الوضع المظلم
الثلاثاء ٠٥ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
في إيران.. الاختراق والفساد من أعلى الهرم إلى أسفله
إيران والفساد \ ليفانت نيوز

منذ أن بدأت التفجيرات والحوادث تهز المواقع النووية الإيرانية، تجلى أن إيران أضحت مخترقة من الناحية الأمنية، من قبل أجهزة استخبارات دولية، على رأسها الموساد الإسرائيلي، الذي كان المتهم الأوحد في العديد من الوقائع التي هزت إيران.

وتجاوزت الاختراقات الأمنية في صفوف الأجهزة الأمنية الإيرانية حد التكهنات والتحليل، إلى حد البراهين والأدلة والإثباتات، وهو ما أكدته هيئة البث البريطانية  BBC، في السادس من فبراير الجاري، عندما قالت إن سلطات طهران، احتجزت عشرات القيادات في الحرس الثوري، إثر اغتيال العالم النووي البارز، محسن فخري زاده، أواخر نوفمبر 2020، وهو العالم الذي لطالما أكددت إيران أن إسرائيل من نفذ عملية اغتياله.

كيف تم اغتيال فخري زاده؟

إذ نوهت الهيئة وقتها، خلال تقرير لها، إلى أن وزير الاستخبارات الإيراني السابق، محمود علوي، أكد أنه أعلم الأجهزة الأمنية بوجود مخطط لاغتيال فخري زاده في نفس المكان والتاريخ، وذلك قبل شهرين من العملية، ليرجح معها علوي أن العقل المدبر في عملية الاغتيال، هو من أفراد القوات المسلحة الإيرانية، و"نوه ضمنياً" بأنه من أفراد الحرس الثوري الإيراني.

وأكمل التقرير: "إذا كان الأمر كذلك فإن هذا يعني أن العميل (العقل المدبر) يجب أن يتولى وظيفة رفيعة ضمن الحرس الثوري، بحيث تمكنه من تجاهل ذلك التحذير (الصادر من محمود علوي)، وتطبيق خطته في التاريخ والتوقيت والمكان المحدد"، مشيرةً إلى أن "مصادر داخل الجناح الأمني لسجن إيفين في طهران، الذي يضم متهمين بالتجسس لصالح دول أخرى، قالت لـBBC أن العشرات من قيادات رفيعة المستوى في الحرس الثوري محتجزون هناك"، فيما تمتنع الحكومة عن نشر أسماءهم أو رتبهم لتفادي الإضرار بسمعة الحرس الثوري.

اقرأ أيضاً: فرنسا.. أمام إيران بضعة أيام لإبرام اتفاق نووي

وأوردت الهيئة البريطانية عن ضابط استخباراتي سابق في فيلق القدس التابع للحرس الثوري، تأكيده أن وكالات أجنبية جمعت أدلة ضد مجموعة من السفراء الإيرانيين وقيادات الحرس الثوري، مبيناً أن تلك الأدلة تحوي معطيات عن علاقات غرامية مع نساء يمكن استعمالها لابتزاز هؤلاء المسؤولين وإجبارهم على التعاون مع أجهزة استخبارات أجنبية.

كما أشارت BBC إلى أن أحمدي نجاد أكد صحة تلك الادعاءات العام الماضي، إذ قال: "هل هذا أمر طبيعي عندما يتبين أن أرفع ضابط مسؤول عن مراقبة الجواسيس الإسرائيليين ومكافحة المخططات الإسرائيلية في إيران هو عميل إسرائيلي نفسه؟"، وشدد التقرير على أن مسؤولين إيرانيين سابقين قلقون اليوم من تواصل "الموساد" المزعوم مع قيادات بارزين في أجهزة الأمن والاستخبارات الإيرانية، وأوردت عن علي يونسي، وزير الاستخبارات السابق والمستشار البارز للرئيس السابق، حسن روحاني، قوله خلال مقابلة: " لقد توسع نفوذ الموساد في أنحاء مختلفة من البلاد، إلى درجة أصبح كل شخص في القيادة الإيرانية يضطر إلى الخوف على حياته وسلامته".

رئيسي وملف الفساد

معلومات بي بي سي السابقة، والتي تفضح مدى توغل الفساد والمخربين في الداخل الإيراني، دفعت الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، للخروج عنه صمته عقب يوم واحد من التقرير، أي في السابع من فبراير، فقال إن من أولويات أجهزة بلاده الاستخباراتية والأمنية، منع نفوذ الأعداء، والتعامل مع "رؤوس شبكات الفساد" و"القضاء على مافيا التهريب".

