-
ضحايا التعذيب السوريون.. العدالة مؤجّلة والجريمة متواصلة
ليفانت نيوز- نور مارتيني
رغم الوعود وعبارات التضامن الرّنّانة، ظلّ ضحايا التعذيب السوريون دون مساندة حقيقية، حتى بعد انكشاف حقيقة الأمر أمام المجتمع الدولي، فكلّ مناورات النظام لم تفلح في التعمية على الإجرام منقطع النظير الذي مورس في معتقلات الأسد؛ المناورات التي تجلّت عام 2015 في استخراج شهادات وفاة بأسباب طبيعية، لعدد كبير من المغيّبين قسرياً ممن غابت أخبارهم عن أهلهم وذويهم، غير أنّ هذه الحيلة لم تنطلِ على الأهالي المكلومين، ولا حتى على المحاكم المختصة التي تجري حالياً محاكماتٍ، تستمع خلالها إلى فصول من الويلات التي شهدها بعض من مرّوا بتجارب الاعتقال.
كذلك لم تفلح الحقائق التي كشفها برنامج ستون دقيقة الأمريكي، والذي قال فيه المدعي العام الأميركي السابق لجرائم الحرب ستيفن راب، أن الأدلّة التي تدين الأسد تفوق تلك التي قدّمت ضدّ النازية؛ كلّ هذه الأدلّة لم تفلح في تغيير المشهد السياسي في سوريا، ولم تثمر عن حلّ جذري يبرّد حرقة قلوب الأهالي الذين ينتظرون منذ أعوام خبراً يطمئنهم عن أبنائهم وذويهم، ممن ابتلعتهم سجون الطاغية ومعتقلاته، ولا هي أفضت إلى العدالة التي يستحقّها المجرمون ممن نكّلوا بالمعتقلين، وأصدروا أوامر التعذيب.
الكارثة الأكبر التي تسبّبت بها ممارسات النظام، أنّها تحوّلت إلى نهج تنتهجه كلّ سلطات الأمر الواقع في مختلف أنحاء سوريا، حيث تحوّل التعذيب الجسدي والتغييب القسريّ إلى نهج عامٍ لتركيع المعارضين وكمّ الأفواه، وفرض الهيمنة بقوة الحديد والنار؛ كلّ هذه الممارسات أسهمت في انخفاض سقف مطالبات معارضي هذه الأنظمة من حرية التعبير عن الرأي إلى المطالبة بالبقاء على قيد الحياة، تحت تهديد السلاح المنفلت من عقاله، على امتداد الأرض السورية.
وليس بعيداً عن الكارثة الإنسانية، ثمّة كوارث أخرى تنتظر البيئة السورية نتيجة انتشار المقابر الجماعية، حيث لم تعد المقابر الجماعية هي سمة داعش وحده، بل تكشّفت تحقيقات محكمة كوبلنز الألمانية، في قضية رئيس قسم التحقيق السابق في فرع الخطيب "أنور رسلان"، عن وجود مقبرة جماعية هائلة في محيط دمشق، ولا أحد يدري أين وكيف يتمّ دفن قتلى بقية القتلى من مختلف الفصائل والتنظيمات المقاتلة، ما يهدّد وجود من بقي على قيد الحياة..
يستذكر العالم في الـ26 من شهر حزيران/ يونيو، في كل عام ضحايا التعذيب الجسدي، فيما ترنو العيون إلى السوريين، وتنتظر بصيصاً من عدالة، بينما تنهمك المنظمات في الإحصاء وتدبيج بيانات الإدانة. تلك المفردات التي باتت بلا معنى أمام عشرات آلاف الأرواح التي أزهقتها آلة التعذيب التي لا ترحم.
قتلى التعذيب السوريون موزعون على 5 مقابر رئيسية
نشر المرصد السوري لحقوق الإنسان تقريراً في أواخر شهر أيار/ مايو المنصرم، قال فيه أنّ أكثر من 105 آلاف معتقل قضوا تحت التعذيب، منذ انطلاقة الثورة السورية في آذار 2011 وحتى يومنا هذا.
كما أشارت مصادر المرصد، إلى وجود عشرات آلاف الجثث لشهداء قضوا تحت التعذيب داخل أقبية النظام الأمنية، وجرى دفنها بشكل إفرادي وجماعي ضمن مقابر في تل النصر شمال حمص ومقابر أخرى في جنوب العاصمة دمشق ومحافظات حلب وحماة واللاذقية.
وبحسب المرصد، فإنّ 83% من المعتقلين، كانت قد جرت تصفيتهم وقتلهم، داخل هذه المعتقلات في الفترة الواقعة ما بين شهر آيار/مايو 2013 وشهر تشرين الأول/أكتوبر من العام 2015 وهي فترة تولي ملف المعتقلين من قبل الإيرانيين، عبر إشراف الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس والميليشيات الإيرانية على المعتقلات، وتعذيب وقتل المعتقلين السوريين المعارضين لنظام بشار الأسد.
