-
فرنسا.. هل ستنصف المظلوم؟!
كنت أقطع الشارع، حين شعرت بدوار مباغت، فحاولت الاستناد على الحاجز الزجاجي لموقف باص رأيته قبالتي، وقبل أن أضع يدي على الزجاج، شعرت أنني أنزلق على الأرض.
شعور بالغثيان والتعرّق وعدم القدرة على النهوض، جعلني للحظات أعتقد أنني ربما أصبت بأزمة قلبية، وما إن حاولت تحليل مايحدث لي، حتى رأيت وجهي رجلي بوليس يحيطان بي، صادف وجودهما، مع زملاء لهما، لحماية حفل صغير في الشارع.
ساعدني الرجلان على النهوض وأجلساني على المقعد المخصص لانتظار الباص، وراحا يطرحان علي الأسئلة، حتى لا أفقد وعيي. بغتة، قلت لهما بامتعاض ممزوج بالتهكّم: أنتما من البوليس، ما علاقتكما بي وأنا أسقط في الشارع؟
ابتسم فانسان، كما عرفت اسمه لاحقاً، وقال لي: بل نحن مسؤولان عن أمن الناس في جميع الحالات.
قلت له بمكر: أنتم مختصون أكثر بقمع التظاهرات، ثم أضفت محاولة أن تبدو لهجتي مداعبة، اذهبا لضرب أصحاب السترات الصفر!
ابتسم رجل البوليس ذو العينين الزرقاوين، واقترح عليّ أن يتصل بالإسعاف، وفي نفس الوقت، كان زميله، الذي نسيت اسمه لسوء الحظ، يطرح عليّ أسئلة تتعلق باسمي ومكان سكني.
لم يعرف أحدهما، إن كنت فرنسية أو أجنبية، ولم يعلّقا على انتقادي اللاذع لمهنتهما وأنا أقول: أنا لست صديقة للبوليس. قام كل منهما بأداء واجبه، دون أي تأثر بكلامي.
جاءت سيارة الإسعاف، وشكرتُ الرجلين ، وأنا أقول لهما : مع ذلك، أنا ممتنة لمساعدتكما. قال فانسان وصاحبه: هذا واجبنا، ونحن لا نضرب المواطنين يا مدام!
في سيارة الإسعاف، كنت أتذكر تلك التفاصيل، وأضحك من نفسي، وأتمتع بلذة تذوق هذه الحرية النابعة من الإحساس بالأمان. رجل البوليس لن يضايقني، حين أنتقده، بل سيتابع عمله، الذي اختاره، ضمن قناعاته ومبادئه.
لطالما رويت حكاياتي المتعددة مع رجال البوليس في فرنسا، بل ومع نسائه. حين أُسأل لدى وصولي إلى المطار، عائدة إلى باريس، أسئلة لطيفة، من رجال أمن الجوازات، عن صحتي وعن "يبدو أنك مرهَقة يا مدام!".. الأسئلة التي تجعلني أكاد أدمع، وأنا محاطة بحماية هذا البلد.
من أجل هذه التفاصيل، أحب فرنسا، وأعتبرها أمي الحامية والحنون. أثق بقضائها الذي منحني حق الإقامة على أراضيها، ومنحني قوة مجادلة أي موظف مهما كان منصبه، وحق انتقاد أي شخصية مهما علا شأنها، ووهبني مساحة فكرية جديدة، لأتحرر فيها من خوفي التاريخي، كمواطنة قادمة من بلاد القمع والتنكيل والاغتيال السياسي والاعتقال العشوائي والموت المجاني، لأتذوق مفاهيم وخبرات جديدة، تحررني من الخوف.
بسبب علاقتي الشخصية، وتجربتي الصغيرة مع الأنظمة الفرنسية، أستطيع أن أعبّر بقوة، أن قضاء هذا البلد، لن يكون إلاّ عادلاً.
لهذا حين أسمع انتقادات أصدقائي السوريين للقضاء الفرنسي، وهم يعبّرون عن عدم ثقتهم بهذه العدالة، التي يصفونها بالانتقائية، ونحن أمام حدث مهم كاعتقال إسلام علوش، المتّهم بارتكاب جرائم حرب، والذي يُتهم تنظيمه "جيش الإسلام" باختطاف رزان زيتونة وأصحابها، ويحاول الأصدقاء المقارنة مع هذا الحدث، وقصص سابقة، كتواجد رفعت الأسد، أو الكثير من "شبيحة" النظام السوري، الذين يتمتعون بحرية كاملة في العيش في فرنسا، ليقدموا صورة مُحبطة عن القضاء الفرنسي، أُصاب ببعض الغضب، لأنني أثق بفرنسا، وبقضائها المستقل.
نعم، أثق أن فرنسا ستحاكم مجدي نعمة" الملّقب بإسلام علوش"، وما علينا نحن السوريين، من كان يستطيع ذلك، سوى أن يساعد هذا القضاء، عبر الشهادات والوثائق التي تدين هذا الرجل، بدلاً من البكاء والتظلّم وعقد المقارنات غير الصحيحة، فننام مرتاحي البال،ملقين اللوم على الآخرين.
مها حسن - كاتبة وروائية
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
من وحي الساحات في سوريا
- December 19, 2024
من وحي الساحات في سوريا
ليفانت-خاص
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!