الوضع المظلم
الإثنين ٢٩ / أبريل / ٢٠٢٤
Logo
الزنازين السوريّة السوداء
الزنازين السوريّة

عندما انطلق الشّعب السوريّ بهتاف الثورة والمناداة بالحرية، لم يكن يعلم بغير الطغاة المتربعيين على عرش السلطة السوريّة، والّذين مارسوا ظلمهم لسنوات عديدة من قمع للحريّات وتكميم أفواه المطالبين بحقوقهم الإنسانيّة. ووضع كل من تجرّأ على هزّ العرش الأسديّ في سجون علنيّة أو سريّة دون محاكمة ودون مراعاة للحقوق الفرديّة. الزنازين السوريّة 

تخيّل السوريّون الخارجون في مسيرة الحريّة والثورة أنّ الطغاة متمثّلون بالنّظام، وكل من له نفوذ في هذه السلطة الديكتاتوريّة، وإذ بالمواطن السوري في رحلته الثورية يواجه ويقع بين براثن مئة طاغية ومستبد، متمثّلين بأفراد وجماعات وكأنّهم كلّهم يستقون من نفس البئر المسمومة، فمن سجون النظام إلى سجون قسد مروراً بسجون داعش وأخواتها تحت مسميّات للاعتقال، تختلف بين جهة وأخرى، وتصبّ في خانة واحدة، ألا وهي حرمان الناس من حقّهم في التعبير ومواجهة أخطاء تلك الجماعات ومنع الديمواقراطية من التغلغل والعيش في فكر هؤلاء النّاس.


السجون الأسديّة.. مقابر ومعتقلات:


كان للديكتاتور حافظ الأسد بصمة فريدة بابتكار السّجون السّريّة، حيث تتبع هذه السّجون لقادة وعسكرييّن ذوي نفوذ وليس لأفرع أمنيّة بخلاف السجون العلنيّة وتعتبر هذه السجون دويلات داخل جسم النّظام نفسه.


يبدأ تاريخ النّظام الأسديّ الأسود في السجون منذ عام 1963، حيث أقامها قادة الانقلاب البعثيّ بحقّ العشرات من ضباط وسياسييّن، وكان من الواجب تصفيتهم خارج نطاق الفروع الأمنيّة التي كانت وقتها لاتدين بالولاء المطلق للقيادة الحاكمة آنذاك، فتمّ وضعهم في معتقلات سريّة في دمشق وريف اللاذقيّة ومنهم فرقة الحرس الخاصّة بالعقيد ((جاسم علوان)) والمؤلفة من 8 ضباط. 


وتتنوّع مهام السجون السريّة في عهد الأسد الأب، فبعضها أُنشِئ في السبعينات بقصد ابتزاز عائلات البرجوازييّن في دمشق وحلب واختلاس الأموال منهم، وبعض هذه السجون كانت مهمتها مساومة النّظام العراقي على من تمّ اعتقالهم إبان حوادث حماة على اعتبارهم قيادات لحركة الإخوان المسلمين، مقابل تسليم العراق لقيادات بعثيّة هربت من سطوة الأسد بعد قيامه بالانقلاب عليهم.


وبعد انطلاق الثّورة السّوريّة عادت السجون السّريّة إلى الواجهة بقوّة، وكان أوّلها السجن السّريّ في المدينة الرياضيّة في اللاذقيّة، حيث قام ((هلال الأسد)) بزجّ المعارضين للنّظام فيه، وبرز سجن ((كركون الشّيخ حسن)) في باب مصلّى في دمشق كسجن سيء السّمعة، ومن النّادر أن يخرج أحد منه، أضف إلى هذه السّجون معتقلات تابعة لفرع الأمن، مثل فرع الأمن 251 التّابع للأمن العسكري ومعتقل الضمير وشعبة منطقة الحزب بمنطقة الحميديّة في حمص الذي يعتبر مقرّاً لاعتقال مئات الشّباب المعارضيين ومبادلتهم بصفقات خاصّة مع قادة الجيش الحر أو أهالي المعتقلين، ووصلت بعض هذه المبالغ إلى 15 مليون ليرة سوري. وتتبع بعض السّجون لوزارة الدّاخليّة أشهرها، سجن عدرا المركزي في ريف دمشق وسجن المزّة وصيدنايا.


