الوضع المظلم
الجمعة ٢٠ / سبتمبر / ٢٠٢٤
Logo
عبدو في الطريق إلى كش العنزة
عبدو في الطريق إلى "كش العنزة"

عبدو في الطريق إلى كش العنزة
مؤيد اسكيف




عبد الرزاق مصطفى، صديق فيسبوكي يروي القصة التالية، كما وردت على صفحته:

"بزمانو كان جدي قاعد بزاوية الغرفة، وبقية العيلة عم يتعشو، فاتت عنزة على باب البيت

طلب جدي من عبدو أنو يقلع العنزة، نط عبدو وبأول خطوة كسر ضو الكاز، بالنطة التانية

داس بنص الأكل، وبالنطة التالتة داس على بطن أخوه .. قام صاح جدي: كرامة لله تركوا العنزة وامسكوا عبدو!"

وهذا هو حال ثورتنا .. كلما تحركنا نقوم بالتخريب، علماً أن الهدف أمامنا، ولكن الوصول إليه عسير ..

 

لعلّ هذه القصة الطريفة والعفوية، تختصر الكثير مما قيل، وما سأقوله لاحقا لما تحمله من

دلالات، تشرح المخاضات العسيرة، في طريقنا نحو الخلاص.

 

بدا طريق الحرية الذي شرعت الثورة السورية بشقه قبل خمس سنوات؛ بدا أكثر سهولة مما

هو عليه الآن، الشباب الثائر، والمنتفض، والمندفع بقوة نحو التحرر من قبضة الطغيان، قام

وبعجالة بتنظيم صفوفه، ضمن مايعرف بالتنسيقيات، وغيرها من التجمعات الثورية، التي كان

أغلب نشاطها متمركزاً، حول تنظيم المظاهرات، وكتابة اللافتات، والتواصل مع الإعلام،

وتأمين الإغاثة في مرحلة لاحقة، وغيرها من الأنشطة المدنية، ولعل أبرزها أنشطة مجموعات الحراك السلمي.

 

كانت الحاجة لوجود جسد سياسي يمثل الثورة، أو يعبّر عن تطلعاتها، تتضاعف يوماَ بعد يوم

ومع دخول العمل المسلح إلى الميدان، دخلت الثورة مرحلة جديدة، صار فيها طريق الثورة

الذي كان واضحاً أكثر ضبابية، وسواداً، ومليئاً بالحفر والأزمات، التي تمكّن النظام من وضعها أمام طالبي الحرية.

عبدو في الطريق إلى "كش العنزة"

كشفت الثورة، ومنذ أيامها الأولى، أزمة النظام السوري الأخلاقية، ولم يلبث الأمر طويلاً، حتى

انكشف الإفلاس الأخلاقي لمؤيديه، بالمقابل، سرعان ما انكشف زيف المعارضة السورية

ومراهقتها السياسية، واسترزاق الكثير من مكوناتها، لكن ما لم يكن بالحسبان أن يبدو

المجتمع السوري عارياًومكشوفاًبهذا الشكل!

 

أن نعتبر المجتمع السوري، بكل مكوناته، ضحية للنظام السوري، وعقليته الأمنية الطائفية المافياوية

أمر غاية في الدقة، ولكن هذا لا يكفي، لقد انكشفت عيوب هذا المجتمع، وانكشف فقره المعرفي

وهشاشة تركيبته،و ضعف هيكليته، التي لا تتناسب مع أي من معايير المجتمعات الحديثة، المتمثلة

 

بالمنظمات، والنقابات، والتجمعات الأهلية وغيرها، فصار السؤال الملحّ هو:

أين هو المجتمع السوري العميق؟ أين هي طاقاتنا وكوادرنا البشرية؟

لعلّ العسكرة التي دفع إليها النظام أولاَ، ودولٌ إقليمية ثانياً، والمعارضة ثالثاَ

ساهمت في المزيد من التعرية لمجتمعنا، فتمّكشف الانتماءات المحلية الضيقة

سواء المذهبية، أو المناطقية، أو العشائرية، أو حتى العائلية، أو "الحاراتية"

حيث قضت هذه العسكرة على أهمّ براعم التشكيلات المدنية، التي كانت تتعثر

في طريقها للتعبير عن نفسها، صدامٌ يومي بين العسكرة والمجتمع المدني

السوري الوليد، كانت فيه الكفة راجحة لصالح العسكرة المنقسمة بفعل عوامل

داخلية شديدة التعقيد، وبسبب إرادة الممول للعسكرة، وقد كان ظهور "داعش"

واحدة من الحالات المكثفة لهذا الخلل في بنية العسكرة

وبطبيعة الحال في بنية المجتمع السوري.

لعلّ هذه المقدمة تساعد في فهم ماحدث، وماسيحدث معنا على درب الآلام،
والذي تتفجر عليه،وفيه/الأزمات في وجوهنا، بافتعال النظام.

