الوضع المظلم
الإثنين ٢٣ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • سيف الإسلام القذافي والاستحقاق الانتخابي الليبي.. قلق في المستقبل

سيف الإسلام القذافي والاستحقاق الانتخابي الليبي.. قلق في المستقبل
رامي شفق
ثمة جانب لافت لا ينبغي بأي حال تجاوزه أو إهمال أثره في مسار الاستحقاق الانتخابي الليبي، حين طالع الجميع صورة المرشح المحتمل سيف الإسلام، بينما يرتدي العباءة الليبية التقليدية، والتي تستدعي في ذاكرة الليبيين رداء والده العقيد الراحل معمر القذافي، خلال خطابه الشهير إبان أحداث العام 2011، وكذا تداعيات ذلك على أطراف عديدة، داخلياً وإقليمياً ودولياً، الأمر الذي يمكن رصده من خلال متابعة ارتفاع منسوب التفاؤل بين المواطنين الليبيين، ومدى استقرار ذلك، بنفس الدرجة، خلال الأيام القليلة القادمة، فضلاً عن مستوى ترقب وارتباك البعض من إعلان "سيف الإسلام" نبأ ترشحه للانتخابات الرئاسية، المزمع إجراؤها في الرابع والعشرين من شهر ديسمبر/ كانون الأول القادم.


داخلياً، طلب وكيل النيابة بمكتب المدعي العام العسكري الليبي من المفوضية العليا للانتخابات إيقاف أي إجراءات تخصّ المرشح المحتمل سيف الإسلام. دولياً، علقت وزارة الخارجية الأمريكية على تقديم الأخير أوراق ترشحه للانتخابات الرئاسية بأن الشعب الليبي وحده من يقرر من سيمثله في الانتخابات المقبلة. وقال مسؤول في الخارجية الأمريكية إن وجود سيف الإسلام في الحكم سيكون "تحدياً كبيراً" لمستقبل ليبيا، وتساءل: "هل يريد الليبيون أن ينظروا اليوم للمستقبل أم الماضي؟".

اللافت أنه بعد ساعات من إعلان المفوضية الوطنية العليا للانتخابات قبول أوراق الترشح الخاصة لسيف الإسلام، جرت تحركات ميدانية وتنظيمية لعدد من الميلشيات في الغرب الليبي التابعة للإسلام السياسي، وهاجمت مقاراً تابعة للانتخابات، وقد أعلنت الأخيرة الإغلاق التام لحين إشعار آخر.

من الصعوبة بمكان الاشتباك مع فرضية نجاح هذا المرشح أو غيره على خلفية الرضا الإقليمي والدولي، أو الحديث عن ارتفاع أسهم أسماء بعينها في بعض المناطق الليبية، على خلفية اعتبارات عشائرية أو قبلية، في ظلّ الخلاف الدائر حول مواد قانون الانتخابات الرئاسية، وبخاصة مضمون المادة 12، والتي ينظر إليها من جانب فريق باعتبارها جاءت لتمنح البعض فرصة الانخراط في المشهد السياسي وتقطع الطريق على آخرين بالمشاركة في الانتخابات الرئاسية.

تحدّثت بعض المصادر الإعلامية المحلية الليبية، عن كون رئيس حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة عبد الحميد الدبيبة هو من دفع المدّعي العام العسكري نحو الاعتراض على قبول ترشح أوراق سيف الإسلام وذلك على خلفية سجلات قضائية.
المصادر المتطابقة تحدّثت عن رغبة الدبيبة في التقدم بأوراقه للانتخابات الرئاسية، وأنه ينبغي تعديل المادة 12، أو الاعتداد بقرار مجلس النواب الليبي برئاسة المستشار عقيلة صالح، بخصوص سحب الثقة من الحكومة، باعتبار أن ذلك القرار جعل السيد رئيس الحكومة خارج العمل التنفيذي، وبالتالي، تقبل المفوضية العليا أوراق ترشحه ولو بتأويل خاص.

غير مرة يؤكد المسؤولون في الولايات المتحدة الأمريكية، مثلما جرى على لسان السفير الأميركي في ليبيا، ريتشارد نورلاند، على موقف بلادهم والمجتمع الدولي الداعي إلى ضرورة إجراء الانتخابات في ليبيا. واُعتبر أن هذا الاستحقاق الانتخابي الهام يجب أن يجرى "دون أي جدل"، حيث تم التلويح بعقوبات على المعرقلين.