ووفق الشبكة السوريّة لحقوق الإنسان، فإنّ حوالي 147 ألفاً، مازالوا قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري، فيما صرّحت منظمة العفو الدوليّة عن قيام النظام بإعدام مايقارب 13 ألف شخص شنقاً في سجن صيدنايا السيء السمعة، منذ عام 2011 حتّى عام 2020.


وقد واجه الضحايا قبيل الإعدام محاكمة ميدانيّة عسكريّة مدتها دقيقتين أو ثلاث، أمام ضابط عسكري، حيث يتم فعليّاً تسجيل اسم المعتقل في سجل المحكوم عليهم بالإعدام، وبعد عملية الإعدام يتمّ تحميل جثث الضحايا قي شاحنات ويدفنون في مقابر جماعيّة على أراضٍ عسكريّة خارج دمشق.


وقد وصف معتقلون سابقون لدى النّظام، هذا العالم الأسود الذي تعرضوا فيه للضرب المبرّح والصعق بالكهرباء والتجويع والإهانة إضافة إلى الاعتداءات الجنسيّة بشهادة أعداد كبيرة من الناجيين. وبلغ عدد ضحايا التعذيب 14391 شخصاً، بحسب إحصائيّات حقوقيّة، ويبدو أنّ هذه الإحصائيّات أقلّ من الأرقام الفعليّة حيث لايعلم أحد عدد الّذين قضوا تحت التعذيب وهم رهن الاعتقال. 


معتقلات قسد:


يعاني الآلاف في مناطق قوّات سورية الديمواقراطيّة من السّجن لفترات طويلة بتهم متعدّدة ومن دون عرضهم لمحاكمة عادلة وفي سجون سريّة، حيث يتعرّضون فيها للعنف والإذلال، وأحيانا تمتدّ معاناة هؤلاء إلى عوائلهم، وتختلف أشكال وطبيعة السّجون في مناطق قسد، وتتدرّج من الغرف الصغيرة الملحقة بالنقاط العسكريّة والأمنيّة، إلى السجون الكبيرة، كالمدارس وبعض المنشآت الحكوميّة السّابقة، وصولاً إلى مناطق تمّ إعدادها على شكل مخيمات مغلقة يمنع قاطنوها من الخروج، ويعاملون كمعتقلين يخضعون للتفتيش والتحقيق والإذلال المتعمّد.


وتشهد سجون قسد انتهاكات يوميّة بحق المعتقلين الذين يتم اتهام معظهم بالانتساب لتنظيم داعش، أو التواصل مع فصائل الجيش الحر، أو حتّى معلمين خالفوا المناهج الدّراسيّة التي فرضتها قسد في المناطق التّابعة لها، كما طال الاعتقال وجهاء عشائر رفضوا قراراتهم، وأشخاصاً خالفوا سياستهم.


وقد وثّقت الشبكة السوريّة لحقوق الإنسان عمليات اعتقالٍ طالت حتّى الأطفال دون سنّ 18 عاماً، كما طالت النّساء، وقد سجّل ناشطون في عام 2010 أكثر من 5 وفيّات تحت التّعذيب، ومنهم الشاب ((حسين محمد حمادة)) الّذي توفي في سجن قسد في الرقة بعد اعتقاله من منزله، والشاب ((أحمد العمر)) و((عزوز الصالح))، الذين قضوا تحت التّعذيب في ريف دير الزور، ويبقى عدد السجون مجهولاً، ماعدا بعض السجون المشهورة السيئة السمعة مثل ((سجن الهول)) القريب من مخيم الهول، ويضم عوائل وأسر تنظيم داعش، وسجن غويران الّذي يضم 3 آلاف من مسلحي التنظيم.


