-
حكومات ودول للبيع والإيجار!
بعد أن فشلت كل محاولات المعارضة وغير المعارضة من منافسي صدام حسين من ذات الحزب أو المؤسسة العسكرية المؤدلجة، من إسقاط نظامه بانقلاب أو ثورة، شنّت الولايات المتحدة وحلفائها حرباً شاملة على العراق بعد غزوه لدولة الكويت وتهديده للمملكة العربية السعودية، والكل توقع أنهم سيسقطوه، لكن الذي حصل إنهم اكتفوا بتحطيم العراق وبنيته التحتية والفوقية، وأعادوه كما وعد رئيسهم إلى حقبة ما قبل الكهرباء، وكأنهم كانوا قد استمعوا إلى صدام حسين وهو يخاطب إيران بأنهم لن يأخذوا مكانه إلا والعراق حفنة من تراب، وحققت أمريكا وحلفائها العرب تلك النبوءة أو التهديد، فانسحبوا بعد أن سلّموا العراق حفنة من تراب لصدام حسين.
ولتتم عملية التدجين فرضوا حصاراً مقيتاً على العراق شعباً وحكومة لسنوات طويلة وقاسية فعلت فعلتها في تكريس العبودية على أيدي أشجع الفرسان الجبناء (الجوع والفقر) ووسائل النظام ورجالاته، محطمين صفحات ومراكز خطيرة في السلوك والقيم الاجتماعية، تكريساً للاستكانة وثقافة القطيع لدى الرئيس ومرؤوسيه، حتى اكتمل البرنامج ونضجت الطبخة لتبدأ مرحلة جديدة هذه المرة بالتدخل العسكري وإنهاء نظام صدام حسين وحزبه واحتلال العراق، والبدء بتأسيس نظام جديد مغاير تماماً للنظام السابق، وبداية تبلور حقبة جديدة من التاريخ مع مجموعة تجار ولصوص اعتمدتهم الولايات المتحدة ووصفهم الحاكم المدني الأمريكي برايمر بأن (نصفهم كذابون، والنصف الآخر لصوص، لا يفصحون عما يريدون ويختبئون وراء أقنعة مضللة، حاذقون في فن الاحتيال وماكرون كما هي الثعالب، يؤمنون بأن الاحتيال على الناس ذكاء، وأن تسويف الوعود شطارة، والاستحواذ على أموال الغير واغتصاب ممتلكات المواطنين غنائم حرب)، ومن هذه التوصيفات والفكرة التي أخذها المحتل الأمريكي لغالبية معارضي النظام الشمولي، بدأت ملامح إنشاء سوق أو بازار لشراء وبيع وتأجير المناصب ومن ثم الحكومات والدول، وكانت تجربة ناجحة أثمرت على تحقيق صفقات عديدة ليس في العراق فحسب بل في سوريا وليبيا واليمن ولبنان وأفغانستان والبازار ما زال مستمرا!
ومن أغرب الأمور في موضوع البيع والإيجار للحكومات والدول خاصة في العراق، أن الكل يتحدث عن الفساد المستشري بين معظم مفاصل الدولة الحديثة دونما التطرق أو التركيز على أساسيات هذا الفساد وصناعته، ألا وهو بيع وشراء المناصب التي كانت حتى سنوات قبل سقوط النظام تكليف وليس تشريف، بل كانت حملاً ثقيلاً على المكلّف أيام العهد الملكي، وكثيراً ما كان المرشحين يعتذرون عن تولي تلك المناصب احتراماً لأنفسهم وللوظيفة، خاصة وأن الأخيرة لم تكن مغرية بامتيازاتها آنذاك كما هي الآن سواء في الحكومة أو البرلمان أو العسكر.
إن من أهم أسباب نشوء هذا البازار الذي كاد أن يمحي أي شعور وطني أو إحساس بالمواطنة الرفيعة والانتماء الحر، هي تلك الامتيازات الهائلة التي خلقت بيئة خصبة لا للتنافس بل للتقاتل من أجلها، وتركين الوطن وأخلاقيات الوظيفة العامة ومسؤوليتها في زاوية مظلمة لا موقع لها في أجندة المكلف، لأن عينه وعقله بالتأكيد على الامتيازات وعلى مساحات الثراء الفاحش والعمولات والسحت الحرام، حتى تحولت مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية إلى إقطاعيات وعمولات وأسواق للصفقات، والشركات الوهمية التي تمتص ميزانية البلد إلى درجة تم تصنيفه واحد من أفشل بلدان العالم وأكثرها فساداً، فلم يكتفوا ببازار المناصب الوزارية والإدارية العامة في المركز والمحافظات، بل وصلت الأمور مؤخراً إلى أن يتهم رئيس الوزراء المكلف الجديد أطرافاً متنفذة في البرلمان والحكومة بدفع مبالغ لأعضاء مجلس النواب لعدم حضور الجلسة أو عدم الإدلاء بالصوت أو رفض منحه الثقة، وهذا يعني أن صفات أخرى تتبلور الآن لشراء أو بيع منصب رئيس الوزراء.
في بلد لم تعد غالبية قواه السياسية المتنفذة تلتزم بما كتبته من وعود وتعهدات للأهالي، وخاصة الدستور الدائم للبلاد الذي لم يعد أكثر من كتاب مركون على رفوف مكاتب المسؤولين للتجمل به ليس إلا، ورحم الله من أخبرنا بالتراث القديم القائل إنهم كانوا يصنعون آلهتهم من التمر، وحينما يشتد بهم البرد أو الجوع يلتهمونها، وما أشبه أحفاد اليوم بأجدادهم في الأمس!.
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!