-
صراع غاز شرق المتوسط مفتوح ومعقد
ما زال صراع المعلومة الصحيحة مخفياً بين "إسرائيل" وقناتها التلفزيونية (12)، ووزارة الطاقة والمياه اللبنانية، ووزارة الخارجية الأمريكية، حول التقرير الذي بثته القناة (12) الإسرائيلية بتاريخ 15/1/2022، وقالت فيه: "إن الولايات المتحدة الأمريكية وافقت على اتفاقية لتوريد الغاز إلى لبنان وأعطت الضوء الأخضر للتحرك"، مشيرة إلى أن "الغاز سينتقل من إسرائيل إلى الأردن، ومن ثم سيورد عبر خط الأنابيب لسوريا، ومنها إلى لبنان".
وأشارت القناة إلى أن "الولايات المتحدة تستثني هذه الخطوة من عقوبات قانون قيصر، التي فرضتها على سوريا، حيث سيصل الغاز للأردن من حقلي تامار وليفياثان الإسرائيليين".
وعلى إثر التقرير، نفت وزارة الطاقة والمياه اللبنانية في بيان لها بتاريخ 16/1/2022، وجود اتفاق لتوريد الغاز الإسرائيلي إلى لبنان نفياً قاطعاً ما ذكرته القناة (12) الإسرائيلية، وأكدت الوزارة أن "اتفاقية تزويد الغاز التي تعمل عليها بين الحكومة اللبنانية والحكومة المصرية الشقيقة، تنصّ بشكل واضح وصريح على أن يكون الغاز من مصر".
وكذلك نفت الولايات المتحدة الأمريكية ما ذكرته القناة (12) الإسرائيلية، من خلال بيان أصدرته وزارة الخارجية الأمريكية أكدت فيه على أنها لم تعمل على تسهيل اتفاقية توريد الغاز إلى لبنان من إسرائيل، وشدد البيان على أن التقارير الإسرائيلية التي تحدثت عن تسهيل واشنطن "اتفاقية لتوريد الغاز بين إسرائيل ولبنان"، غير صحيحة.
ورغم النفي الأمريكي واللبناني إلا أن العديد من البرامج التلفزيونية على أكثر من محطة، مثل (سوريا)، التي ظهر فيها الدكتور رضوان زيادة وتحدث عن الصراع بين الكونغرس والإدارة الأمريكية برئاسة بايدن حول استثناء الدول الثلاثة "مصر، الأردن، ولبنان" من قانون قيصر، والضمانات التي قدمتها السفيرة الأمريكية في لبنان "دوروتي شيا"، بمؤتمر صحفي في بيروت، أنها "سلمت رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي كتاباً خطياً من وزارة الخزانة الأمريكية يجيب على بعض الهواجس التي كانت لدى السلطات اللبنانية فيما يتعلق باتفاقيات الطاقة الإقليمية التي ساعدت واشنطن في تسهيلها وتشجيعها بين لبنان، الأردن، ومصر".
تموضع اكتشاف الغاز في الشرق الأوسط
شهدت خريطة الغاز في شرق المتوسط بالعام 2009، تغيرات وضعت المنطقة في بؤرة اهتمام حكومات الإقليم، إذ اكتشف حقل تامار للغاز الطبيعي في نطاق الحدود البحرية الإسرائيلية في البحر المتوسط، وقدرت احتياطاته آنذاك بـ(274) مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، وقدر المسح الجيولوجي الأمريكي الاحتياطيات الممكنة في منطقة حوض الشام من البحر المتوسط، والتي يطل عليها لبنان وسوريا وتركيا وإسرائيل وقطاع غزة ومصر بـ(3450) مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، و(1,7) مليار برميل من النفط.
وفي شهر يونيو من العام 2010، تم اكتشاف حقل آخر للغاز الطبيعي، وهو حقل ليفاثيان، داخل الحدود البحرية الإسرائيلية، وتصل احتياطاته بين (460 و566) مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي.
وأعقب ذلك اكتشاف حقل أفروديت للغاز في العام 2011، في الحدود البحرية لجزيرة قبرص، ويقع أفروديت على بعد (65) كم فقط غرب حقل ليفايثان، ويضم وفقاً لتقديرات ما بين (84 و254) مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي. وأجرت شركة (spectrum) النروجية مسحاً لثلاثة آلاف كيلو متر مربع من المياه الإقليمية اللبنانية، وقدرت احتياطات هذه المساحة من الغاز بـ(707,9) مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي.