على عكس ما يشاع، فإن سوريا من أكثر الدول افتقاراً للكوادر البشرية النوعية

والمبدعة في شتى المجالات، وإذا كان هناك من حالات تميزت في العديد من

المجالات،فجميعها كانت حالات فردية ولم تظهر في بيئة عمل سورية، وإنما

في بيئة خارجية غالبا ماتكون في أوربا، فلنأخذ الإعلام البديل مثالاَ، لم تفرز

الثورة السورية حتى اللحظة نجاحات متميزة في التعامل مع الإعلام البديل،

وكلّ ماظهر كان عبارة عن حالات فردية، لم يكتب لها الاستمرار والنجاح،

 

فضلا عن حالات أخرى لا تحمل مقومات النجاح بالأساس. في السياق ذاته،

لم يتمكن السوريون من تشكيل حالة شبيهة بنديم قطيش أو باسم يوسف، إذا ما

أراد السوريون النيل من حسن نصرالله زعيم حزب الله "داعش الشيعية"، وعلى

صعيد الغناء فإن تجارب مهمة مثل "خاطر ضوا" و"تيسير غليون|" و"وصفي

المعصراني"؛ لم تتمكن "بسبب صعوبات عديدة" من الاستمرار وإزاحة هذا السواد

هذا الأمر ينطبق على كل النشاطات الاجتماعية، المدنية، الثقافية، التي يمكن أن

تنطق بلسان الثورة، بعيدا ًعن خطاب العسكرة، الذي علت فيه أصوات "أبو صقار" و"نديم بالوش"

و"الجولاني" و "المحيسني".


حتى في مجال العسكرة، حقق "المحسيني" حضوراً يفوق حضور الكثير من السوريين!

الصدف هي التي قادت لكشف مأسوية الحصار "الإرهابي" الذي تقوم به جماعة

"حزب الله" الإرهابية على مضايا، ولولا تبني الجزيرة لهذه المأساة، لظلت ربما

قيد الكتمان، ومع ذلك، وحتى هذه اللحظة، عجز السوريون عن التعبير بطريقة

ناجعة عن هذه المأساة، التي يمكن لها أن تهز العالم وضمير الإنسانية

لو تم العمل عليها بشكل حقيقي.

القتل، والقصف، والدمار، والتهجير، وكل وسائل العنف التي يقوم بها النظام

رفعت من قيمة الفاتورة التي يدفعها المجتمع السوري يومياً، من دمه، ولقمة

عيشه، وأمنه، صعوبات اللجوء و فاتورتها العالية أعاقت عمل الكثير من

الناشطين المدنيين، الذين لم يعد لهم مكان في سوريا، بفعل إرهاب النظام

وجماعات متشددة مثل :داعش" وعدد من المجموعات العسكرية التي لايمكن

لها أن تتفهم حالة العمل المدني، فضلاً عن حمايته ودعمه.

هكذا أصبحت الثورة السورية دون لسان، ودون حنجرة، ودون أذرع وأقدام

لتكمل المسير على هذا الدرب، فلم يعد أحد يعرف من هو "أبو مريم"، ولا

من هي فتاة الرقة التي أعدمت بصمت، ولا غيرهما الكثير من الناشطين المدنيين

الذين قضوا تحت مطرقة النظام، أو سندان داعش، بصمت مطبق بينهم ناشطو

"الرقة تذبح بصمت، والذين ذبحوا بصمت في بيت بغازي عينتاب التركية.

لاشكّ أن السوريين لديهم طاقاتهم،و بالتأكيد هناك من الكوادر ما يمكن أن يغطي
حالة العوز هذه، إلا أن انعدام الأطر التنظيمية الجادة والمسؤولة ساهمت في
بعثرة هذه الطاقاتعوضا ًعن لملمتها، ودفعها للأمام.


أما ما برز من بعض التجمعات المدنية، فكان أغلب العاملين فيها قد تحولوا إلى عمل

"البزنس" والتكسّب،على حساب تنفيذ أوامر"الدونر– الممول" فاتحين المجال لأقاربهم

وأصدقائهم، ومعارفهم، على أوسع نطاق، للعمل دون مراعاة الخبرات والمعايير

المطلوبة، مع تجاهل لمتطلبات الثورة السورية.

لدينا شعراء سوريون، ولدينا ملحنون، ولدينا مغنّون أيضاً، كذلك لدينا مصورون

وممثلون، وكتّاب. ولدينا محامون وقضية، كما يتوفر لدينا العديد من السياسيين

والعديد من الأوراق الرابحة، ولكن كل هذه الطاقات، وكل تلك الإمكانيات ليست

مترابطة، وكل يعمل بمفرده.

كنا ومازلنا نفتقر للإدارة، وللإرادة وللطاقة اللازمة.


ما نحتاجه هو تجميع تلك الطاقات، وتنظيمها، وفق معايير عمل عالية المستوى

لنحصل على مخرجات ومنتجات بسويّة مميزة، لتعبّر عن حجم هذه المأساة

مكتومة الصوت، ومعدومة التمثيل، أقول هذا بينما أقرأ عن صراع بين أقطاب

لمعارضة عمن يريد الدخول في وفد التفاوض المزمع عقده في نهايات الشهر

ر الجاري، في الوقت الذي نحتاج فيه لبعض الكوادر التي تقوم برفع دعاوى

قضائية في كل العالم، ضدّ بشار الأسد، وأعوانه، الذين يسرحون ويمرحون في سوريا والعالم ..

 

هكذا يصبح الطريق لكش عنزة صديقنا عبد الرزاق مصطفى عسيراً، فندعس


على ضحايانا، ونساهم في إطالة مأساتنا، والعنزة "تنطوط" على عتبات المنزل


وفي غرفه، بينما عبدو "سامحه الله" كان قد قلب الغرفة بمن فيها فوقاني تحتاني.


THE LEVANT NEWS (@THELEVANTNEWS_) | تويتر

العلامات

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!