإقليمية بمنسوب التوتر الدولي. الأمر الذي يدفع لحدوث هذه المقاربة ولو نسبياً مع تل أبيب.
واشنطن تدرك جيداً أن المنطقة العربية لا يمكن أن تكون مرتاحة البال، بينما عواصم ليبيا وسوريا واليمن والعراق داخل حيز قوى شرق أوسطية تمارس أدواراً تكتيكية مع القوى الدولية، وتحقق من خلال ذلك مكاسب استراتيجية على حساب مصالح الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك عبر تناقضات الأوضاع السياسية في تلك النقاط.
ليس من الصعوبة بمكان أن تجد ذلك واقعاً وحاضراً في ليبيا عبر الأدوار التركية المركبة، مرة لصالح موسكو، وأخرى لصالح واشنطن. وكيف يتحرك الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، نحو ذلك عبر توظيف الحضور المزدوج في سوريا وليبيا والعراق من خلال اللعب مع روسيا وواشنطن ومدى تحقق سيناريو الالتقاء التركي والإيراني من خلال الملفات المفتوحة والمشتركة في اليمن وسوريا والعراق.
ومن ثم، إخفاق واشنطن في إدارة "الفوضى الخلاقة" التي شجعت ودفعت في سياق تنفيذها دول المنطقة العربية خلال السنوات الاخيرة، سيضع عراقيل استراتيجية أمام طريق عودتها، لا سيما أن دول المنطقة تتحرك عبر آليات جديدة ومن خلال أدوات مختلفة تتيح لها الحركة بمرونة تكتيكية بعيداً عن أقطاب الجذب الأمريكي والاستفادة من الطاقات الحاضرة والفاعلة في القوى الدولية الطامحة لدور جديد وبارز.
لا ينبغي النظر نحو ذلك بكونه سيحدث ذات ساعة قريبة، ولكنه في حالة تشكل وصياغة يعوزه الوقت الكافي والتطورات اللازمة التي ستطرح نفسها عبر تداعيات موسكو/ كييف، ومدى تطور سيناريوهات الصين وتايوان، وكيف سيدرك العالم عمق أزماته الاقتصادية ونتائجها السياسية.
يرتهن النظام الإقليمي المستقر في الشرق الأوسط بمدى وعي الأنظمة العربية بالأزمات السياسية التي تعاني منها دول الإقليم، وكذا أهمية أن تسعى الدول الفاعلة المستقرة بتماهي تحدياتها الاستراتيجية الواحدة، وأن تجاوز ذلك لن يتحقق سوى بحد أدنى من التوافق على نسبية المصالح، وتفوق تحقق درجة الاستقرار على أي قيمة مضافة قد تحدث دون تحقق الاستقرار وتموضع مفهوم الدولة الآمنة.
لذلك لا يمكن النظر بارتياح لمن يريد أن يقدم زيارة الرئيس الأمريكي بايدن بكونها ردة في طريقة التفكير الأمريكي صوب الشرق الأوسطـ، وأنها مراجعة للذات عن الأهمية الاستراتيجية للمنطقة، وسعي لملء الفراغ بعيداً عن الاستقطاب الروسي والصيني.
إلى ذلك، فهي زيارة تكتيكية تتحرك عبر أهداف مرحلية مرتبطة بمشاكل وقتية يتعرض لها الرئيس الأمريكي وفريقه، ولن يتغير في الأفق المنظور صيرورة منظورها تجاه المنطقة والأنظمة الحاكمة، سوى بتفعيل منصات نسبية ومرحلية الأهداف بين الدول العربية في الملفات الساخنة.
ليفانت – رامي شفيق
قد تحب أيضا
كاريكاتير
من وحي الساحات في سوريا
- December 19, 2024
من وحي الساحات في سوريا
ليفانت-خاص
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!