وفي العام 2015، تم اكتشاف حقل (ظهر) داخل المياه الإقليمية المصرية في البحر المتوسط، وهو ملاصق للحدود البحرية القبرصية، ويبعد عن حقل أفردويت 40 كم، وتقدّر احتياطاته بـ(850) مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي.
وأصدرت هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية في العام 2018، تقريراً قدرت اكتشافات الغاز في كل من "مصر، لبنان، قبرص، وإسرائيل"، بنحو (90) تريليون قدم مكعب، مع إمكانية اكتشاف المزيد مستقبلاً تصل نحو"142" تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي قبالة سواحل" لبنان، غزة، قبرص، سوريا، مصر، وإسرائيل".
ورغم كل هذه الاكتشافات للغاز في دول شرق المتوسط ، إلا أنها لا تستطيع الدخول على خطوط المنافسة في تصديره إلى أوروبا، فلا هي قادرة على منافسة هيمنة الغاز الروسي، ولا الغاز الأمريكي، إذ أنه صدرت الولايات المتحدة الأمريكية في العام 2018، (22) مليون طن من الغاز، ويتوقع ارتفاع هذا الرقم في العام الجاري 2022 إلى (40) مليون طن.
وهذا ما ذهبت إليه صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية في خبر نشره موقع لفيانت بتاريخ 19/1/2022، ذكرت به أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن أعلمت إسرائيل وقبرص واليونان بسحب تأييدها لخط الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا، وأن واشنطن ما تزال تدعم آلية (3+1) للاجتماعات بين إسرائيل واليونان وقبرص والولايات المتحدة.
وتابعت: "نبقى ملتزمين بربط طاقة شرق المتوسط بأوروبا، نحن نحول تركيزنا إلى الموصلات الكهربائية التي يمكنها دعم كل من مصادر الغاز والطاقة المتجددة". هذا المشروع الموقع بين إسرائيل واليونان وقبرص تصل كلفته إلى (6) مليارات يورو بحلول العام 2025، لم يجرِ تأمين أي تمويل له بعد.
وذلك يوضح أن مصالح الولايات المتحدة الأمريكية أولاً، وليس العلاقات الدبلوماسية أولاً.
ولكن على مدار العقدين الماضيين، لعب الغاز دوراً في تعزيز التنسيق بين عدد من بلدان شرق المتوسط، فمنذ العام 2003، بدأت عدد من البلدان العربية في إنشاء خط الغاز العربي، ويمتد من مصر إلى الأردن ولبنان وسوريا. وبالعام 2008، مدت مصر فرعاً من خط الغاز إلى إسرائيل لتصدير الغاز الطبيعي من مصر إلى البلدان العربية الشريكة في الخط، وإلى إسرائيل من خلال الخط الفرعي اللاحق، وذلك بسبب تحقيق مصر لفائض من الغاز الطبيعي خلال العقد من العام 1999، وحتى العام 2010، بعد سلسلة من الاكتشافات التي فاقت كمية الاستهلاك المحلي.
ومن خلال خط الغاز العربي، استمرّت مصر في تصدير الغاز إلى البلدان العربية الشريكة وإسرائيل، حتى تعرض خط الغاز إلى هجمات متعددة عقب الثورة المصرية في العام 2011، وهو ما عطل التصدير، إلى أن أوقفت مصر تصدير الغاز تماماً في العام 2014، بسبب انخفاض الإنتاج المحلي، وفي العام 2015 تحولت مصر رسمياً إلى بلد مستورد للغاز الطبيعي، وسمحت للشركات الخاصة باستيراد الغاز الطبيعي للسوق المحلية، وفي العام 2018، وقعت شركة خاصة عقداً لاستيراد (64) مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي من إسرائيل إلى مصر على مدى العقد المقبل، وذلك مناصفة من حقلي (تامار وليفايثان) عبر فرع خط الغاز الممتد من مصر إلى إسرائيل، الذي كان يستخدم للتصدير وليس للاستيراد.
لعب تداول الغاز الطبيعي في بلدان شرق المتوسط دوراً في تعزيز العلاقات، كما هو الحال بين بلدان خط الغاز العربي، ومصر وإسرائيل، سواء في وقت تصدير مصر الغاز أو استيرادها له.
