-
صوت قاتل فرج فوده يُسمَع في منبر جامع إعزاز الكبير
أثناء محاكمة قاتل المفكِّر المصري، فرج فوده، أبو العُلا عبد ربّه، سأله القاضي: "لماذا قتلت فرج فوده؟"؛ فأجاب: "لأنه كافر وله كتب تثبت ذلك". سأله القاضي: "أي كتاب قرأت له وفهمت منه أنّه كافر؟"؛ أجاب: "لم أقرأ له فأنا رجل أمي ولا أعرف القراءة والكتابة". هذه المحادثة التي تنسب إلى القاضي وقاتل فرج فوده، ثمَّة محادثات غيرها تُنسب إلى مجرمين آخرين، قتلوا أو حاولوا قتل مفكِّرين عرب، من بينهم نجيب محفوظ وغيره، والّتي تبيِّن أن غالبية القاتلين لا يقرأون ما يقوله الآخرون المختلفون، وإنما يستندون في جرائمهم إلى فتاوى رجال الدين، مثل فتوى أسامة الرفاعي في إباحة والدّعوة إلى قتل الناشطات السّوريِّات.
أسّس تنظيم الإخوان المسلمين في سوريا، وكلّ التنظيمات الإسلاميِّة الجهاديِّة، في مناطق الاحتلال التركيِّ أو مناطق سيطرة الفصائل الجهاديِّة، البيئة المُناسبة والملائِمة لتحرُّك هؤلاء القَتَلى؛ فقاتل فرج فوده في مصر، صدر بحقِّه العفو العام فور تسلم تنظيم الإخوان المسلمين الحكم في مصر، وبعد خروجه، وجد سوريا بيئة تناسب أفكاره، فانتقل إليها وقُتل عام 2017 فيها؛ فهي البيئة الأنسب الّتي يمكن للجهاديين أن يتحرّكوا في تنفيذ جرائمهم المستندة إلى فتاوى رجال الدين، وبالنقيض من ذلك البيئة التي تعمل فيها عشرات النسوة السوريات، وفيها عشرات المنظمات المدنيِّة السُّوريِّة؛ لذا، فأسامة الرِّفاعي قال ما قاله في بيئة يحتكُّ فيها الجلّاد مع الضحيِّة، واجتماع هذه الثنائيِّة ربما يؤدي إلى حتميِّة وقوع الجريمة، أو أقله يخلق الخوف داخل المختلفين مع الإسلام السياسيِّ.
ثقافةُ الخوف الّتي يسعى إلى ترسيخها المجلس الإسلاميِّ السُّوري، هي ذاتُها التي سعى إليها تنظيم ما يُعرف بالدولة الإسلاميِّة، وهي مواجهة الخصوم بالرعب والخوف من خلال الفتاوى والتصريحات ودعاوى القتل ومشاهد الفيديو المصورة لعمليات الرجم والقتل والذبح وكسر الأثار والآلات الموسيقيِّة وغيرها. وهو ما ليس جديد في البيئة الحاضنة لأفكار أسامة الرِّفاعي، فمناطق الاحتلال التركي، هي مناطق طاردة للنساء، وفيها فرض الشريعة والحجاب والسبي والخطف وجرائم العار وكل الممارسات الدينيِّة المتطرِّفة، وبالتالي فإن المجلس الإسلامي السوري هو الإطار السياسي والدعوي المكمِّل لتنظيمات مثل داعش والنصرة وأحرار الشام والجيش الوطني السوري.
في أثناء تصاعد وتطوِّر الحركة النسويِّة في سوريا، ودخول هذا الخطاب إلى الفضاء العام السياسيِّ والمدنيِّ، لم تكن الحركة الإسلاميِّة السوريِّة صامتة وتقف على الحياد، على العكس من ذلك، فهي، كحركة إسلاميِّة، واجهت النسويِّة السوريِّة من خلال منع النساء من المشاركة في الحياة السياسيِّة وعمليِّة بناء السَّلام، ومن خلال دعم وسائط الإعلام والتّواصل الّتي تسخِّف القضيِّة النسويِّة وتسخر من أفكارها، ومن خلال دعم المحافظة على الإرث الذكوري الاجتماعيِّ، الموجود حتّى داخل منظمات المجتمع المدنيِّ والمؤسّسات الإعلاميِّة التي لم تتجاوز بعد الذكوريِّة الاجتماعيِّة التي هي نتاج العقيدة الدينيِّة، وكذلك من خلال جماعات نسائيِّة إسلاميّة مثل القُبيسيات وغيرها، الّتي تتحرَّك من خلال ترسيخ أفكار وأنماط عمل مُحدّدة للنساء، بما يتلائم مع الأفكار الإسلاميِّة الّتي يطرحها رجال الدين المسلمين.
