-
دراسة في النظام السياسي الإسلامي الجزء الأول
أثناء حياة الرسول محمد ( ص ) تطورت الدعوة الدينية من دعوة داخل المجتمع لدعوة منفصلة عنه، عندما رفض المجتمع القرشي بنظامه التقليدي أي فكرة لتجديد معتقده وحارب هذه الدعوة ، رغم أنها لم تكن تمردا سياسيا من أي نوع على السلطات القائمة يومها.
بدأ هذا الانفصال عن المجتمع عندما هاجر عدد من المسلمين لمناطق أخرى هربا بعقيدتهم من التنكيل، وبعد أن حوصر الرسول وجماعته في شعب من شعاب مكة، وظهر جليا مع بيعة أغلب قبائل يثرب وهجرة محمد إليها ، حيث توجب عليه القيام بمهمة سياسية إضافة لمهمته الدينية، فالبيعة الدينية أصبحت أيضا بيعة سياسية ضمنا، لكن من بقي من قبائل في يثرب على ديانات أخرى دخل مع الرسول بعقد مدني سياسي أمني مدون ومشهود لا علاقة له بالدين ( الصحيفة) ، ووهو ما يقر صراحة بانفصال وظيفة السياسة عن الديانة ، ويكرسه كسنة قام بفعلها الرسول ، بالرغم من التمازج الظاهري المذكور سابقا بين الوظيفة الدينية والسياسية والذي كان بحكم الظروف وليس في أساس العقيدة كما سنناقش .
عندما خانت بعض القبائل هذا العقد وأخلّت بشروطه ، طبق عليهم الرسول العرف المعمول به في التعاقدات والذي تقره دياناتهم هم وبمحكمين اختاروهم ، أي أن عملية طرد اليهود من المدينة لم تكن بأمر ديني دائم ولا لسبب ديني ، بل بسبب فعل سياسي ارتكبوه كقبائل وأشخاص وليس كدين .
لم يعش الرسول كثيرا بعد فتح مكة وحجة الوداع ، و كان حتى وفاته يحكم منطقة جغرافية صغيرة نسبيا ويقود ما يشبه حلف قبلي أوسع ، القبائل الداخلة فيه تحكم نفسها بنفسها ككيانات مستقلة، وتسترشد بتوصيات الرسول، وتدفع الزكاة لبيت المال، أي لم يكن هنالك دولة سياسية ونظام سياسي بالمعنى الكامل، فقط يوجد بيت للمال بإشراف الرسول شخصيا، لم يكن هناك جهاز شرطة أو قضاء، ولا جيش، الذي يتشكل تطوعيا عندما تطلق دعوة الجهاد وينحل بعدها، ولعب المسجد دور السلطة السيادية الجمعية المستمرة الانعقاد كل يوم ، وهذا أيضا جعل من المسجد مكانا مشتركا للديانة والسياسة معا ، وسوف تستمر هذه الإشكالية ( اندخال وانفصال السياسة و الدين ) عبر التاريخ وصولا للربيع العربي حيث خرجت التظاهرات السياسية منه .
متابعة المزيد داخل الدراسة PDF
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!