-
خارطة الحرب السورية وتساؤلات السوريين المختلفة
تفاصيل الحياة اليومية في سوريا توحي بمستقبل يتشابك فيه الغموض مع جملة (من سيء إلى أسوأ). بعيداً عن أمراء الحرب والساسة والتجار (الكبار)، يكمن الجزء الأكبر من حقيقة الوضع السوري عند المواطن البسيط غير المصنف في الفئات المذكورة سابقاً.
* تساؤلات أبناء حلب ودمشق
مما لا شك فيه أن تساؤلات السوريين تختلف باختلاف مناطق السيطرة والنفوذ، فالسوري المقيم في دمشق يتساءل عن كيفية زيادة رواتب موظفي الدولة، وعن فتح البوابات الحدودية للتجارة، والزيارة، ولأغراض أخرى مع لبنان والأردن وتحسين العلاقات مع باقي الدولِ العربية.
كذلك يتساءل عن المستقبل الذي ينتظره مع عائلته حال طرأت تغييرات على طبيعة نظام الحكم في بلده، وبالتالي يكيل التهم والشتائم لأبناء الشمال الشرقي والشمال الغربي وشرق البلاد كونهم وضعوا حدوداً بين جهات سوريا، واستأثروا بخيرات منطقتهم لأنفسهم، هكذا يفكر ابن دمشق وحلب وكل المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري.
* تساؤلات الجزء التركي من سوريا
تحولت المناطق التي اجتاحها الجيش التركي داخل الأراضي السورية إلى مستعمرة تركية، حيث باتت معالم الانتماء السوري تختفي يوماً بعد يوم. ففي إدلب على سبيل المثال، العملة المستخدمة في الأسواق المحلية هي الليرة التركية، والعلم المرفوع هو العلم التركي، واللغة الرسمية الأولى هي التركية، وتأتي العربية في المرتبة الثانية رسمياً، على الرغم من أنها لغة الأغلبية المطلقة لأهالي تلك المنطقة.
المقيم في إدلب يتساءل عن ساعة الصفر للعملية العسكرية التركية القادمة ضد مناطق سورية أخرى غير خاضعة للاحتلال التركي، وكذلك يتساءل عن ساعة سقوط النظام في دمشق ومتى سيتم رفع راية سيطرة الجماعات الإسلامية على كافة أنحاء سوريا.
وهو أيضاً يعاني من الغلاء، وعدم قدرته على تدبر أمور حياة عائلته اليومية، ويكيل التهم والشتائم للمجتمع الدولي الذي غض الطرف عن جرائم النظام، وكذلك لجامعة الدول العربية التي لم ترتدِ زي أسامة بن لادن، وأيضاً لقوات سوريا الديمقراطية التي وقفت في وجه المشروع التركي – الإخواني ويتهمها بالانفصال والإلحاد.
* تساؤلات أبناء الرقة ودير الزور والقامشلي
قبل عام 2011 ولعقود من الزمن، تم إطلاق تسمية المحافظات النامية على هذه المناطق السورية الثلاث، وطبعاً التسمية جاءت من دمشق.
يتشاركُ أبناء هذه المناطق في الكثير من النقاط والعادات والصفات، وحالياً تُدار هذه المناطق من قبل الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا ولديها جيشها الخاص، وهذا الجيش هو قوات سوريا الديمقراطية المعروف اختصاراً بـ (قسد).
يتساءل أبناء هذه المناطق عن مستقبل علاقة الإدارة الذاتية مع العاصمة دمشق وعن كيفية التخلص نهائياً من التهديدات العسكرية التركية وإقامة علاقة طبيعية مع دول الجوار بشكل سلمي.
يتساءل ابن الرقة ودير الزور والحسكة عن السبب الكامن خلف اتهامه بالكفر والإلحاد من قبل أغلب جماعات (المعارضة) السورية المدعومة تركيّاً. وكذلك يتساءل ويقول: متى ستنتهي الحرب وينتهي هذا الغلاء و تتحسن الأوضاع.
* جنيف وأستانا وباقي المؤتمرات في أعين السوريين المُنهكين
لا يهتم السوري المنُهك بنتائج جنيف لا نتائج أستانا ولا نتائج أي مؤتمر دولي آخر، فذاكرة السوري باتت تستصعب ذكر أرقام هذه المؤتمرات، باستثناء جنيف 1 وجنيف 2، حيث كان لهما وقعهما الخاص على مسامع السوريين.
أما الآن فُقِدت الثقة بشكل تام بين المواطن السوري والهيئات والمؤتمرات الدولية، طبعاً هذا السوري الذي يتم تسميته هنا بـ(السوري المُنهك) وهو الخارج عن التصنيف الأول والذي يتضمن أمراء الحرب والساسة والتجار (الكبار)، أي الأغلبية الساحقة من السوريين.
فهو مُنهك لأنه يهرولُ خلف لقمة العيش اليومية، ويركض وراء تأمين لتر بنزين إضافي ليتمكن من تشغيل مولِّدة الكهرباء لديه ليحصل على عدة "سويعات" من الكهرباء في هذا الصيف الملتهب.
هو مُنهك لأنه خارج دائرة اهتمامات أمراء الحرب والساسة المحليين والدوليين، هو مُنهك لأنه تحوّل إلى مجرد رقم في الأخبار على شاشات التلفزة العربية والدولية.
* السوري والحروب اللانهائية
الكل في سوريا يتذكر بدقة الحرب الأهلية اللبنانية، لأن سوريا كانت طرفاً في تلك الحرب، يتذكر السوري كل المعارك التي خاضتها الفصائل الفلسطينية في فلسطين ولبنان وباقي الأمكنة، لأن سوريا كانت طرفاً في الصراع الفلسطيني والحرب اللبنانية.
يتذكر السوري الحروب التي خاضها العراق أثناء حكم صدام حسين وبعد إسقاطِ حكمه، لأنّ دمشق بشكلٍ أو آخر، كانت طرفاً في تلكَ الحروب.
يتذكر السوري جيداً المواجهات المسلحة وعمليات القتل والاغتيالات التي حدثت في مختلف المناطق السورية في الثمانينات.
هذه الذاكرة المُثقَلة بآلام الصراعات والحروب، يخوض أصحابها الآن حرباً غير معروفة النتائج ولا يعلمون متى وكيف ستنتهي، لكنهم يلعنون بعضهم البعض.
قبل عام 2011، كانت سوريا منقسمة فيما بينها، ولكن كان يتم التعتيم على ذلك الانقسام بقوة الدولة، ولكن الآن بات ذلك الانقسام واضحاً. وأكثر الدول التي استفادت من هذه الحرب هي تركيا، التي تقضُم بين الحين والآخر جزءاً من الجغرافية السورية بحجج مختلفة. ولأنه لا يوجد توازن في هذه الحرب فإنها ستستمر إلى أمد بعيد.
ليفانت - محمد محمود بشار
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!