الوضع المظلم
الجمعة ٠٨ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
ريح الشمال القاتلة
محمود سليمان الحاج حمد

لاظُلمة فوق هذه الظُّلمة، ولا موت أشد من هذا الموت، كل تلك القوافل المذعورة من الموت تيمم وجوهها شطر الشمال !!

أي شمال يقصدون، وريح الشمال القارسة تلطم وجوههم، تدمي عيونهم، دأب الراحلون على الرحيل وأدمنوا عليه، لا خير ولا دفء يأتي من الشمال، يحدثون انفسهم وهم يتلفعون بأسمال مما تبقى لديهم من اغطية !!


رحيل الشمال بدأ منذ أول يوم جنح وكلاؤهم به للسلم، منذ أول يوم فاوضوا على حقوقهم، يوم سافرت أول ثلة لا تنتمي إليهم ولا هم يعرفونها، يوم سافرت الى جنيف لتعلن بداية التنازل عن حقوق شعب ، عن ارواح قتلت بلا ذنب ، وعن ملايين هجرت من ديارها !


في ثلاث عشرة أو خمس عشرة من الجولات ، لاشأن للشعب بالعد والحصر، في كل جولة في آستانة كان يتم التنازل اكثر وأكثر، لا أحد يعلم ماتحتويه تلك المحاضر والاتفاقات، كان واضحاً منذ البداية أن التنازل والاستسلام حاصل وهو نتيجة لكل تلك الجولات وماسبقها وماتلاها !


الذي لم يكن واضحاً للشعب هو:


لماذا أخفيتم عنه هذه الحقيقة ليقتل ويرحل من بقي منه إلى وجهة غير معلومة، لماذا لم تخبروا هذا الشعب؟ أم أنه كان يجب ان يموت قسم آخر لتكتمل فصول المسرحية ويظهر المفاوض بمظهر المقاوم والممانع وأن كل مايحدث هو رغماً عنه !؟


عشرة من الكيلومترات فقط على الحدود التركية سيتكدس فيها كل اولئك المشردون والمهجرون ، وتركيا قد أغلقت معابرها فلا مرور، عشرة كيلومترات اتفاقية اضنة ماذا ستسع من كل هؤلاء!؟


كل أحلام المحرر وإدلب الخضراء وأرض الأمان التي حلموا بها تبخرت في يوم وليلة، وهاهم يرحلون مرة اخرى بلا وجهة معلومة !


ليس الشعب من تنازل، وليس الشعب من باع، وليس الشعب من خان نفسه، ومن الظلم أن نقول ذلك !

إنما كل الفصائل خانت، كل الفصائل باعت، باعت ارضاً وشعباً ضحى بأغلى مايملك لأجل تحريرها.


لا شأن للشعب بما يفعله اولئك المسترخون في منتجع فلوريا بإسطنبول، لا شأن لهذا الشعب ببازاراتهم اليومية المفتوحة لكل مشترٍ، غير أن الحقيقة تقول غير ذلك، تقول الحقيقة أن تلك البازارات و الصفقات كانت مادتها وموضوعها هي أجساد هذا الشعب وأرضه، كان موظفو إتلاف فلوريا ومستخدموها يبيعون وهم يضحكون، يهشون بوجه المشتري ويشرحون لهم قيمة وثمن مايبيعون ويتنازلون عنه !


يقول أسياد الفصائل نحن تعبنا على هذه الفصائل وأطعمناهم وسقيناهم ليستولوا لنا على تلك الأراضي، وتلك الأراضي اصبحت لنا - محتلون جدد - ونحن من نتنازل ونحن من نقدر مصلحتنا ومصلحة (الشعب) !

لماذا تدفع لنا تركيا رواتبنا وطعامنا وكل مايلزمنا، نحن ننفذ لها ما تريد، هل سمعتم يوماً أن أجيراً يعمل غير مايريد سيده !؟

في كل هذه الظلمة ماذا فعل وماذا سيفعل الشعب !؟


لن نذكر نظرية الفلاح المصري وكيس الفئران وان هذه الفئران يجب أن لاترتاح فإنها أن ارتاحت ستثقب الكيس وتخرج إلى الحرية ولكنه يهز الكيس ويضربه بالأرض كل هنيهة لتنام !

هذا المثال لايتناول شعبنا المخلص والأكثر عزة وشرفاً بين كل الشعوب حتماً، ولكنه يتناول تفكير وتخطيط اولئك المجرمين والسماسرة في فلوريا اسطنبول !!


من سيوقد شمعة بدل لعن الاتلاف الملعون ؟ واللعنة لا تقتل الشياطين، وكل عام تضرب الملايين إبليس في مقامه ولكن بلا جدوى، لأن إبليس يقيم في قلب كل واحد منهم، حتى وإن رماه بمئة ألف حجر فلن يصيب قلبه !


ويبقى السؤال الأكثر إلحاحاً وموضوعية هو أين الشعب وقواه وماذا هو فاعل !؟

أغفلت قوى الثورة دور الشعب وتنظيمه ليبادر فعله، فأصبح الجميع منساقاً وراء معارضة خائنة ومتسلقة ولاتبحث سوى عن الدور الذي تلعبه!

جماعة (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة) ترى ماذا أعدوا سوى المزيد من الكذب والسرقة والتنازل إلى حدّ الخيانة !؟

كان واضحاً منذ البداية أن الشعب لا يحتاج أكثر من التنظيم، التنظيم وحده، وتوحيد جهوده وقواه، وضع وتحديد خططه وبرامجه لتأمين المكان وقبله الإنسان، تأمين موارد بقائه وصموده، اقتصاده البدائي، نشاطه الفكري وكيفية التحرر، ليس المكان وحده من يصنع النصر وكذبة المقاومة والفصائل التي تبيع عند أول أمر بالتنازل والرحيل، ولايهم بالباصات الخضر التي لم تعد تُؤَمن لهم أو على الدراجات النارية أو في مقطورة وراء جرار إن توفرت !!

أين المثقفون والخبراء وأهل العلم ؟


وهل ينتظرون من المشردين في الخيام أن ينهضوا بمشروع وطني وهم عاجزون عن تأمين خيمة ينام بها ذووهم !؟

أين نخفي رؤوسنا بعد كل هذا الدمار ومن هو المسؤول !؟

الآن وبعد أن سقطت البنادق المأجورة، هل سيسقط خلفها وفي مستنقعها كل تلك العقول المخلصة والتي تبحث عن خلاص شعب!

هذا هو التحدي الأكبر قبل أن يموت الوطن ميتته الأخيرة ويغمض الجار عينيه ليقتطع منه أشلاء لازالت تضج بالحياة !!

وكلّ ما يتوجب على الشعب فعله هو التحلي بالجرأة والقدرة على الفعل، الحزم والعزم، إعادة قراءة المشهد بالشكل الصحيح والابتعاد عن الكذب والشعارات الرنانة التي لم تغنِ عن موت أو ترحيل !!


محمود سليمان حاج حمد  - كاتب سوري

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!