وقالت منظمة “هيومن رايتس ووتش”: “إنّ قوّات سورية الديمواقراطية تحتجز مايقارب 12 ألف رجل وطفل يشتبه في انتمائهم لتنظيم الدولة، ونحو أربعة آلاف أجنبي من حوالي خمسين دولة”، وتابعت المنظمة: “إنّ السّجناء محتجزون في سجون مكتظّة وفي ظروف غير إنسانيّة في كثير من الحالات”


ومن سجون قسد أيضاً، سجن علايا وسجن الكثيبة في الشدادي الّذي يضمّ حوالي 6000 سجين، وسجن السدّ وغزالة في الرقة ويضم أكثر من 700 معتقل، وذكرت مصادر محليّة استخدام قوات قسد المشافي والمدارس كمعتقلات مثل مشفى أبو حمام في ريف دير الزور.


من بين المعتلقين والمفقودين في مناطق سيطرة قوّات سورية الدّيموقراطية، صحفيون وعاملون أجانب في منظمات دوليّة يطرح حول مصيرهم أسئلة عديدة في ظلّ وجود سجون سريّة كبيرة وبإدانة منظّمات حقوقيّة وإنسانيّة.


معتقلات جبهة النّصرة (هيئة تحرير الشام):


وثقّت الشّبكة السّوريّة لحقوق الإنسان منذ الإعلان عن تأسيس جبهة النصرة عام 2012، حتى عام 2019، اعتقال مالايقلّ عن 2006 شخص، بينهم 23 طفلاً و59 امرأة، وسجّل التقرير أيضا 38 حالة إعدام في مراكز الاحتجاز التّابعة لهيئة تحرير الشّام، معظمهم لم تسلّم جثامينهم لذويهم، ومنهم النّاشط سامر السلوم الّذي أكدت عائلته إعدامه بالرصاص منذ عام 2019.


ويطلق اسم ((العقاب)) على المعتقلات والسّجون التّابعة لجبهة النّصرة وبلغ عدد تلك السجون حوالي 14، معظمها كان بالأصل مداجن هجرها أصحابها بعد الثورة وتعود فكرة تأسيس العقاب وتسميته إلى مهاجر سعودي استهلم الاسم من راية الرسول صلى الله عليه وسلم.


وللعقاب أمير، كما للسجن مدير، ويدعى ((محمد أبو خديجة )) من بلدة صوران في ريف حماة، وأوامر الاعتقال تصدر بشكل مباشر من قيادات كبيرة في التّنظيم، كأبي محمد الجولاني أو أبي قدامة الأردني، أحد أهم المخططين للقضاء على الجيش الحرّ عام 2014. الزنازين السوريّة 


وأهم التّهم التي يتمّ الاعتقال تحت غطائها، التّخابر مع قوّات التحالف الدّولي والعمل مع جهات أجنبية، وجميع المعتلقين في العقاب اعتقلوا بمسائل أمنيّة لا جنائيّة، ويقوم بعملية الاعتقال رتل مؤلف من 5 سيارات مزوّدة برشاشات، ويوضع السجين أول اعتقاله في المنفردة ضمن مساحة لاتتجاوز متراً مربعاً، وبعد نهاية السجن في المنفردة بحوالي أسبوع، يبدأ التحقيق يومياً، ويكون المعتقل معصوب العينين، ويتم إجباره على فتح حسابه في وسائل التّواصل الاجتماعي، ويتخلّل التحقيق الضرب العشوائي والشبح باستخدام الخراطيم والعصي، ويتولّى هذه المهمة الجلّادون وأهمهم ((سامي الحمود)) المعروف بأبي خالد مازوت ويعاونه أبو حسن 600 من بلدة حلفايا.


وبعد انتهاء التحقيق الّذي يدوم حوالي 3 شهور، يتم نقل السجين إلى المعتقلات الجماعيّة، ويتم عرضهم على قضاة معينين من النّصرة، مثل أبي أسيد الجزائري وأبي جابر الحموي. كما سجلت حالات ابتزاز لأهالي المعتقلين مقابل إطلاق سراحهم بمبالغ مالية تبدأ من ثمن بندقية كلاشينكوف انتهاء ب 500 ألف دولار أمريكي.


في سجن العقاب، الطّعام والنوم غير مجانيين، ويدفع السّجين التّكاليف عند إطلاق سراحه، ولا يمكن حصر عدد السّجون بشكل دقيق لسريّة بعضها، أو لاستعمال بعضها لفترة زمنية مؤقتة، كما أنّهم يطلقون تسميات متطابقة على أكثر من سجن للتمويه. ويقول معتقلون سابقون لدى الهيئة، أنّ سجن العقاب الأساسي والأكبر مساحة موجود في أحراش كفرنبل وهو في الأصل مغارة داخل جبل ويجب النّزول حوالي 13 درجة تحت الارض لتصل إليه.


