-
فاز الفريقان وخسر الجمهور
غير موجود هذا في عرف الرياضة، لكنه وُجِد بحكم الحاجة، مباراة يفوز فيها الفريقان، كلاهما يحتاج لتسجيل الأهداف، أحدهما ليفوز بالبطولة والثاني ليتفادى الهبوط للدرجة الأدنى، لعبا المباراة، وحقق كل منهما ما أراد أو ما اتفقا عليه مسبقاً، كان كل شيء مفضوحاً، كل منهما يُعلِم الآخر بطريقة تحقيق الهدف قبل تسجيله، كسبا معا غضب الجمهور الذي أهدر ماله ووقته من أجل مشاهدة اللاشيء.
المباراة التي خاضتها إسرائيل مع إيران على "بطاح" فلسطين، فريقان يطفحان بالقذارة الأخلاقية، تبادلا قصف الصواريخ بانضباط دقيق، لا يأبهان بدماء الأبرياء، وعذابات الأمهات والأطفال والشيوخ، وأعلن كلاهما الانتصار ليتفرغ المفجوعون لغسل آثار الدماء، وتبادل كفكفة الدموع، يخيّم عليهم القهر والعجز.
نتنياهو احتاج تمثيلية الدمّ من أجل توسيع الزاوية المحجور فيها، والتي كانت ستقوده للمحاكمة على فساده، ونجح في ذلك وأجّل إلى حين الملاحقة القضائية والسجن، فالدم الفلسطيني منحه فرصة أخرى لمحاولة تشكيل الحكومة وتوقيف كل ذلك، هكذا هو دائماً، الدم الفلسطيني رافعة إسرائيل، وهو الأرخص، بل يكاد يكون مجانيّاً، تقدمه لها الأمتان العربية والإسلامية، لذلك تستبيحه الدولة المحتلة، وقد يفعلها نتنياهو ثانية وثالثة حسب المقتضى.
حوّلت إسرائيل بالتعاون مع حليفتها الاستراتيجية، إيران، المقاومة الفلسطينية في غزّة إلى مجموعة مرتزقة وعملاء، بعد أن تخلصت من الشرفاء فيها، من أمثال الشيخ أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي، لتفسح الطريق لمجموعة من الوضيعين والانتهازيين بالاستيلاء على قيادتها، تقاوم باسم من يدفع أكثر بعيداً عن قضيتها الأساسية، ووجدت إسرائيل في إيران الطرف الأكثر موثوقية، فأفسحت لها بشراء المقاومة، وتسلّمتا معاً جهاز التحكّم.
ولإيران غاياتها التي اتفقت مع الإسرائيلي في الخطوط العريضة، لكنها تلعب في الهوامش الثانوية لتحقيق المزيد من المكاسب خدمة لمصالحها التوسعيّة في الشرق الأوسط، فبعد أن ضمّت حماس والجهاد الإسلامي في غزّة إلى حزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن، وميليشياتها الإرهابية في سوريا والعراق، إلى أذرع لها بمباركة إسرائيلية دولية، وصمت عربي وإسلامي ممزوج بالبلاهة، تستغلّ كل سانحة من أجل رفع المدماك.
خلاف وحيد بين الحليفين، هو الملف النووي الذي تجد فيه إيران الرافعة الأهمّ في توسّعها الشرق أوسطي، لذلك انتهزت اتفاقها مع إسرائيل على هذه الحرب لتعزيز موقفها في مفاوضات الملف في فيينا، وزادت عليه بالإيعاز لحماس بضربات لم تكن إسرائيل تقبل بها مثل استهداف تل أبيب ومطار بن غوريون لتحقّق ذلك، وهذا الملف هو النقطة الوحيدة التي ترفض إسرائيل بإصرار أيضاً التساهل فيه مع إيران، لا تريد سلاحاً نووياً في المنطقة إلا ما تمتلكه.
حماس بدورها استغلّت الحرب لتحقيق غايات خاصة بها، حزبيّاً وفرديّاً، فأعادت تعويم وسمها بالمقاوِمة لدى البسطاء، وستضيف المليارات لحسابات قياداتها في بنوك سويسرا وبعض دول الخليج تحت مسمى إعادة إعمار ما هدمه الإسرائيليون.
ما جرى في القدس وحيّ الشيخ جراح، ضغط على الحليفين، أحرجهما معاً، الرأي العام العالمي أدان عنصرية إسرائيل الدينيّة، وجعل من إيران وفصائلها العسكرية المدجّجة بالسلاح بأسماء مقدسية وفلسطينية أضحوكة، وهي تمارس القتل بحق المدنيين، في سوريا والعراق واليمن، وتتعامى عما يجري في القدس، وكانت الحرب "التمثيلية" أفضل مخرج لكليهما، فأوعزت إيران لتابعَيها، حماس والجهاد الإسلامي، بإطلاق الصواريخ، فتردّ إسرائيل بأضعافها، ثم أعلنتا معاً الانتصار.
بهذا حقق المتبارون الكبار والصغار أهدافهم المرحلية، لكن الحقيقة أنّ الفريقين خسرا معاً، حيث إن إسرائيل أفقدت شعبها إحساسه بالأمان، إذ وصلته الصواريخ في مسكنه، شمالاً وجنوباً، وفقدت حركة حماس ومنظمة الجهاد الإسلامي ومن ورائهما إيران، آخر ورقة تستر عوراتها، وكشف الجميع- باستثناء البسطاء- زيف ادعائهم المقاومة، ومتاجرتهم بالدم الفلسطيني لتحقيق مكاسب مالية وسياسية.
ليفانت - عبد السلام حاج بكري
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!