الوضع المظلم
السبت ١٨ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
عندما قال فيصل بن فرحان
هدى سليم

لا يختصّ الجمال بمدينة بعينها، فإن كانت ساحلية أو جبلية أو مدينة قديمة بأوابدها، جميعها على اختلافها تتقن فنَ الإغواء لنصبح نحن عشاقها وتصبح هي مفضلتنا، لكن أن تُضيف لمدينةٍ ما ضمير ملكيةٍ، فذلك يجعلها مختلفة ويجعلك أنت، تحمل عبء هذه الملكية.

حرفان لضمير ملكية أضافا للكلمة معنى جديداً ومعنى مختلفاً، كانت حلب السورية مدينةً تشبه ماريوبل الأوكرانية في كلام المسؤول الأوروبي، لتتحول بكلام الأمير السعودي، إلى مدينةٍ لنا، مدينةٍ تخصنا، نمتلكها وتمتلكنا، ولا تتساوى مع مدنٍ سواها.

كان كافياً أن يضيف وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، في ردّه على مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، ضميراً لا يتجاوز الحرفين، على كلمة مدينة حلب السوريَة، ليثير جدلاً واسعاً ولتكون حلب هي حلبُنا.

ليست خفيةً على أحد مدينة حلب السورية، بعراقتها وأصالتها، بشوارعها القديمة وآثارها، فهي عروس الشرق التي تغنى بها الشعراء ماضياً وحاضراً.

من قال فيها المتنبي:

كلما رحبت بنا الروض قلنا      حلب قصدنا وأنت السبيل

فيك مرعى جيادنا والمطايا      وإليها وجيفنا والذميل

وأبو فراس الحمداني قال:

كأنما الأرض والبلدان موحش    وربعها دونهن العامر الأنس

أما أبو علاء المعري فقد قال:

حلب للوارد جنة عدن      وهي للغادرين نار سعير

وقال عنها الشاعر نزار قباني:

كل الدروب لدى الأوربيين توصل إلى روما

كل الدروب لدى العرب توصل إلى الشعر

وكل دروب الحب توصل إلى حلب

هكذا قال فيها نزار قباني، لكن نفسه لم يستطع إخفاء عشقه الأكبر والأعمق، لمدينته دمشق، ليقول فيها:

هذي دمشق وهذي الكأس والراح   إني أحب وبعض الحب ذباح

هنا جذوري هنا قلبي هنا لغتي   فكيف أوضح.. هل في العشق إيضاح؟

أن تُضيف ضمير ملكية لمدينة فذلك لا يزيدها جمالاً بل يزيدنا انتماءً، تجتمع فيه الذاكرة باللغة بالتاريخ وبالكثير من الحب والوفاء.

فمهما اختلفنا بمفهوم الانتماء، يكفي حرفان أو حرف تضيفه لتقول مدينتي، ليعود بك الحنين إلى هناك، إلى الطفولة والمنزل والرفاق، حيث نشأنا وحلمنا، ليصبح الحجر والشجر، وربما مكان شجرةٍ قد اقتلعت، مكاناً مقدساً لا يبارح ذاكرتك. فقط لامتلاكها هذا الضمير، فهو يضيف عليها خصوصيتها، وحقها علينا.

نعم إنها حلبُنا.. إدلبنا، حمصنا، وسويداؤنا، ورقتنا، وهن جميعهن "سوريتنا".

لكنه ضميرٌ ثقيل، أن تشعر بالملكية لشيء فهو يعني أن تقدم لأجله، أن تضحي وتعمل وتحاول وتناضل، أن تمتلك شيئاً يعني أن تُسأل عنه.

وثقل هذا الضمير على السوريين يعني أن نزيل كل علمٍ غير العلم السوري، أن نعتبر أي وجودٍ على الأراضي السورية لغير السوريين هو احتلال، أن يكون عملنا، ولاؤنا، تبعيتنا، وجهتنا وبوصلتنا سوريا.

فهل نضيف نحن السوريين هذا الضمير لمدننا، "لسوريتنا"، لمستقبلنا، ونبعد عن جميع مدننا ما يعكر سوريتها؟

ليفانت - هدى سليم

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!