بيد أنّ الجانب الأكثر أهمية في تلك التصريحات عندما قال نورلاند في تصريحات تليفزيونية على وجوب إجراء التعديلات الفنية والقانونية على القوانين الانتخابية "بالتوافق بين القادة الليبيين". وفي موضع آخر من تلك التصريحات أشار إلى كون واشنطن عازمة على التعامل باعتبار أنه لن يكون هناك أي عفو أو تسامح مع من يفكرون أو يسعون إلى عرقلة الانتخابات، مشدداً على أنها "رسالة واضحة" لا تحتاج أي تفسير أو تأويل.

التدقيق في تلك التصريحات التي خرجت عشية إعلان سيف الإسلام ترشحه للانتخابات الرئاسية، تبرز رسائل واضحة من واشنطن للداخل على الأقل بضرورة أن يقوم مجلس النواب بدوره مع المفوضية العليا للانتخابات، وذلك بإجراء التعديلات المناسبة التي تسمح بترشح آخرين لمنصب الرئيس، سيما عبد الحميد الدبيبة، أو آخرين، من بينهم خالد المشري. وفي نفس الوقت تبعث تلك التصريحات بتحذير مفاده ألا يظن أي أحد أنه بمقدوره اللعب بورقة استقرار العملية الانتخابية وانتظامها في موعدها المقرر.

ذلك يبدو واضحاً ويسيراً على الفهم عندما تتابع كافة التحركات التي قام بها المشري، خلال الأسابيع الأخيرة، فضلاً عن التصريحات التي انطلقت من الدبببة ومحمد المنفي، رئيس المجلس الرئاسي الليبي، خلال مؤتمر باريس الأخير، حين قال الأول إنه سوف يسلم السلطة إذا أُجريت انتخابات "بشكل توافقي ونزيه بين كل الأطراف".

بينما أكد المنفي أيضاً أن المجلس سيسلم السلطة إذا "استطاعت المفوضية العليا للانتخابات تنظيم انتخابات برلمانية ورئاسية يوم 24 ديسمبر".

مؤتمر باريس الذي سعى بكل قوة أن يحصّن موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، في نهاية العام الجاري، وأن يحثّ كافة الأطراف على ضرورة إنهاء وجود الميلشيات، كحالة أمنية وسياسية، من الأراضي الليبية دون استثناء أو تمييز، لم يستطع أن ينظر لهذه الملفات الدقيقة والحساسة بثقة وأمان كامل، في ظل تحفظ كل من روسيا وتركيا، اللتين تملكان أكبر وجود عسكري في ليبيا والأكثر تأثيراً. وهو ما عدّه مراقبون باعتباره كان متوقعاً على خلفية مشاركة تركيا بممثلين أقل أهمية من الناحية الدبلوماسية من كل الوفود الأخرى. حيث كانت المشاركة عبر نائب وزير الخارجية، سادات أونال، الأمر الذي جرى تفسيره بأنه تحفظ مسبق لأنقرة على المؤتمر من قبل بدايته.

وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أشار في مؤتمر باريس، إلى أن العملية الانتخابية تحتاج إلى إعداد جيد، لجهة منع أي طرف من الطعن بنتائجها، بحيث تستطيع المشاركة فيها جميع القوى السياسية، وحتى أنصار الزعيم الراحل معمر القذافي، شريطة أن يسبقها خروج كامل ومتزامن للقوات الأجنبية بغير استثناء.

ذلك القول يرى فيه البعض أنه بمثابة تقديم الدعم الكامل والشامل لترشح سيف الإسلام القذافي، وتقديمه باعتباره من سيضع المصالح الروسية مع نظام العقيد الراحل معمر القذافي موضع التنفيذ، مما يسمح لموسكو أن تعيد كافة العقود المبرمة سابقاً للحياة مرة أخرى.
ليس ثمة شك أن موسكو تدرك يقيناً أن تعزيز مكانتها في ليبيا، وتأمين ذلك جيداً في مواجهة واشنطن، سوف يضمن لها نفوذاً ملحوظاً على أوروبا، بينما يسمح لها الدخول أكثر نحو الشرق الأوسط وأفريقيا. وينضم ميناءا طبرق ودرنة في ليبيا للقوة البحرية الروسية من الناحيتين اللوجستية الجيوستراتيجية، خاصة إذا ما أضيف لهما تموضع موسكو في ميناء طرطوس بسوريا.

ولا ينبغي النظر إلى ذلك باعتبار أن القوى الدولية تراهن على شخصيات بعينها، وتغفل بقية الأطراف، وتهمل تأثيرها في الداخل الليبي وعناصر تفاعلاتها، إقليمياً ودولياً، بل تعمد إلى دراسة كافة الملفات والسيناريوهات المتعلقة بواقع ومستقبل تلك الشخصيات ومصالحها الاستراتيجية في دولة تتمتع بأهمية، خاصة على سواحل البحر المتوسط.

رامي شفيق

ليفانت - رامي شفيق

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!