متجاهلاً حالة الفساد المزرية التي وصلت لها طهران، فبجانب تقرير بي بي سي، بثت إذاعة "فردا" الإيرانية المعارضة، في العاشر من فبراير، تسجيلاً صوتياً مُسرباً حول خطاب ألقاه كبار قادة الحرس الثوري الإيراني قبل 4 سنوات، اتهم فيه محمد باقر قاليباف "رئيس البرلمان حالياً، والعمدة السابق لطهران، ومن قيادات الحرس)، وقائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني بالفساد.

اقرأ أيضاً: في إيران.. إقالة رئيس اتحاد رياضي بسبب عقد إسرائيلي

وتضمن التسجيل الذي يصل طوله إلى 50 دقيقة، محادثة بين القائد العام السابق للحرس الثوري محمد علي جعفري ونائبه للشؤون الاقتصادية صادق ذو القدر وتظهر فيه أسماء مثل قاليباف الذي كان في حينها رئيس بلدية طهران، وكذلك نائب منسق الحرس الثوري الجنرال جمال الدين أبرومند، ورئيس جهاز المخابرات بالحرس حسين طيب.

وتناولت المحادثة قضية الفساد التي تورطت بها شخصية في شركة "ياس القابضة" التابعة لمؤسسة الحرس الثوري التعاونية، فقال الجنرال ذو القدر "إنه حاول استخدام نفوذ قاليباف لإغلاق قضية الفساد في ياس القابضة، بينما دعم رئيس جهاز استخبارات الحرس الثوري حسين طائب، قاليباف"، كما يذكر جعفري أن قاسم سليماني كان غير مرتاح للتحقيق مع نائب منسق الحرس الثوري آنذاك، الجنرال جمال أبرومند، والأشخاص الواردة أسماؤهم في ملف الفساد، وأنه تحدث إلى المرشد علي خامنئي.

وقد اعترف الحرس الثوري الإيراني، منتصف فبراير الجاري، بصحة التسجيل الصوتي المسرب إذ قالت وكالة "أنباء فارس نيوز"، وهي تعدّ الذراع الإعلامية الأقوى للحرس الثوري الإيراني، بشأن ما تم تسريبه عبر وسائل إعلام إيرانية معارضة بالخارج، إن "التسجيل الصوتي المسرب صحيح، ويعود إلى اللواء محمد علي جعفري القائد السابق للحرس الثوري"، فيما علق النائب السابق والقيادي في التيار الإصلاحي محمود صادقي في تغريدة عبر حسابه على "تويتر"، على التسريب، فقال: "الفساد في الملف الصوتي هو مثال آخر على الفساد البنيوي".

تبريرات لا تبرر

لكن السلطة الإيرانية، لجأت كالعادة إلى تصويب سهامها على فاضحي الفساد، فزعم المتحدث باسم الحرس الثوري الإيراني العميد رمضان شريف، في الرابع عشر من فبراير، أن إعادة نشر ملف صوتي خاص بقضية فساد "تؤكد محاولات الاستكبار العالمي لترميم جراحه التي أصيب بها في مواجهاته مع الحرس"، مدعياً أنه "تمت محاكمة المتهمين في قضية إحدى الشركات التابعة للمؤسسة التعاونية للحرس الثوري الإيراني وهم يقضون حالياً عقوباتهم"، على حد قوله.

اقرأ أيضاً: ميلشيا إيران تواصل التجنيد في ريف حلب وتصطدم بالروس

وتابع بأن "إعادة نشر الملف الصوتي الخاص بهذه القضية عشية ذكرى انتصار الثورة تؤكد محاولات الاستكبار العالمي لترميم الجروح العميقة التي تلقاها في مواجهاته مع الحرس الثوري وانتصاراته عليه"، وأن "الفريق قاسم سليماني لم يتسلم أي مسؤولية في المؤسسات التعاونية للحرس وطرح اسمه من جديد في هذا السياق يبرز مدى تخوف العدو من اسم الشهيد سليماني"، على حد قوله.

لكن، وأياً كانت حقيقة ما زعمه الناطق باسم الحرس الثوري من محاسبة الجناة، فإن ذلك لن يغير شيء من حقيقة أن النظام الإيراني "مخترق" و"فاسد"، من أعلى السلطة وليس من أسفلها، وهي وقائع دفع ثمنها "محسن فخري زاده" دمه، كما يدفع ثمنها الإيرانيون عموماً من قوتهم اليومي.

ليفانت-خاص

إعداد وتحرير: أحمد قطمة 

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!