أجّجت اكتشافات الغاز الصراع عليه، إذ أرسل لبنان إلى الأمم المتحدة في النصف الثاني من العام 2010، إحداثيات حدوده البحرية الجنوبية، التي ترسم منطقته الاقتصادية الخالصة، وفي العام 2011، أرسلت إسرائيل إلى الأمم المتحدة تحديد حدودها البحرية الشمالية، ومنطقتها الاقتصادية الخالصة، والتي جاءت لتضم (854) كيلو متر من المنطقة التي حددها لبنان، لتصبح منطقة متنازعة عليها بين البلدين. كذلك دفع لبنان بامتداد جزء من حقل ليفايثان داخل المنطقة المتنازع عليها لذا أوقف التنقيب عن الغاز في المناطق المتنازع عليها.
وكذلك عززت اكتشافات الغاز في شرق المتوسط الصراع بين تركيا وقبرص، فتركيا ترفض الاعتراف بجمهورية قبرص، وتعترف بدلاً من ذلك بالجمهورية التركية لشمال قبرص، وتعارض تركيا بشدة استغلال موارد الغاز، فقد منعت البحرية التركية أكثر من مرة سفناً لشركات تنقيب عالمية من تنفيذ مهامها في المياه الإقليمية القبرصية.
صراع الغاز
في شهر أيلول من العام 2020، وقعت الدول التالية "إيطاليا، اليونان، مصر، إسرائيل، وقبرص" ميثاق منتدى شرق المتوسط للغاز، والأردن والسلطة الفلسطينية حضرتا بعض اجتماعات المنتدى، فيما طالبت فرنسا الانضمام إليه عضواً، والولايات المتحدة عضواً مراقباً، واتفق على أن تكون مصر المركز المحوري لتصدير غاز شرق المتوسط، فمن جهة لديها اتفاقية سلام مع "إسرائيل"، ولديها الموقع الجغرافي الملائم، وقناة السويس وإطلالها على البحرين، المتوسط، والأحمر، وبنية تحتية جاهزة، من شبكة أنابيب مترامية الأطراف، ومجهزة لنقل الغاز إلى العديد من الدول، ومعمل تسييل الغاز على أراضيها.
بينما وقفت تركيا ضد الاتفاق، ومعها حكومة الوفاق في ليبيا، وقبرص التركية، بهدف مد خطوط النقل إلى أوروبا، عبر الأراضي التركية التي تجمع بين أوروبا وآسيا، وتطمع تركيا إلى الاستحواذ على حصة كبيرة من شركات النقل التي تمر عبر أراضيها بما يضمن لها الحصول على حصة كافية من الغاز معتمدة على موقعها الجغرافي بين الدول الأوربية وآسيا الوسطى ودول القوقاز والشرق الأوسط. وحظيت تركيا بدور واضح بعد الأزمة الأوكرانية، حيث قرر الاتحاد الأوربي تخفيف استيراد الغاز من روسيا، ما أوجد فكرة إنشاء خط تاب وتاناب لنقل الغاز من أذربيجان ثم إلى السوق الأوربية عبر خط تاب. وكان من المخطط لها أن ينقلا الغاز الطبيعي من الشرق الأوسط.
وعلى الضفة الأخرى، تسعى الولايات المتحدة الأمريكية للسيطرة على غاز شرق المتوسط من خلال السيطرة على المنابع عبر شركات الاستخراج، وأهمها شركة "شيفرون"، التي تلعب دوراً كبيراً في مجال استخراج الغاز من المتوسط، ومصالح أمريكا في المنطقة مع "إسرائيل" ودول المنطقة وحليفها المهم الاتحاد الأوربي الذي يرغب بتنوع مصادره للتخفيف من استيراده للغاز الروسي الذي وصلت نسبته (40 بالمائة).
أما روسيا ترغب بالاستفادة من الغاز المكتشف في الشرق الأوسط، وخاصة بسوريا، وتساعدها قاعدة طرطوس البحرية، وقاعدة حميميم، إذ تسعى للاستثمار في المنطقة عبر شركات التنقيب في لبنان، وتقديم التمويل المالي لقبرص واليونان، والاتفاقيات الثنائية مع سوريا التي يتواجد الغاز في مياهها الإقليمية.
أخيراً.. صراع الغاز في منطقة شرق المتوسط مفتوح ومعقد بين تركيا وقبرص، ولبنان وإسرائيل، مع احتمال دخول مصر فيه.
ليفانت - ماهر إسماعيل
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!