-
خلفيات وتداعيات استهداف الظواهري
ماذا كان يفعل الظواهري في أفغانستان؟ سؤال يوضح تماماً السبب الحقيقي لاستهدافه. معروف أن الظواهري من خلفية إخوانية، استخدمت سابقاً من أجل تشكيل مقاومة إسلامية للاحتلال الروسي لأفغانستان سبقه لها عزام، وابن لادن.
فالجماعة المقاتلة من تنظيم الإخوان التي نشطت في مصر وكانت وراء عملية استهداف السادات ثم السياح ومفاصل الدولة تم تصدير قسم منها لأفغانستان، ولليوم يسمى شارع مهم في طهران باسم الإسلامبولي، ومعروف أيضاً ارتباط الإخوان البنيوي بإيران، حيث قال علي خامنئي لوفد حماس الذي ذهب لشكره لمساعدتهم: (نحن نطبق منهجكم). ومعروف أن الظواهري قد وجد في إيران ملاذاً آمناً بعد غزو أمريكا لأفغانستان، وبقي هناك حتى انسحبت أمريكا منها، حيث عاد ليعيش بشكل طبيعي فيها بين أصدقائه القدامى.
سبق وأن اختلف منهج الظواهري الإخواني مع منهج ابن لادن السلفي، في تنظيم القاعدة، بعد خروج الاحتلال الروسي، والذي حسم لصالح ابن لادن، يومها حاول الكثير من المجاهدين العودة لأوطانهم التي قدموا منها لمتابعة جهادهم، والذي جوبه برفض قاطع، مما حول موقف القاعدة من حليف لأمريكا ضد روسيا، لعدو لأمريكا بعد هزيمة روسيا وتفكك المنظومة الشيوعية وزوال خطرها.
منهج السلفيين في القاعدة أن جهادهم هو جهاد دفع ضد أعداء الأمة الخارجيين، فهذا الجهاد هو فرض عين ولا يحتاج لفتوى ولا إجماع، فالأمة عندما تتعرض للعدوان على كل مؤمن أن يؤدي واجب الدفاع دون تردد، بينما منهج الإخوان هو الجهاد ضد العدو الأقرب الذي يستخدمه العدو الخارجي كجندي عنده في أرض الإسلام، يقصدون الأنظمة العميلة، وهذا يتطلب تكفير هذه الأنظمة ثم الخروج عليها وضربها، والإمساك بالسلطة من أجل التمكين للإسلام فيها ثم التصدي للعدو الخارجي، فالمباشرة بالبعيد هو تضييع للبوصلة وللتسلسل المنطقي لتجميع القوة اللازمة للنصر (وأعدوا)، بينما يرى المنهج السلفي أن إضعاف العدو الخارجي بضرب مفاصله سوف يؤدي تلقائياً لضعفه وضعف نفوذه، وسوف يفتح الباب أمام تحرر البلدان من سيطرتهم، بينما المباشرة بالعنف ضد الحاكم سيقسم المجتمع وينقل المعركة للداخل، ولكي لا يكون فتنة فهو يحتاج لفتوى وإجماع ككل خروج عن الحاكم.
في نهاية التسعينات، انتصر تيار ابن لادن، على تيار الظواهري الذي قبل الهزيمة بانتظار فرصة أخرى، وأعدت العدة لضرب مفاصل الدولة الأمريكية في عقر دارها، واتجهت الطائرات التي اختطفها المجاهدون الانتحاريون نحو مبنى التجارة العالمي ومبنى البنتاغون، وأسقطت الرابعة التي كانت تتجه للبيت الأبيض.
