-
حرية التعبير واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي بين المنفعة وسوء الاستخدام
كلنا يذكر كيف قامت وسائل التواصل الاجتماعي بدور هام في نقل الحراك الشعبي الذي كان يحدث في دول الربيع العربي بل كل التحركات الشعبية في العالم وما زالت، خاصة حين يكون الاعلام الرسمي مسيساً الى حد القرف في دولنا العربية، بحيث لا تجد الشعوب مناصاً من التعبير بذاتها عما تمر به من أحداث حين كانت وسائل الاعلام ممنوعة عن التغطية، او مسيسة تمارس الكذب حول ما يحصل او تتجاهله، كما أن وسائل التواصل الاجتماعي حققت فرصة للناس دون تمييز للتعبير عن الرأي ومساحة لم تكن متوفرة لهم، حين كان هذا حكراً لمن كان قادراً على الوصول لوسائل الاعلام عموماً وضمن ما تتيحه تلك الوسائل من سياسات تتبعها وأجندات تحملها، حتى تلك الأقلام التي كانت قادرة على الوصول لم تتمكن دائماً من التعبير بحرية في عالمنا العربي حين ترفض بعض المقالات لأنها تخالف اجندات تلك الوسائل الإعلامية وسياستها أو توضع بعض الأسماء على القائمة السوداء لأنها لا تتفق مع سياسة تلك الوسيلة او تلك..
فعل التعبير هذا على وسائل التواصل الاجتماعي سلاح ذو حدين لأنه قد يعني أن بعض الأشخاص الغير أخلاقيين أو الموتورين قد يستخدمونه مرة أخرى لترويج خطابات تجمل تحريضاُ على العنف او الكراهبة او حتى التحرش والابتزاز والاغتيال المعنوي لنفس الأسباب و الدوافع، و هو ما يمكن التعامل معه بعوامل ذاتية تتعلق بمدى وعي الناس وأخلاقياتهم في رفض او قبول أياً من تلك الأفكار المتداولة على تلك الوسائل أولا، وبمدى تطور القوانين الناظمة للنشر في وسائل التواصل الاجتماعي من جهة، وقوانين الدول المتعلقة بملاحقة الجرائم الالكترونية وحق الادعاء للمتضررين من جهة أخرى، وعلى الرغم من هذا يبقى لوسائل التواصل الاجتماعي الفضل في توثيق كثيرا من حراك الشعوب وآلامها وتطلعاتها واطلاق أصوات الناس لتعبر عن ذاتها خاصة في دول لا يوجد فيها أي فسحة تتيح لهم ذلك..
وثقت وسائل التواصل الاجتماعي المظاهرات و الاعتقالات، وأسماء المعتقلين، والمجازر، والجرائم المتعلقة بحقوق الانسان حين كان اعلام النظام السوري مثلاً، والانظمة العربية وقوى الأمر الواقع يحاولون مثلا تكذيب ما يحصل أو التغطية عليه، واتاحت تلك الوسائل التواصل مع الناس في أماكن محاصره ومعرفة ما يحصل، كما انها اتاحت التواصل بين أجيال مختلفة ومكنت من خلال ذلك فرصة تعارف وتبادل للأفكار بين تلك الشرائح العمرية المختلفة والفئات الاجتماعية بتنوعها من حيث الميول والآراء وبمختلف مشاربها وتوصيفاتها..
كانت فرصة أيضا لحملات المناصر الحقوقية، والمجتمعية، والسياسية ولقيام حالات من التضامن مع المظلومين أفراد وفئات اجتماعية، كما انها أيضا اتاحت الفرصة في ظل الشتات الذي تعيشه شعوب بعض البلاد المنكوبة والتي شردتها الحروب في التواصل بغض النظر عن المكان الجغرافي وهو ما خفف من وطأة الغربة والعزلة الاجتماعية في المنافي..
لكل أداة اخترعها الانسان عبر التاريخ استخدامات متعددة وهو الوحيد القادر على تحديد المنحى الذي يمكن له ان يستخدم تلك الأداة بها فالسكين مثلا قد يكون أداة هامة للطهي وقد يكون أداة جريمة بشعه، كذلك كل شيء اخر مهما كان صغيراً او معقداً، وهذا يعني لذلك من المتوقع ان يتطور استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بطرق غير متوقعه عبر السنوات القادمة كما حدث مؤخر حين بدأت تأخذ منهجاً مختلفاً لم يعتد عليه بعض السوريين في حراك جديد أتاح للنساء ان يفصحن عن الانتهاكات التي يتعرضن اليها سواء كانت عنف او تحرش أو ابتزاز أو اذى يعبر عن مشكلة ليست لدى تلك النساء، بل لدى من صدمته القوة وعمق التأثير لتلك الوسائل و الذي تستخدمه النساء العربيات بكثافة مؤخراً، بالإضافة الى الخوف من التغيير وفقدان السيطرة، هؤلاء انفسهم لم يمانعوا فيما سبق لاستخدام تلك الوسائل لأسباب سياسية او ثورية تتفق مع آرائهم او حين استخدمها البعض منهم لاغتيال شخصيات سياسية معنويا لأنهم لا يتفقون مع رؤيتهم، أو لأسباب شخصية ربما ، وهي تعكس عملياً حالة الفصام التي نعيشها كشعوب، بل في بعض الأحيان النفاق او الصدمة او الخوف من التغيير والذي لا يمتلك البعض القدرة على الاعتراف به كمسبب لسوكهم السلبي اتجاه حملات المناصرة تلك..
استخدمت وسائل التواصل الاجتماعي أيضا من قبل شخصيات عديدة وجهات سياسية ايضا وبحجة مناصرة حقوق أو قضايا اجتماعية وسياسية، و أيضاً من قبل بعض الشخصيات الموتورة المحسوبة على شرائح متعددة كان منها مثقفين او إعلاميين او كتاب و نشطاء للإساءة لأشخاص بحد ذاتهم، قوى، ، تجمعات و توجهات سياسية او حتى مجموعات بشرية بكاملها ( اثنية او طائفية ) لتصفية حسابات شخصية أو سياسية او ايدولوجية، ربما لتحقيق شهرة شخصية عبر العزف على وتر الخوف والغضب والجهل، و أحيانا لدوافع نفسية ترتبط بالأشخاص انفسهم، حتى ان تلك الوسائل استخدمت للتحريض على قتل النساء مثلا من قبل بعض الموتورين، و للتحريض أيضا ضد كل من لا ينسجم مع الفكر الجمعي واطار المقبول والمرفوض في مجتمعنا الشرقي غير مكترثين بحق الانسان بالاختلاف والمساواة والحرية الفردية،
أخيرا.. لدينا كامل الخيار في تقرير الطريقة التي نستخدم فيها تلك التكنولوجيا لتكون ضارة او نافعة ولخدمة القيم ومناصرة القضايا المحقة او هدم القيم وتعميق الشروخ في مجتمعاتنا، فهل نحن مدركون لأهمية هذه الوسائل و خطورتها في نفس الوقت وهل نحن مستعدون لتطورها أكثر مما هي عليه الان....؟
ريما فليحان
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!