الوضع المظلم
الجمعة ٢٠ / سبتمبر / ٢٠٢٤
Logo
عامان إضافيان دون استقلال كردستان الضروري
همبرفان كوسه

همبرفان كوسه

قبل عامين من الآن، كانت العوامل الذاتيّة في إقليم كردستان- العراق، توحي بشيء من الصرامة في سعي قادة الإقليم نحو فرض نتائج استفتاء استقلال كردستان. كان الاتفاق الثابت على المسائل المصيريّة في ضرورة إجراء الاستفتاء، وضمنها المناطق الكردستانيّة المتنازع عليها، والتحضّر لعمليات الدفاع في حال حدوث هجوم على كردستان من الثوابت المتّفق عليها بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني قبيل الاستفتاء. اليوم، صار يمكن القول بنوع من الجرأة أنّ المواضيع المصيريّة بدأت تتهاوى، تتالياً، بين الحزبين الرئيسيين في كردستان، وخصوصاً في الخلاف القائم حول التواجد في المناطق المتنازع عليها، والانقسام القائم في إدارة الإقليم ومحافظاته. رغم أنّ مسألة الاستقلال تعني الكرد كجماعة بشريّة، إلّا أنه لا تزال من نقاط الخلاف بين قطبي الحركة السياسيّة، والذين يتمتعون بالقوة العسكريّة شبه المستقلة عموماً.


كان من المتوقّع في حال عدم تمكّن زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، مسعود البرزاني، من إعلان استقلال كردستان، أن تتحوّل نتيجة الاستفتاء إلى ورقة ضغط كرديّة تواجه فيها سلطة بغداد في مسألتي الميزانيّة والمناطق المتنازع عليها. ربّما اليوم، تعود الفيدراليّة الكرديّة إلى النشوء الثاني بعد إجراء الاستفتاء، بعد نشوءه الأول إثر سقوط نظام صدّام حسين، وربّما يمكن المجازفة والقول أن كردستان بعد سقوط صدّام حسين كانت أقوى من كردستان بعد الاستفتاء.


والحال أنّ القيمة المضافة للقضيّة الكرديّة القوميّة في العراق بعد الاستفتاء، هي أن الشعب الكردي، طوال عقود مضت، كانت ثوراته ترفعه إلى المطالبة بكيانات فيدراليّة ضمن كيانات مركزيّة تؤسس لشكل من الراحة الاقتصاديّة والإداريّة وتسلّط الحكومات المركزيّة. خلقت تجربة الاستفتاء فرصة للكرد في تعلّم شيئين جوهريين، الأوّل أن العوامل الداخليّة التي تساعد في فشل أيّ محاولة كرديّة نحو الاستقلال أو الثورة تكون أشد وطأة من عوامل الدولة المركزيّة والإقليميّة الخارجية، والثاني هو أنّ أي محاولة لتعايش سياسي أو ثقافي واجتماعي، وإن كان اتحاديّاً، مع الحكومة المركزيّة العراقيّة ستكون نتيجته الفشل الحتمي.


بعد عامين، رغم محاولات التهدئة، صارت أربيل وبغداد، في موقف عداء متزايد. كانت قضيّة المناطق الكردستانيّة المتنازع عليها، من أهم القضايا الجوهريّة العالقة بين الطرفين، وصارت اليوم القضيّة الشائكة، وربما مستقبلاً المدمّرة والتي ستشعل فتيل الحرب بينهما. يسعى الحشد الشعبي، بعد احتلاله لكركوك والمناطق الكردستانيّة الثانية بلورة فكرة التغيير الديموغرافي مجدداً، في شيء يوحي بمحاولة القضاء على إرث العيش المشترك الاجتماعي، الذي صارت معالمه تكون أوضح بعد سقوط نظام صدّام حسين، وباتت في تراجع في الوقت الحالي.


وبعد عامين، ودون أن يفكّر الكرد في استعادة أخطاء الماضي، فإنّ التعامل مع العراق كسلطة مركزيّة موحّدة، سيضرّ الكرد، ويقوّي موقف هذه السلطة. عراق اليوم، كيانات طائفيّة متداخلة وغير متوافقة. وإن تمكّن الكرد من كسب الكيانات السنيّة والآشورية وحتّى التركمانيّة في تأييد قضاياها، سيعد وجود كردستان القوي كما كان قبل الاستفتاء.


والفارق في ذلك راهناً، أن كردستان تواجه اليوم مجموعة كيانات مركزيّة طائفيّة مشتّتة في العراق، وكلّ كيان يتبع لفكرة إقليميّة رافضة للحياة الكرديّة. أما وصارت كردستان في حكومة جديدة، والعراق في حكومة جديدة، فإنّ قوّة الموقف الكردي في أنّ العراق تحوّل إلى جغرافيّة أكثر هشاشة من قبل الاستفتاء، وكردستان صارت تستعيد قوّتها، تباعاً.


الثابت الباقي في هذه القضيّة، هي أنّ حجّة معارضي استقلال كردستان من غير الكرد، وكانت وتزال كما هي؛ اعتبار وجود كردستان بمثابة وجود إسرائيل ثانية.


والثابت الآخر أن العراق ظلّ يملك دوراً هامشيّاً في قبول أو رفض الاستفتاء على حساب دوري تركيا وإيران والدور الدولي. كانت العراق أضعف من أن تعبّر عن رأيها صراحةً في الرفض، وظلت في دورها كما كانت.


وما تفعله ميليشيات الحشد الشعبي في المناطق المتنازع عليها، تحوِّل خلاف الكرد مع الدولة المركزيّة وكيانه السياسيّ السلطويّ، إلى خلاف مع العرب كمجموعةٍ عرقيّة صرفة. المريب في أن تتحوّل مصالح العرقين إلى الانتقام والكيديّة الاجتماعيّة، وهذا ما تحاول الميليشيات خلقه، في توطين العرب محل الكرد، وتهجير الكرد، وتعيين وكلاء لها في المناصب السياديّة في تلك المحافظات.


وتظلّ مسألة استقلال إقليم كردستان- العراق، في جوهره، أخلاقياً، قبل أن تضاف إليه حوامل السياسة، ذاك أنّ اعتراض العراق وسلطته المركزيّة شبه الدينيّة على الاستقلال هو في الأساس تسلّط وقمع لخيارات المواطنين الكرد في العراق. وطالما أنّ تجربة الاستفتاء لم تفضي إلى إزالة التسلّط، بل دعمته أكثر، فالقيمة الأخلاقيّة ليست في أنّ هذا حقّ تاريخي كردي، دفع الكرد ثمنه في جغرافيتهم وناسهم وحيواتهم، بل لأنّ عراق الكيانات المتعددة التسلطي، لم تعد تريد هذه الجماعة الكردية أن تظلّ جزءاً منها، وبالتالي، فإنّ الأعوام القادمة هي إضافات دون استقلال كردستان الحتمي.


 


 




النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!