الوضع المظلم
الجمعة ٠٨ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
حرائق الوطن لا يطفئها الغرباء
نمرود سليمان

كم هي مؤلمة وقاسية قصة الحرائق المشتعلة في سوريا منذ سنوات عشر وما زالت. تعلمنا التجارب التاريخية بأنّ الدول الكبرى، الدولية منها والإقليمية، مهما بلغت من قوة لا تستطيع إشعالها إلا إذا كان الداخل مريضاً وهشّاً وممزقاً، إذا كانت الإرادة الوطنيّة الواحدة المواحدة لجميع الأعراق والمكونات والديانات، لا يمكن لأي قوة أن تشعل عود ثقاب، الدول القوية الاستعمارية القديمة والحديثة في هذه المرحلة، تعمل ليل نهار، وبمختلف الأساليب، وبحرص شديد، على تفتيت وتمزيق وحدة المواطنين، ويستثمرون الدين والعشائرية والفاسدين من مسؤولي الدولة والمعارضة لضرب الوحدة الوطنية.


عشر سنوات مضت على عمر الحرائق في وطننا سوريا، مازالت الصواريخ والطائرات والدبابات القادمة من تركيا وإيران وأمريكا وروسيا تسرح في أرضنا وأجوائنا، وبدعوة من البعض القليل من السوريين الذين أصبحوا بفضل الحرائق أمراء للحرب والسياسة، وحرّاساً للأعلام الغريبة التي ترفرف في سوريا الممزقة جغرافياً.


عشر سنوات، ودماء السوريين لا تقف يوماً عن النزيف، تدفع فواتير كسر الإرادات للدول صاحبة النفوذ في الجغرافية السورية، عشر سنوات والسفن البحرية تعمل لصالح هجرة السوريين من بيوتهم، خيام اللاجئين السوريين تحتل العناوين الأولى في جميع وسائل الإعلام وتقدّم نموذجاً فريداً من الجرائم.


سنوات عشر والغرباء أصحاب النفوذ يقودون أمراء الحرب والسياسة من السوريين إلى أستانا وسوتشي، ويجتمع مجلس الأمن لإيجاد الحلّ في سوريا بدون أي سوري، عشر سنوات وبريق البعض من السوريين يشع من فنادق إسطنبول وموسكو وواشنطن وإيران، سنوات عشر وما زال البعض من السورين يرجون أمريكا وأوروبا للتدخل في سوريا وحسم الوضع لصالحهم. وفي الضفة الأخرى يلحّ البعض من السوريين على موسكو وإيران كي تدافعا عن هذا البعض، سنوات عشر أغلبية الشعب السوري تنتظر المستحيل، الجوع السوري وصل صداه في أنحاء المعمورة ويسجل أرقاماً قياسية، كل الدلائل تشير بأنّ الحل السوري بعيد.. فما العمل؟


سوريا تملك ما لم تملكه دولة عربية أخرى، من وطنيين ومثقفين وسياسين ومبدعين وفنانين، ولكن أصحاب النفوذ غطوا على هؤلاء جميعاً واعتمدوا على بائع الخضرة والنجار ومصلح السيارت، وجعلوا منهم قادة عسكريين لمئات الفصائل، بيمنا المنشقّون من الضباط، وبكل المراتب، أصبحوا نزلاء المخيمات.


لم يبقَ للسوريين الوطنيين في المعارضة والموالاة إلا الوحدة بين جميع الفئات، من عسكريين وقضاة ومحامين وسياسين، والدعوة إلى وحدة الإرادة والهدف، والتوجه إلى خلق كيان وطني جامع يلتف حوله عموم الشعب السوري، ووضع خطط في المجالات كافة، من خلال إنشاء مجالس عسكرية وسياسية ومدنية وقضائية، بناء على القرار 2254، والعمل على إطفاء الحرائق، وإيصال الشرايين السورية المنقطعة، الجغرافية والاقتصادية والشعبية، والتعامل مع الواقع القائم بعقل مفتوح ومنهج علمي ومنطق سياسي، وإنصاف الجميع، والتعامل معهم كمواطنين لا كرعايا.


نعم، يستطيع السوريون فعل ذلك وبسهولة، لأنّ العامل الموضوع ناضج، وينقصنا الذاتي، لذا نعمل على إنضاجه. نحن السوريين لم نكن يوماً شحادين سياسين، بل كنا سادة لسياسي المنطقة ومثقفين لمثقفيها، لم ولن نقدم أي طلب لأي دولة مهما كان حجمها ووزنها وموقعها كي تساعدنا أو تنصحنا أو تقدم لنا أي خدمة، لأننا كسوريين لا نستطيع القيام بدور الشحادين.


عندما نستطيع أن نحقق ما نصبو إليه، ستأتي إلينا كل الدول طالبة التعاون، عندئذ نفرض شروطنا وفقاً لمصلحة شعبنا ونطفئ الحرائق.


نمرود سليمان


ليفانت - نمرود سليمان

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!