وأوضح المرصد حينها أنّه، مع إصرار ذوي المعتقلين على الكشف عن مصيرهم أبنائهم المعتقلين بطرق ووسائل كثيرة، كدفع مبالغ مالية ضخمة، يجري إخبارهم من قبل الأجهزة الأمنية بأسماء المتوفين تحت التعذيب ويتم إخبارهم عن مواقع المقابر التي جرى دفنهم ضمنها، وهي مرقّمة بالأرقام وليس بالأسماء، على أن يتوجه الأهالي إلى حراس تلك المقابر ويتم إطلاعهم على رقم المعتقل ليرشدهم القبر الموجود فيه، مع اشتراط الأجهزة الأمنية بعدم التصريح بمقتل المعتقل تحت التعذيب.
وعود أوروبية بعدم الإفلات من العقاب
بمناسبة اليوم الأوروبي لمنع الإفلات من العقاب، في 25 أيار/ مايو المنصرم، أصدرت وكالة الاتحاد الأوروبي للتعاون في مجال العدالة الجنائية بياناً صحفياً، ركزت فيه لأول مرة على ضرورة تكثيف السلطات القضائية والمجتمع المدني في أوروبا إجراءات محاسبة النظام السوري على التعذيب واستخدام الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين في النزاع المسلح الذي بدأ قبل عشر سنوات. وأشار البيان لجهود محاسبة النظام على جرائمه وقرار محكمة كوبلنز الألمانية.
حيث قال رئيس يوروجست السيد لاديسلاف هامران: "على الرغم من أن محاكمتهم معقدة للغاية، إلا أن الاتحاد الأوروبي لا يقبل الإفلات من العقاب حين يتعلّق الأمر بجرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب. وتختار الدول الأعضاء عدم غضّ البصر عن هذه الممارسات، ويسعدني أن يوروجست وشبكة الإبادة الجماعية يواصلان تقديم الدعم للمدعين العامين والقضاة الذين يتعاملون مع هذه القضايا. ومن خلال القيام بذلك، فإننا نخدم بشكل مشترك سيادة القانون - إحدى القيم التي تأسس الاتحاد الأوروبي عليها.
وكان منسق الشؤون الأمنية والخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيف بوريل، قد ردّ في شهر أبريل / نيسان المنصرم، على رسالة سرية مرسلة من قبل وزير خارجية النظام السوري، بالقول: "إذا ما اتخذت الحكومة السورية الخطوات السليمة في الاتجاه الصحيح، سنستجيب جميعاً لذلك. وحتى بلوغ هذه اللحظة، سنواصل ممارسة الضغوط على الصُّعد كافة. لن نتوقف عن فرض العقوبات الاقتصادية، ولن يكون هناك تطبيع من أي مستوى، ولن ندعم جهود إعادة الإعمار أبداً".
ملفّات قيصر السرّية.. أرقام مرعبة
كشفت الوثائق التي يبلغ عددها نحو 900 ألف عن آلة التعذيب المروّعة للنظام السوري، فضلاً عن سلسلة جرائم التعذيب والقتل والاختفاء القسري نفذها نظام بشار الأسد ضد الشعب السوري، حيث جرى عرضها في برنامج "ستون دقيقة" الذي تبثه محطة "سي بي أس"، خلا شهر فبراير/ شباط المنصرم.
وفي هذا السياق، قامت لجنة العدل والمساءلة الدولية، والتي يقودها ستيفن راب، وهو دبلوماسي أميركي سابق ومتخصص شؤون العدالة الجنائية الدولية، بالتحقّق من الوثائق وأرشفتها، كونها تدين الأسد ونظامه، في جرائم بعضها يصل إلى حد الإبادة لشعبه، مثلما حصل في 2013 عندما سمح للجيش السوري بقصف أحياء سكنية بغاز الأعصاب المحرم دولياً وقتل حينها قرابة 1400 شخصا من الرجال والنساء وحتى الأطفال.
https://twitter.com/60Minutes/status/1363649248932298756
حيث أمضت اللجنة سنوات في أرشفة الأدلّة، التي تضمّ صوراً ووثائق ومراسلات بين فروع الاستخبارات ولجنة أمنية، كان قد شكلها الأسد لقمع التظاهرات، والتي كانت تعرف باسم "خلية إدارة الأزمة المركزية".
وأوضح راب أثناء مقابلته في برنامج "ستون دقيقة" أن الأسد، كان يشرف بشكل مباشر على تنظيم سياسات القمع والتحقيق والتعذيب، مستدلاً بذلك على وجود اسم الأسد في العديد من الوثائق والتقارير الموثقة.
وخلال اللقاء الذي شارك فيه "قيصر" الذي كان يعمل مصوراً عسكرياً لنحو 13 عاماً، قال إن مهمته، منذ عام 2011، تركّزت على تصوير جثث الذين قتلوا جراء التعذيب في فروع المخابرات المختلفة، حيث ستجد أن بعضهم مات مصعوقاً بالكهرباء، أو الأسلحة البيضاء مثل السكاكين وكابلات حديدية، مشيراً إلى أن التعذيب الظاهر على أجساد القتلى، يظهر أنهم تعرضوا له لأشهر طويلة، حيث كانت أجسادهم نحيلة وعلامات التعذيب ظاهرة عليهم.
كلّ التصريحات الدولية والمواقف النارية صدرت قبل أن يمدّد الأسد لنفسه، في فترة جديدة، دون أن يسفر ذلك عن أي تغيير ملموس في سياسات النظام السوري، الذي لم يعد بحاجة إلى تعذيب في السجون، حيث حوّل سوريا إلى سجن كبير يجوّع فيه السوريين وهم طلقاء!
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!