قامت أمريكا باحتلال أفغانستان واستئصال القاعدة فيها، مات من مات، وفر من فر، وأسر من أسر، وسيق لمعسرات الاعتقال في كوبا وفي سجون الأنظمة العربية، ولأن الظواهري لا يجد في إيران عدواً، كما يرى السلفي، فقد توجه الظواهري لإيران وابن لادن لباكستان، وبعد الحرب انتهت عملياً القاعدة كتنظيم، ولم يبق سوى أتباع ومعجبون مشردون لا قدرة لهم على الفعل، وما ظهر منها فيما بعد ليس إلا منظمات مفبركة من الاستخبارات العربية الحليفة للغرب تهدف لامتصاص كامل الذين لديهم قابلية للعمل معها، وجرهم لمعارك على أرض بعيدة، وقتلهم هناك، وهذا هو سبب احتلال العراق وحل الدولة فيه ودعوة كل المجاهدين للدفاع عنه ضد الغزو الأمريكي، ثم ستستخدم سوريا أيضاً بذات الطريقة للدفاع ونصرة بلاد الشام في وجه العدوان "النصيري المجوسي الصهيو صليبي"، وسوف تتأسس فيها فروع للقاعدة المفبركة بقيادة البغدادي الذي سيعلن الخلافة كوسيلة جذب قوية لكل المجاهدين الأجانب الذين كان ينتظرهم تشكيل تحالف دولي لقتلهم وكلفت إيران بإدارته، وهو يتبنى مهاجمة الغرب (سلفي)، وآخر بقيادة الجولاني كلفت الدول العربية بالإشراف عليه، والذي تبادل الشرعية مع الظواهري المقيم في إيران أيضاً كونه يدّعي مقارعة النظم، وهو يتبنى الخروج على النظام متماشياً ومستغلاً سذاجة الثوار على الأرض السورية، وهو ما يزال يستخدم كوعاء لاحتواء وضبط المجاهدين في إمارته بإدلب تحت رعاية تركيا، والذي يعتبر أكثر الرجال أمناً في سوريا، لأنه مصنف إرهابياً، فهو علم أرادته جميع القوى العاملة فوق الأراضي السورية، من ثوار يريدون أي حليف ضد النظام، ومن دول عربية تريد إسفنجة تجمع المجاهدين المنتشرين في المجتمعات، وحتى من النظام وإيران الذين يحتاجون لتهمة الإرهاب ليبرروا بها عدوانهم على الشعب السوري، وكذلك روسيا وبقية الدول. لذلك هو الرجل الأكثر أمناً بالرغم من وضعه على قائمة الإرهاب.
تم انسحاب أمريكا من أفغانستان بسرعة ومن دون تحضير، عندما أدركت أمريكا أنها ذاهبة لمواجهة حتماً مع روسيا والصين، فهي هناك (أفغانستان) تقف على أرض رخوة قابلة للاشتعال تحتها، بوجود طالبان وبكونها دولة احتلال قتلت ودمرت، ولكي لا تستخدم أفغانستان ساحة استنزاف وإنهاك للأمريكان، سارعوا لتكليف قطر التي أمرت سابقاً بالحفاظ على علاقات جيدة مع كل التنظيمات الإرهابية، عبر تقديم بعض الدعم المالي وعدم تبني الخطاب المعادي لهم، لكي تهندس قطر اتفاق الدوحة الذي أعطى لطالبان صفة المنتصر الذي فرض خروج الاحتلال دون قيد أو شرط، وتسلمها السلطة في أفغانستان، مقابل فقط السماح بانسحاب الأمريكان وأذنابهم منها، هذا كان الخيار الأفضل للأمريكان حتى لو بدا مذلاً لهيبتهم، هم أرادوا أن تشعر طالبان بالنصر، وتعود لعدائها القديم مع إيران على أساس مذهبي (سلفيين) ولروسيا كونها قد احتلت أفغانستان وأذاقت شعبها الأمرين، وأرادوا لهم استعادة ذكريات الحرب مع روسيا. لكن ذلك الانسحاب كان يتطلب ضمان الوضع في باكستان، التي جرى فيها أيضاً تغيير في السلطة لم يكن متوقعاً.
هنا شعرت إيران بالفرصة وتحركت مستخدمة حصان الإخوان، لفتح حوار وبناء تفاهمات مع طالبان، على أرضية العداء للولايات المتحدة والغرب، مما سيصب حتماً في صالح روسيا التي تسعى جاهدة لكسب التطرف الإسلامي لصفها واستخدام الإرهاب الإسلامي لمهاجمة الغرب في عقر داره كي يصبح بين نارين، من دون أن تدخل معه في حرب مباشرة كما هو متوقع في الحرب الجارية حالياً (حرب الوكلاء وليس الأصلاء).
لا يوجد أفضل من الظواهري للقيام بهذه المهمة، وباستخدام تاريخه الطويل مع طالبان والقاعدة، وقدرته على تدوير الزوايا بين الأطراف، لذلك ذهب واستقر هناك وبدأ بتجميع خيوط صداقاته ورسم خططه لبناء تحالف استراتيجي سري بين طالبان وإيران في خدمة الروس والصين.
هذا ما أجبر الولايات المتحدة على استهدافه قبل أن تقع الفأس بالرأس، كما يقال في المثل العربي.
ليفانت - كمال اللبواني
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!