-
عودة الدولة البوليسية .. واحد كيلو متر من الحرية
في السادس عشر من شهر آذار الفائت، ظهر الرئيس ماكرون على شاشة التلفزيون ليوجه خطابا مقتضباً للشعب الفرنسي، الذي كان حائراً حول ما تخبؤه الأيام القادمة، من إجراءات وقائية ضد فيروس الكورونا، الذي صار خطراً عالمياً.
في كلمته المتلفزة، كرر إيمانويل ماكرون لفظة "حرب" ست مرات، ثم أضاف: نحن في حرب صحية.
منذ شهر تقريباً، تغيرت برامج التلفزة في المحطات الأساسية، لتستقبل على الهواء شخصيات في مراكز القرار الفرنسي، كإدوارد فيليب، رئيس الحكومة، أو كريستوف كاستنير، وزير الداخلية، وغيرهما..
يظهر كل هؤلاء بوجوه صارمة، عابسة، كأننا فعلاً في حالة حرب.
منذ قرار الحكومة بتطبيق الحجر الصحي على المواطنين والمقيمين في فرنسا، لم تتوقف أسئلة الناس عن التدفق إلى موقع التلفزيون الذي خصص هاشتاغ
#OnVousRépond
لمحاولة الإجابة على أكبر قدر ممكن من تساؤلات المواطنين.
أغلب الأسئلة، تركزت في الأسبوع الأول على ما يسمي بوثيقة التنقل. هذا الإجراء الجديد، الطارئ، المرتبط بوضع استثنائي، لم تتعرف عليه البلاد من قبل: أن يحمل أحدنا وثيقة يقوم بملئ بياناتها : اسمه، مكان وتاريخ ولادته، سبب مغادرته للمنزل، وتاريخ اليوم الذي يتحرك فيه من مكان إقامته.
وفرضت الحكومة على الفور، غرامة مالية، لمن توقفه الشرطة، دون أن يحمل هذه الوثيقة المتاحة عبر موقع وزارة الداخلية، حيث يمكن لأي شخص تحميلها، وطباعتها. ومن لا يملك إمكانية الطباعة ، يستطيع نسخها الوثيقى بخط اليد، على أن تكون النسخة المكتوبة، مطابقة لتلك المطبوعة.
بعد قرابة أسبوعين، شدّدت الحكومة شروط مغادرة أحدنا لمنزله، لتضيف على الوثيقة، ضرورة تحديد ساعة المغادرة، بحيث لا يتجاوز وقت الخروج من البيت، ساعة كاملة، ولا تتجاوز المسافة المسموح بها للتنزّه أو ممارسة الرياضة، أكثر من كيلو متر.
منذ أيام، وجدت الحكومة حلاً يسهّل الحصول على الوثيقة، عبر تحميلها في جهاز الهاتف أو الإيباد، وملىء المعلومات المطلوبة ذاتها : الاسم، العنوان، سبب المغادرة، التاريخ، الساعة.. الأمر الذي يمكن للحكومة فيه، مراقبة وأرشفة حراك أي مواطن، ومعرفة أين ومتى يتحرك..
كامرأة قادمة من بلاد الخوف، وضرورة حمل الهويات، وذعر التوقيف على حاجز الخصم، الذي قد يعاقبني على "هويتي"، صارت وثيقة التنقل في فرنسا، بمثابة رهاب يتملّكني كلما رغبت بالخروج.
بحجة البحث عن مخبز قريب، غامرت بالتجوال والابتعاد أكثر عن بيتي، حيث تتواجد أقرب نقطة بيع خبز إلى منزلي، قرابة كيلومترين، فعلت هذا، متأكدة من ملئي للبيانات المطلوبة، وتحديد شرط المغادرة: الضرورات الأولية.
كأنني أرتكب مخالفة، انتابني إحساس المواطن المُهدد، هذا الإحساس بإمكانية التعرض للمحاسبة، الذي نعرفه جميعاً، نحن القادمون من بلاد العقاب.
سيارة الشرطة، تمر يومياً أمام منزلي، وتتجول بين الشوارع المحيطة بي. لم أعهد يوماً هذا الإجراء الأمني، الذي أعادني إلى سوريا في فترة الثمانينيات، حين كنا لا نستطيع الخروج من البيوت، وكانت قوات الأمن تملأ الشوارع.
المشهد كافكاوي، أخبار تبث الذعر في كل مكان، شخصيات في الصف الأول، تشعر بالقلق والخوف، أمريكا تقرصن شحنة كمامات اشترتها ألمانيا وفرنسا، تركيا تسطو على سفينة إسبانية ، انتحار وزير المالية في ألمانيا ،سياسيون فرنسيون يطالبون باستقالة محافظ باريس" البريفيه" ديديه لاليمانت..
هل نحن أمام نظام عالمي جديد في طريقه إلى التشكل، نظام أمني بوليسي، يتيح للحكومات قرصنة حيوات الأفراد، نظام ستكون فيه الحرية أكبر هاجس، ضد الفكر الأمني، الذي يتكئ بقوة على الأزمات الطارئة، ليشدد قبضته، بدعى حماية الأشخاص.
ليفانت - مها حسن
قد تحب أيضا
كاريكاتير
من وحي الساحات في سوريا
- December 19, 2024
من وحي الساحات في سوريا
ليفانت-خاص
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!