-
فشل إيران والأزمات العربية الكبرى
محدودية الاستراتيجية الإيرانية، والمحدّدة في تصدير الثورة الإسلامية الشيعية 1979، وتشكيل ميليشيات طائفية مسلحة في الدواخل العربية، شكّلت منذ لحظة بدايتها لحظة وفاتها؛ أطال بعمر تلك الاستراتيجية غياب سياسات عربية ناضجة، تأخذ بعين الاعتبار مصالح الشعوب وتقف خلفها، وعكس ذلك، تبنت الأنظمة العربية الشكل الاستبدادي لأنظمتها وضد مصالح الشعوب، وهذا بالضبط ما ساعد إيران في تصدير ثورتها، وتخريب الدواخل العربية؛ ويشترك في ذلك صدام حسين والنظام اللبناني والسوري ومروراً باليمن.
لم تفعل إيران بالدواخل العربية أكثر مما فعلت الأنظمة، التي تبنيت إعادة إنتاج الدواخل العربية طائفيّاً وعشائريّاً، ومحاربة الاتجاهات اليسارية والماركسية والليبرالية والعروبية؛ مشكلة إيران في أنّها لا تمتلك إلّا التخريب الطائفي، وربما قوتها الإقليمية تكمن في إضعاف العرب، فكانت بضاعتها الداخلية والخارجية، هي الطائفية. الأخيرة هذه وصلت إلى نهايتها؛ ففي العراق، حيث الثورة عام 2019، وتيار الصدر الرافض للتبعية لإيران، واستقالة مقتدى الصدر مؤخراً لا تغيّر أو تحدّ من توجهات تياره أو من رأي الثورة وعموم العراقيين من ضرورة أن تغادر إيران العراق، هي وميليشياتها، التي تصدرت مشهد العراق بعد غزو أمريكا 2003.
في سوريا هناك تضخيم غير محدود لسيطرة إيران، وأن سوريا أصبحت محافظة إيرانية، كما يقول بعض الساسة الإيرانيين؛ تتجاهل أو لا ترى جماعات التضخيم، أن العراق ولبنان يشهدان، وهناك الهيمنة الحقيقية الإيرانية، رفضاً شعبياً واسعاً لها، فكيف بسوريا التي عانت الأمرين، ولديها ثورة شعبية منذ 2011، وهناك ألف سبب لاقتلاع إيران منها، سيما أنّ الجماعات الدينية السورية، على اختلافها، رافضة لتلك الهيمنة، وراغبة بإخراج إيران وبكل الوسائل.
حجم الأزمات التي يعيشها العراق ولبنان واليمن وسوريا، وسببها المباشر، الهيمنة الإيرانية، تقول بأن لا مخرج للشعوب العربية "اقتصادي أو سياسي" دون إخراج إيران منها، وهذا يتلاقى مع سياسات عالمية، وإقليمية تذهب بهذا الاتجاه. الاتفاق النووي نفسه قد يتضمن حواشي سريّة، تفيد بأن هناك ضرورة لتلملم إيران نفسها، وتسحب أذرعها العسكرية من المنطقة العربية، وطبعاً هذا الرأي يناقض جماعات إيران في المنطقة والحرس الثوري، والمهووسين بالعقلية الطائفية والقيامية بأن العرب لن تقوم لهم قائمة وأن التغيير الديمغرافي حصل ولن يتغير، وأن إيران لن تخرج من المنطقة.
لا شك أن الوجود الإيراني، وألاعيب السياسة العالمية والإقليمية ستعمل على إطالة ذلك الوجود، إمعاناً في تخريب البنية الاجتماعية العربية، وتعقيد المشكلات أمام الشعوب العربية كي لا تفكر بصورة سليمة بالخلاص من مشكلاتها الفعلية، وهي معقدة للغاية، بدءاً من الأنظمة أو جماعات الحكم، وليس انتهاءً بالتدخلات الإقليمية والدولية، وهي كثيفة. هذا التعقيد، يمنع تشكيل التفكير العربي السليم، والأخير يعاني من مشكلات كبرى، تتعلق بكل أوجه نشاطه الفكري أو السياسي أو الاقتصادي وحتى بما يخص هويته العربية ذاتها؛ ومثله الشعوب العربية، وبالتالي هناك مشكلات كبرى، تستفيد منها الدول الإقليمية المتماسكة، كإيران وتركيا والعراق، وحتى القوى الكردية في شمال العراق أو حزب العمال الكردستاني.
دَخلَ العراق بأزمة شديدة بالأيام الأخيرة، فهناك أزمة اقتصادية عنيفة واجتماعية وتوّجت بأزمة سياسية، ولا يمكن للإطار التنسيقي الشيعي الإيراني في العراق تجاهلها، ومتابعة الحياة في العراق كما من قبل. لبنان أيضاً مشرف على انتخابات رئاسية صعبة، وهناك مفاوضات جادة لرسم الحدود البحرية مع إسرائيل، وإنهاء ثرثرات حزب الله حول إمكانية إشعال الحرب مع إسرائيل، سيما أن الأخيرة ستكون مدعومة أمريكياً للإجهاز على هذا الحزب، وهناك رفض شعبي واسع للحزب، وثورة لبنان في 2019 وما بعدها، وتفجير مرفأ بيروت، ورفض التحقيق فيها، وبالطبع الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الكبيرة، أقولها كلّها عناصر تلجم حزب الله، وقد تقوم بذلك إيران نفسها، المتطلعة إلى الاتفاق النووي، والثروات التي ستحصل عليها بعده، من مليارات وعقود استثمار وهذا يستدعي حكماً وضرورة خلق الاستقرار الداخلي، وهذا بدوره غير ممكن دون الاعتماد على سياسات إقليمية جديدة، تهمش تلك الميليشيات، ولهذا قلنا هناك حواشي للاتفاق النووي، وقد تكون محصورة بذلك التهميش.
إن جوانب تعقيد المشهد العربي، تتطلب إنتاج سياسات عربية وطنية، وفي كل الدول العربية؛ لن نطالب الأنظمة بذلك، فهي تتبنى سياسات تنطلق من التبعية للخارج؛ تارة أمريكا وتارة روسيا أو الصين، وهناك التبعية لإسرائيل أيضاً. فكرتنا تتوجه إلى تيارات الفكر والسياسة العربية، فهي المعنية بهذه السياسات؛ فهي وحدها ما تعيد الترابط بين الشعوب العربية، وإرساء أسس جديدة لعلاقاتها فيما بينها، بعيداً عن سياسات الهوية الطائفية أو العشائرية أو الفوضى في الهويات والتشتت والضياع.
الآن هناك أزمات كبرى، وهناك تركيز على ضرورة إخراج إيران من المنطقة، وهناك الاتفاق النووي، الذي يتضمن تهميش إيران في المنطقة؛ فهل تتغيّر سياسات الأنظمة وتقترب من مصالح شعوبها؟ وهل تتبنى الشعوب ونخبها سياسات وطنية؛ هذا ما يجب العمل عليه، ودون ذلك سيعقد المشهد العربي أكثر فأكثر.
ليفانت – عمار ديوب
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!