-
في شهره الأول.. بايدن يرسم خطوط العودة لزعامة العالم
تسلّم الرئيس الأمريكي جو بايدن الحكم في البيت الأبيض بتاريخ العشرين من يناير الماضي، وبات له مذ ذلك الوقت قرابة الـ35 يوماً، عمل -وما يزال- خلالها على توضيح ورسم سياساته التي ستنتهجها الإدارة الأمريكية في غضون السنوات الأربعة القادمة على الأقل، إن لم يحظَ الرجل بالتجديد كما حصل مع سلفه، للمرة الثانية.
ورغم أنّ الرئيس انتخبه الأمريكيون ليقود بلادهم، لكنه عملياً يقود دولاً كثيرة حول العالم، عبر النفوذ العسكري والاقتصادي الكبير الذي تمتلكه واشنطن، من أوروبا إلى الشرق الأوسط وآسيا، ومناطق مختلفة حول العالم، وهو ما يبدو أنّ بايدن يسعى للحفاظ عليه، وربما تعزيزه.
أوروبياً وعلى صعيد الناتو
شكلت فترة حكم ترامب نكسة للعلاقات بين واشنطن وبروكسل، وبالتالي كان نبأ هزيمة ترامب مُفرحاً للأوربيين، ولحلف الناتو، إذ شدّد الجانبان، في العشرين من يناير، (يوم تنصيب بايدن)، على أنّهما يتطلعان إلى العمل مع الرئيس الأمريكي المنتخب، جو بايدن، لتمكين الروابط بين أوروبا والولايات المتحدة، حيث ذكر الأمين العام للحلف، ينس ستولتنبرغ: "نتطلع للعمل مع الرئيس المنتخب جو بايدن لتعزيز الروابط بين الولايات المتحدة وأوروبا، في وقت نواجه فيه تحديات عالمية لا يمكن لأي طرف أن يواجهها بمفرده".
اقرأ أيضاً: مُستصعبةً مُقاطعة ماضيها.. قطر تتهرّب من استحقاقات بيان العلا
فيما أكدت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، على أنّ أوروبا مستعدة لبداية جديدة مع واشنطن، مشيرة إلى "فجر جديد" في أمريكا، كما أعربت عن ترحيبها برئيس المكتب البيضاوي الجديد قائلة: "بعد أربع سنوات طويلة، أصبح لأوروبا صديق في البيت الأبيض"، بينما قال رئيس المجلس الأوروبي، تشارلز ميشيل: "في اليوم الأول من ولايته، وجهت اقتراحاً رسمياً إلى الرئيس الجديد، دعونا نبني ميثاقاً تأسيسياً جديداً لأوروبا أقوى، وأمريكا أقوى، وعالم أفضل".
على الصعيد التركي
منذ بداية عهد بايدن، وجّه أنتوني بلينكن، وزير الخارجية في إدارته، الاتهامات لأنقرة بأنّها لا تتصرف كحليف، لافتاً إلى احتمالية فرض المزيد من العقوبات على أنقرة نتيجة شرائها منظومة "إس - 400"، مضيفاً: "إنّ فكرة أن يكون شريكنا الاستراتيجي، أو ما يسمى بالشريك الاستراتيجي، متوافقاً في الواقع مع أحد كبار منافسينا الاستراتيجيين في روسيا، غير مقبولة".
اقرأ أيضاً: أنقرة تفشل في تقمّص دور الضحيّة.. وتستذئب مجدّداً بالمتوسط
موقفٌ تلقفته أنقرة، فردّت باتهامات عبثية، كان أفظعها في الثالث والعشرين من يناير، عندما أعلن أورخان مير أوغلو، القيادي بحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، أنّ الرئيس الأمريكي، جو بايدن، ينحدر من أصل كُردي من عشيرة بيروكي الكُردية، قبل هجرة عائلته إلى الولايات المتحدة (على حدّ زعمه)، علماً أنّ بايدن يُعرف بأنّه من مواليد بنسيلفانيا الأمريكية، وينحدر أجداده من أصول إنجليزية وآيرلندية وفرنسية، فيما جاء الاتهام بالتوازي مع اعتقاد سائد في تركيا بأنّ بايدن سيتبنى سياسة داعمة للأكراد، وأنّ العلاقات بين أنقرة وواشنطن ستمر بفترة صعبة، لاسيما أنّ بايدن أدلى سابقاً، بتصريحات مُناهضة لسياسات أردوغان.
على الصعيد الإيراني
أكد البيت الأبيض منذ تولي بايدن الحكم، أنّ إدارة الرئيس الجديد تسعى إلى تشديد القيود المفروضة على برنامج إيران النووي، مُطالباً طهران بالعودة إلى تطبيق كافة التزاماتها حسب الاتفاق النووي، وهو ما ذكرته المتحدّثة باسم البيت الأبيض، جين بساكي، في أول موجز صحفي بالقول: "أوضح الرئيس موقفه القاضي بأنّ الولايات المتحدة تسعى من خلال انتهاج دبلوماسية المتابعة إلى تمديد وتشديد القيود النووية المفروضة على إيران والتعامل مع القضايا الأخرى المثيرة للاهتمام"، وتابعت: "على إيران العودة إلى الامتثال للقيود النووية الملموسة المفروضة عليها بموجب الصفقة المبرمة، من أجل مواصلة المضي قدماً".
