الوضع المظلم
الإثنين ٢٣ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
زيادات الأسعار تزيد الجوع والفقر في سوريا
المحروقات
بلا بطاقة ذكية، ودون مداورة، ولا مناورة، الحكومة السورية تقضي بالضربة القاضية على أمن الاستقرار الأسري السوري، وتدفع الأسر السورية إلى ما تحت التصنيف العالمي لخط الفقر والأمن الغذائي السوري من زاوية ما تبقى من الأسر السورية التي كانت تعيش على حواف خط الفقر العالمي، من خلال رفع أسعار مواد لا تمتلكها إلا (الحكومة، الدولة)، وهي من المواد الأساسية الثابتة "الماء، الكهرباء، والغاز".

هذه الحكومة جاءت بعد الانتخابات الرئاسية، وزادت أساس الراتب "5000 ليرة سورية"، لكنها نهبت من المواطن السوري عشرات الآلاف دفعة واحدة، فقبل زيادة الراتب كانت أسطوانة الغاز المنزلي (2800 أصبحت 9700 ليرة)، بينما رفعت سعر أسطوانة الصناعي سعة (16 كغ) صناعي إلى (49000 ليرة سورية)، وكانت قد رفعت أسطوانة الغاز الصناعي للمستهلك ولجميع القطاعات إلى (30600 ليرة سورية)، سعة (10 كغ)، وفي ذات الوقت ضاعفت ثمن الشرائح الأولى ليرتان، والثانية ست ليرات من استهلاك الكهرباء المنزلي، ورفعت الثالثة من (6 إلى 20 ليرة)، والشريحة الرابعة من (10 إلى 90 ليرة)، والشريحة الأخيرة من (25 إلى 150 ليرة)، وكذلك رفعت أسعار الماء لأغراض الري من (12 إلى 40 ليرة)، ومياه الشرب من (12 ليرة ونصف إلى 120 ليرة)، والتجاري من (32 ليرة ونصف إلى 120 ليرة)، والصناعي من (32 ليرة ونصف إلى 120 ليرة)، وأعمال الإسمنت والحديد من (30 إلى 110 ليرات)، وأغراض أخرى من (28 ليرة و75 قرشاً إلى 110 ليرات)، وتجارية وحرفية من (33 ليرة ونصف إلى 100 ليرة)، أما الاستهلاك الزائد كان (34 ليرة ونصف إلى 100 ليرة)، وكانت الحكومة قد رفعت دقيقة الخليوي من (13 إلى 18 ليرة)، وزادت الرسم على خطوط الهواتف الأرضية، وارتفعت أسعار الجبنة واللبنة والبيض، حيث وصل طبق البيض إلى أكثر من (10000 ليرة)، وكذلك زادت أسعار المازوت المدعوم على البطاقة الذكية إلى (540 ليرة) للتر الواحد، والمازوت الحر إلى ما يعادل (3500 ليرة) للتر.

إن زيادة سعر المازوت المدعوم المخصص للقطاعات الصناعية فرض ارتفاعاً عاماً بالأسعار لكل المواد الغذائية رغم أن التقديرات الإحصائية الحكومية وضعت ذاتها من حيث تدري أو لا تدري أمام امتحان جديد في محاولة ضبط تأثير قرار رفع سعر المازوت ضمن الأرقام المعدة من قبلها، وفشلت في ضبط تأثيرات هذا القرار، لذلك سوف يستمر ارتفاع الأسعار دون ضابط واضح من قبل الحكومة.

امرأة سورية تبيع دورها على الغاز لتأمن الخبز لأطفالها

إن أوضاع الناس والأسر في سوريا سيئة جداً للغاية من ناحية الأمن الغذائي، فوفق الأرقام بالقياس لنسبة السكان الذي يعيشون تحت خط الفقر أن سوريا جاءت في الترتيب الأول عالمياً بنسبة (82,5 بالمئة)، ووفق مسح الأمن الغذائي الأخير أجرته هيئة تخطيط الدول بالتعاون مع المكتب المركزي للإحصاء، وبرنامج الغذاء العالمي جاءت النتائج على الشكل التالي:
1-(30,7 بالمئة) من الأسر الواقعة في دائرة الحرمان الغذائي تصنف الأكثر حرماناً لتكرار اضطرارها لعدم تناول الطعام لأكثر من (10 مرات) في الشهر السابق لتنفيذ المسح.

2-(33,7 بالمئة) من الأسر تصنّف على أنّها متوسطة الحرمان الغذائي لتكرار عدم تمكنها من الحصول على الغذاء من (3 إلى 10 مرات) خلال الشهر السابق لتنفيذ المسح.

3-أما الأسر التي صنّفت على أنها نادرة الحرمان الغذائي، فقد شكلت نسبتها حوالي (36 بالمئة)، والسبب عدم تمكنها من الحصول على الغذاء لمرة واحدة أو مرتين خلال الشهر السابق لتنفيذ المسح.