ويتساءل الكثير من السوريين حول مصير أبنائهم في سجون الهيئة بعد سيطرة قوّات النظام على أجزاء من المناطق المحرّرة وخاصة بعد تقارير من جهات حقوقية حول مقتل ما لا يقلّ عن 24 شخصاً تحت التّعذيب، بينهم طفل، ويبقى مصير مايزيد عن 2000 معتقل مجهولًا. الزنازين السوريّة 


معتقلات الفصائل الموالية لتركيا:



رغم مرور مايزيد عن ثلاثة أعوام على سيطرة الفصائل الموالية لتركيا على مناطق عديدة شمالي سورية، لاتزال الاعتقالات والانتهاكات بحق السوريين مستمرّة. وبحسب المرصد السّوري لحقوق الإنسان، فإنّ هناك مقبرة جماعية يجري دفن كل من يقتل في عفرين داخله، وتحديداً خلف سجن يتبع لفرقة السلطان مراد، حيث تجري التحقيقات الشكليّة وعمليات التّعذيب. وبحسب معتقلين سابقين فإنّ عدد السجناء يومياً في هذا السّجن فقط حوالي 5 أو 6 يتعرّضون للسجن والضرب بشكل وحشي.


وبحسب مصادر المرصد السوري، فإنّ السجناء أصحاب التّهم الصّغيرة يجبرون على العمل في كنس الباحات وتنظيف مقرّات القيادة وأعمال المطبخ. وفي بعض الأحيان كان يتم الإفراج عن شخص من سجن فصيل، ليقع رهن الاعتقال في سجن فصيل آخر، وقد طالت الانتهاكات أيضا أهالي المعتقلين الّذين كانوا يحاولون معرفة مصير أبنائهم، حيث يحتجزون لبضعة أيام حتى لايقوم غيرهم بالسؤال عن أبنائهم، كما ويسعى كلّ فصيل لاعتقال عناصر من الفصائل الأخرى من أجل الابتزاز والمساومة عليهم.


وخلال الفترة الممتدّة بين عامي 2016 و2020، تمّ توثيق اعتقال مالايقلّ عن 408 شخصاً، بينهم 13 سيدة وتسعة أطفال من قبل قوّات الجيش الوطني في مناطق سيطرة الفصائل الموالية لتركيا وهم مايزالون قيد الاختفاء القسري.


ويبلغ عدد المراكز الرسميّة للاعتقال، أربعة مراكز علنية، وهي سجن جرابلس وسجن إعزاز وسجن الباب وسجن الراعي، أما السّجون غير الرسميّة فهي كثيرة وأعدادها غير دقيقة، ويعد السجن الأسود قرب بلدة راجو الأبرز في منطقة عفرين. وفي هذا السياق ذكر رامي عبد الرحمن، مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، أنّ الفصائل تمارس في السجون الخاصّة بها جميع أنواع الانتهاكات كالتّعذيب الوحشي وطلب الفدية.


ومن أكثر السّجون دموية ((سجن معصرة)) الّذي يقع على الحدود التّركية، في قرية سجّو، وتسيطر عليه مجموعات تتبع للجبهة الشّاميّة، ويضم سجناء من داعش ومدنيين إضافة إلى 600 كردي، حسب ما تناقل ناشطون. وقد تعرّض للقصف من قبل طائرات مجهولة المصدر عام 2019، يرجح أنّه تابع للتحالف الدّولي.


يشار أنّ جميع القوى المسيطرة على أجزاء من الأراضي السوريّة تقوم بانتهاكات جسيمة بحق الشّعب السّوري، وتتفاوت هذه الانتهاكات بين فصيل وجهة أخرى، وتعدّ تصرفات البعض منها استنساخاً لتصرفات نظام الأسد، حيث لم يعد التّعذيب والقتل والإخفاء القسري حكراً عليه.


– آية الحلبي  

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!