اقرأ أيضاً: هجوم أربيل.. اللعب المُستتر لمليشيات طهران قد يرتدّ عليها
التصريح جاء رغم إعراب بايدن سابقاً، عن استعداده للعودة إلى الاتفاق النووي المبرم في العام 2015، والذي انسحب منه سلفه دونالد ترامب، في حال عودة طهران في المقابل إلى تطبيق كامل مسؤولياتها بموجب الصفقة، فيما طالب وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، إيران، في الثامن والعشرين من يناير، بالعودة للالتزام باتفاقها النووي قبل أن تقوم واشنطن، في أول تعليق له بشأن إيران بصفته وزيراً للخارجية، إذ أكد بلينكن على سياسة الرئيس جو بايدن المتمثلة في أنّه "إذا عادت إيران للالتزام الكامل بتعهداتها بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي)، فستفعل الولايات المتحدة نفس الشيء".
على صعيد الصين وروسيا
أما بالنسبة للعلاقة مع القوى الآسيوية، فقد أكد البيت الأبيض أنّ الرئيس الأمريكي الجديد سيسعى للتعامل مع الصين وقضايا العلاقات الأمريكية – الصينية "بصبر"، حيث قالت المتحدّثة باسم البيت الأبيض، في الخامس والعشرين من يناير: "نحن ننطلق من موقف الصبر فيما يخصّ علاقاتنا مع الصين"، وتابعت قائلة: "هذا يعني أنّنا نرغب بإجراء مشاورات مع حلفائنا، وسنجري مشاورات مع الديمقراطيين والجمهوريين وسنسمح للوكالات بالعمل فيما بينها على مراجعة وتقييم كيفية المضي قدماً بعلاقاتنا"، وذلك عقب توترات شديدة شهدتها العلاقات بين واشنطن وبكين في عهد الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، بشأن العديد من القضايا، بما فيها الاقتصاد والملكية الفكرية وحقوق الإنسان والوضع في هونغ كونغ وفيروس كورونا وتعامل الصين مع الأيغور المسلمين في إقليم شينجيانغ، وغيرها من الملفات.
اقرأ أيضاً: باريس.. والسعي الجاد لحماية مُسلميها من إسلامييها
وروسياً، أجرى الرئيسان الروسي، فلاديمير بوتين، والأمريكي بايدن، أول مكالمة بينهما بتاريخ السادس والعشرين من يناير، أعربا فيها عن ارتياحهما من التوصل لاتفاق حول تمديد معاهدة "ستارت 3"، وفق ما أفاد الكرملين في بيان، حيث أوضح بأنّ بوتين هنّأ بايدن "بمناسبة تولّيه العمل في منصب الرئيس الأمريكي"، مشيراً إلى أنّ "تطبيع العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة سيخدم مصالح كلا البلدين والمجتمع الدولي برمته، عملاً بمسؤوليتهما الخاصة عن دعم الأمن والاستقرار في العالم".
فيما قالت المتحدّثة باسم البيت الأبيض، إنّ بايدن تحدّث مع بوتين عن القلق الأمريكي إزاء بعض الأنشطة الروسيّة، منها معاملة المعارض المعتقل، أليكسي نافالني، وأضافت أنّ من الموضوعات التي تناولها الزعيمان اقتراح بايدن تمديد معاهدة "ستارت" للحدّ من الأسلحة النووية مع روسيا لـ5 سنوات، ودعم واشنطن "القوي لسيادة أوكرانيا.
اقرأ أيضاً: بسلبية مُتبادلة.. الحرب الباردة تتجدّد بين الناتو ووريثة وارسو
دبلوماسية لم تمنع وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، عقبها بيوم، من التعهد بضمان "الزعامة الأمريكية" في العالم، بالقول: "ثمة حاجة إلى الزعامة الأمريكية في مختلف أرجاء العالم، ونحن سوف نضمنها لأنّ العالم سيحل مشاكله وسيواجه التحديات القائمة أمامه بشكل أكثر ترجيحاً بكثير إن كانت الولايات المتحدة متواجدة هنا"، مشيراً إلى أنّ الولايات المتحدة ما تزال تتجاوز أي دولة أخرى في العالم من حيث القدرة على "حشد الآخرين من أجل تحقيق الخير العام".
وعليه، يبدو أنّ بايدن الذي أمضى عقوداً من العمل في السياسة، أشابت له شعره، مُدرك لأهدافه المُتعلقة بالدور الأمريكي حول العالم، وهو الدور الذي أصيب بانتكاسة كبيرة نتيجة سياسات ترامب النفعية، فيما يكمن الامتحان في مقدرة الرجل على فرض الرؤى الأمريكية للحل في مختلف مناطق الصراع كزعيمة للعالم، لا سيما في إيران وتركيا، روسيا والصين.
ليفانت-خاص
إعداد وتحرير: أحمد قطمة
قد تحب أيضا
كاريكاتير
من وحي الساحات في سوريا
- December 19, 2024
من وحي الساحات في سوريا
ليفانت-خاص
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!