مشى المجلس الإسلاميِّ السُّوريِّ، في مشروعه لإعادة بناء سوريا، قبل تأسيسه من خلال الشيوخ المسلمون التّابعون له حالياً، وعمِلَ على تصفية كلّ ما يتم للثّورة بصلة، وقضى على أي احتماليِّة لتعدديِّة إثنية وطائفيِّة وقوميِّة ولغويِّة ودينيِّة؛ فشكل سوريا المستقبل في منظور المجلس، هي الدّولة الذكوريّة الّتي يتم فيها ترسيخ الهويِّة الإسلاميِّة والقوميِّة وتُطبَّقُ فيها الشّريعة؛ بمعنى، أن قبل أن يتحرَّك المجلس الإسلاميِّ السوريِّ في محاولة القضاء على الحركة النسويِّة قضى في منهجه على القوميات والأقليات والطوائف والإثنيات، ثم تتالى القضاء وصولاً إلى النسويِّة.
يعتمد منهج المجلس الإسلامي السوريِّ، على فرض ضوابط لشكل الدَّولة ونوع المجتمع في سوريا، من خلال محاولة ترسيخ المفاهيم الّتي يتبناها المجلس، والتي تتمحور أغلب فتاواه في سياقها، من خلال التركيز على شكل الدُّولة باعتبارها كيان اجتماعي وسياسي ذكوري بالدرجة الأولى، وعربي في هويته القومية، وإسلاميِّ في هويته الدينيِّة، ومن الإسلاميِّة الهويِّة السُّنيِّة الجهاديِّة، وهذا الموقف الصَّادرِ عن الشَّيخ أسامة الرِّفاعي، تجمع هذه الضوابط والتشاريع بشكلٍ مترابط في خطبةٍ ذكوريِّة تحريضيِّة.
إنَّ أكذوبة وجود إسلام سياسيِّ وسطي ومعتدل في سوريا، أو أنَّ ثمَّة إسلام إصلاحيِّ سياسيّ والإخوان المسلمين يُمكنهم المُشاركة أو تقديم فكر سياسيِّ ديمقراطيِّ سقطت مع ظهور خطبة أسامة الرِّفاعي، الذي كان ينتمي إلى جماعة زيد الصوفيِّة التي كانت بزعامة والده المتوفي، عبد الكريم الرفاعي، كان قد فرّ إلى السعوديِّة عام 1981، أثناء حملة مطاردة الإسلاميين السوريين من قبل حافظ الأسد. لكنه عاد إلى سوريا بعفوٍ صدر بحقه وأخاه سارية الرفاعي، عام 1993، وعادوا وأحيوا دور جماعة زيد في الأوساط الدمشقيِّة باعتباره إسلاماً "متوسطاً ومعتدلاً"؛ إذ أنّ محاولات الإسلام السياسيِّ، لتقسيم الإسلام السياسيِّ بين ما هو متطرِّف وغير مقبول، وبين إسلام سياسيِّ وسطي ومنضبط، لم تعد تفي الغرض، ذاك أنَّ تلك المحاولة اعتمدت على تفسير النّصوص الّتي تلقى قبولاً اجتماعياً ودوليِّاً وإظهارها للعلن، وإخفاء النصوص والآراء الّتي تخلق إشكاليِّة وتدويلها في أوساط خاصة ومُغلقة، قد انتهت، مع ظهور خطبة الشَّيخ أسامة الرفاعي.
في هذا الصَّدد، وختاماً لما سبق، المحاولات الّتي سعى إليها كتّاب وباحثون وسياسيون سوريون حول جدوى استيعاب الإسلاميين السوريين ضمن المجتمع السوري وفي مستقبل سوريا الديمقراطيِّ، فشلت كذلك الأمر، وتبيَّنت أنّ تلك المحاولة إما هو تأييد خفي لحكمٍ إسلامي في سوريا، أو أنَّ جوهر المُشكلة يكمُن في أنَّ الإسلاميين أنفسهم لا يستطيعون تقبُّل المُختلفين معهم في المستويات الفكريِّة والدينيِّة وإلى حدٍ بعيد الطائفيِّة.
ليفانت نيوز_ همبرفان كوسه ليفانت نيوز
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!