-
شادي الويسي: عندما تُعدم العدالة برصاص الظلم
في مشهد تقشعر له الأبدان، يظهر فيديو بجودة رديئة يوثق امرأة تقف على أعتاب الموت، ترتجف تحت وطأة الخوف، تتوسل أن ترى أبناءها قبل أن يُنفذ فيها الحكم. حولها يقف رجال كُثر، جميعهم ملثمون، بأسلحتهم الجاهزة لتنفيذ أوامر شادي الويسي، الذي كان حينها قاضياً ميدانياً في إدلب وأصبح لاحقاً وزير العدل في سوريا الجديدة بعد سقوط النظام. صوت المرأة، المرتعش بالرجاء، يتلاشى وسط التلاوات والأوامر الصارمة. المشهد بأكمله يبدو كاستعراض صارخ للقوة، حيث يشارك الرجال الملثمون، بوجودهم وأسلحتهم، في تحويل العدالة إلى مشهد وحشي.
هذا الفيديو، الذي أُعيد نشره بعد تعيين الويسي وزيراً للعدل في سوريا الجديدة، ليس مجرد لحظة من الانتهاك، بل هو شهادة على عدالة مفقودة ومفاهيم منهارة في بلد مزقته الحرب وصار مختبراً للفوضى والقمع. كيف لشخص مثل شادي الويسي، الذي أدار محاكمات صورية وأشرف على تنفيذ إعدامات علنية، أن يُعين لاحقاً المسؤول الأول عن العدالة في سوريا؟ كيف يمكن أن يُوكل إليه إصلاح العدالة في وطن يئن من جراح الظلم؟ هذه الأسئلة تحمل في طياتها مأساة سوريا الراهنة وتناقضاتها القاتلة.
شادي الويسي ليس مجرد رجل يفتقر إلى الكفاءة القانونية، بل هو رمز لمنظومة قمعية أعادت إنتاج الاستبداد تحت شعارات الحرية والكرامة. صعوده السياسي لم يكن بفضل مهارات أو خبرات، بل نتيجة ولائه لهيئة تحرير الشام وإخلاصه لأجنداتها. الويسي، الذي تحول من منفذ أوامر إلى وزير عدل، يمثل خيانة لفكرة العدالة ذاتها، وإهانة مباشرة لكل من يناضل من أجل سوريا عادلة.
الفيديو، الذي يُظهر الويسي يُصدر أوامره بإعدام المرأة، يُبرز انهياراً مروعاً للمفاهيم الأساسية التي تحفظ المجتمعات. كيف تُعدم امرأة وحدها دون ذكر لشريكها المفترض في الجريمة؟ وكيف يتحول الإعدام إلى استعراض علني، تنفذه أيادٍ كثيرة بأسلحة معدة لتصفية إنسان؟ العدالة هنا لم تكن سوى وسيلة للانتقام وترسيخ السيطرة، والمرأة لم تكن سوى ضحية تُقدم على مذبح نظام ذكوري قمعي يحولها إلى كبش فداء لكل أزمات المجتمع.
بعد تعيينه وزيراً، أدلى الويسي بتصريحات أثارت غضباً واسعاً. في مقابلة متلفزة، تهرب من الإجابة عن أسئلة جوهرية تتعلق بطبيعة التشريعات التي ينوي الإشراف عليها، وما إذا كانت للمرحلة الانتقالية أم للمستقبل الدائم لسوريا. لكنه لم يتردد في القول إن الحكومة ستعمل على “طلب تسليم المجرمين الذين غادروا البلاد لمحاكمتهم في الداخل”. هذا التصريح لم يكن إلا محاولة لتصدير صورة زائفة عن الالتزام بالعدالة، بينما الواقع يكشف عن نظام قضائي يفتقر للنزاهة والمصداقية. السوريون الذين تابعوا هذا اللقاء لم يتمكنوا من تجاهل السؤال البديهي: ماذا عن المجرمين الذين ما زالوا في الداخل؟ ماذا عن الانتهاكات التي أشرف عليها الويسي نفسه؟
هذه التصريحات ليست مجرد انحراف عن الحقيقة، بل هي جزء من نهج أوسع يعيد إنتاج القمع في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام. العدالة التي كان يفترض أن تكون حجر الزاوية في بناء سوريا الجديدة أصبحت أداة للسيطرة والانتقام، تماماً كما كانت في ظل النظام الأسدي.
غياب العدالة في سوريا ليس مجرد أزمة قانونية، بل مأساة سياسية وأخلاقية تهدد بتدمير أي فرصة لبناء مجتمع مستقر. تعيين شادي الويسي وزيراً للعدل في سوريا الجديدة هو رسالة واضحة بأن المحاسبة ليست على أجندة السلطة الجديدة، وأن الممارسات القمعية يمكن أن تُعاد صياغتها وتبريرها تحت شعارات مختلفة.
التاريخ مليء بالدروس التي تؤكد أن غياب العدالة والمحاسبة بعد سقوط الأنظمة الاستبدادية يؤدي دائماً إلى مزيد من الفوضى والانقسامات. في العراق، كان غياب العدالة الانتقالية سبباً رئيسياً في استمرار العنف وإعادة إنتاج الطائفية.
وفي جنوب إفريقيا، كان النجاح النسبي في الانتقال الديمقراطي مرتبطاً بلجان الحقيقة والمصالحة التي وضعت المحاسبة كشرط أساسي للمصالحة.
أما في سوريا، فإن تعيين شخصيات مثل شادي الويسي في مواقع قيادية يعني أن الطريق نحو المصالحة والاستقرار لا يزال بعيداً.
المجتمع الدولي يراقب، لكن صمته تجاه الانتهاكات يمنح الضوء الأخضر للمزيد من القمع. غياب الضغط الدولي لتحقيق العدالة ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم يفتح الباب أمام دوامة لا تنتهي من العنف والانتقام.
العدالة ليست رفاهية، بل هي ضرورة وجودية لسوريا الجديدة. إقالة شادي الويسي ومحاسبته ليست فقط خطوة ضرورية لاستعادة الثقة في النظام القضائي، بل هي أيضاً رسالة بأن سوريا لن تقبل بإعادة إنتاج الظلم تحت أي غطاء. السوريون، الذين عانوا طويلاً من القمع والاستبداد، يستحقون عدالة حقيقية تُعيد لهم كرامتهم، لا عدالة تُدار بأيدي من ساهموا في تدميرها.
هذا الفيديو، بكل ما يحمله من قسوة وصور قاتمة، ليس مجرد لحظة من الماضي، بل هو تحذير بأن العدالة لا تزال غائبة، وأن الظلم لا يزال يجد طريقه بوجوه جديدة. سوريا لن تُشفى من جراحها إلا عندما تصبح العدالة أولوية حقيقية، وعندما يُحاسب كل من أجرم بحق شعبها، سواء تحت حكم النظام القديم أو السلطة الجديدة. السوريون يستحقون عدالة تُحررهم، لا عدالة تُعيد إنتاج القمع بأسماء مختلفة.
ليفانت-شيار خليل
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!