إن نسب الأسر التي تعاني حرماناً غذائياً شديداً أو متوسطاً، قد زادت خلال الربع الأخير من العام الجاري، ومع رفع الحكومة السورية لأسعار المواد الأساسية سوف يهبط عدد كبير من الأسر من الفئة الثالثة إلى الفئة الثانية، ومن الفئة الثانية إلى الفئة الأولى، ومن الفئة الأولى سوف تهبط إلى ما دون خط الفقر الذي يصنف عالمياً، وذلك يعود لأسباب عديدة، أولها فشل الوزارات في تنفيذ العديد من المهام الموكلة إليها، كضبط المخالفات في الأسواق، والتدخل الإيجابي الفعلي المؤثر في الأسواق، لضمان تدفق السلع والمنتجات إلى الأسواق، والحدّ من عمليات الغش والاحتكار، وعدم قدرة المواطن السوري الحصول على مخصصاته من مادة الخبز والمازوت والزيت.

فالمؤشر الحقيقي ليس التخصيص النظري، وإنما الفعلي، والحرص الحقيقي على إيصال المادة المخصصة للذين يحتاجونها وليس إلى السوق السوداء، فالعديد من المؤشرات تبين تدهور المستوى المعاشي للسوريين خلال سنوات الحرب بشكل كبير جداً، ما نجم عنه من عادات غذائية جديدة، كتقليص عدد وجبات الطعام اليومية، ومحدودية السلع الغذائية المتاحة، لذلك جاء الاعتماد على الخبز كوسيلة للشبع، وزيادة الفارق بين سعر الخبز السياحي، إذ تبلغ الربطة (2300 ليرة)، بينما سعر ربطة الخبز المدعوم (250 ليرة)، جعل معظم الأسر السورية عاجزة عن شراء الخبز السياحي، والاتجاه نحو تأمين احتياجاتها من الخبز العادي المدعوم، ودخول الأطفال كمستهلكين أساسيين للخبز بفعل عدم تمكن الأسر من شراء المواد الغذائية المفيدة لهم.

بالإضافة إلى أن بعض كميات الخبز تذهب علفاً للحيوانات نتيجة الفعل القصدي في الإنتاج السيئ لكي تكون علفاً للحيوانات رغم وجود أفران تنتج خبزاً جيداً، وأخرى تنتج خبزاً سيئاً.

إن كل ذلك يوضح أن سياسة حكومة عرنوس هي تخفيض الدعم الحكومي، إذ تعتبر أن قيمة الدعم المقدم للفئات الشعبية كبيرة جداً، وتستند في رفع الأسعار مؤخراً إلى ارتفاع تكلفة الدعم إلى مستويات تعجز موازنة الحكومة عن تحملها، خاصة في ضوء انخفاض قيمة الواردات خلال سنوات الحرب، وارتفاع معدل التضخم بشكل كبير.

فتوجه النظام وحكومته يتركز على تقليص الشريحة المستفيدة من الدعم وفق معايير استهلاك الأسر السورية من (الكهرباء، الماء، والاتصالات)، وكأنها تستهدف المشردين والمعدومين والمحرومين غذائياً فقط، وسياسات الإفقار التي كانت في صلب عمل الحكومة بالسنوات السابقة ما زالت تمارس ذاتها اليوم دون أي اهتمام حكومي بمعالجة مشكلة الفساد المستشري في المؤسسات والجهات العامة السورية، ولا سيما المعنية بتقديم الدعم.

وحسب ما خلصت إليه نتائج مسح الأمن الغذائي الذي أجرته هيئة تخطيط الدولة بالتعاون مع برنامج الغذاء العالمي، فإنّ حوالي (49,2 بالمئة) من الأسر معرضة لانعدام أمنها الغذائي، وهذا قبل زيادات الأسعار الحكومية غير المدروسة، إذ ستكون نتيجتها أن (95 بالمئة) من الأسر السورية فاقدة لأمنها الغذائي، حيث أشار المسح بوضوح تام إلى أن الأسر الآمنة غذائياً لم تتجاوز نسبتها في نهاية 2020، حد (5,1 بالمئة).

اقرأ المزيد:بذريعة الموز.. تركيا سترحل إعلامياً سورياً

إن سوء الإدارة الاقتصادية داخلياً منذ سنوات يعبر عن حالة الاستخفاف واللامبالاة بمعاناة الناس، وهذا ما يفسر حالة العجز القائمة في مواجهة المشاكل الاقتصادية والسلعية والخدماتية نتيجة السياسات الفاشلة للحكومات السورية المتتالية، إذ تقوم هذه الإدارات بتحميل الفئات الشعبية المسحوقة العجز في ميزانيات الحكومة، وتقوم بزيادة أسعار المواد الأساسية، ولا يقابل ذلك زيادة في الضرائب على شرائح تجار الحرب والأزمة المستفيدين من هذه الحالة، والذين يتاجرون بالمواد الأساسية، خصيصاً ما بات يعرف بتجار مادة "الزيت النباتي"، والسكر والرز، والذين يحتكرون استيراد بعض المواد، ومنها الزيت النباتي، وغيره من المواد الأساسية في السوق السورية.

اقرأ المزيد:شمعة يوّجه رسالة: : وقّعت مجبراً على”قرار العودة الطوعية”

إن عملية زيادة الأسعار على المواد الأساسية (الماء، الكهرباء، والهاتف) لن تسد العجز في موازنة الحكومة الحالية، والحكومات القادمة، وإنما سوف تزيد من عدد الأسر التي ستهبط إلى ما دون خط الفقر العالمي، فالمعالجة القائمة في هذه الحكومة تكرر ما كانت تقوم به الحكومات السورية قبل آذار 2011، وبعده، بدون متابعة جدية لتجار الحرب السورية بكافة مستوياتها.

ليفانت - ماهر إسماعيل

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!