الوضع المظلم
الجمعة ٠٨ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • في ميانمار.. جيش مُنقلب يفشل بإخضاع شعب مُنتفض

في ميانمار.. جيش مُنقلب يفشل بإخضاع شعب مُنتفض
ميانمار

قام الجيش في ميانمار بتاريخ الأول من فبراير الماضي، بانقلاب عسكري في البلاد، مستولياً عبره على مقاليد السلطة، معتقلاً مستشارة الدولة، أون سان سو تشي، والرئيس وين مينت، وغيرهما من قادة حزب الرابطة الوطنية للديمقراطية الحاكم، معلناً حالة الطوارئ لمدة عام، ظناً منه إن ذلك قد يتيح له السيطرة على الشعب، لكنه عبثاً يحاول منذ ذلك الحين، إذ ما تزال تعيش البلاد إلى الوقت الراهن، احتجاجات عارمة، وتظاهرات دورية، بجانب انتقال مجموعات عرقية إلى حمل السلاح، رفضاً لاستيلاء العسكر على السلطة السياسية.


رفض غربي للانقلاب


اتّسم الموقف الغربي منذ البدء برفض الانقلاب، إذ أعلنت الولايات المتحدة في فبراير الماضي، عن فرض عقوبات على قادة المجلس العسكري الانقلابي في ميانمار، محذّرة من مزيد من العقوبات في حال لجأ الجيش مجدداً للعنف في التصدّي للمحتجين، فيما أشار المتحدّث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، نيد برايس، في نهاية مارس الماضي، إلى أنّ الولايات المتحدة تواصل دعوة الصين إلى استخدام نفوذها لمحاسبة المسؤولين عن الانقلاب العسكري في ميانمار.


ميانمار


اقرأ أيضاً: إجماع أوروبي على مُواجهة خطرها.. عداء موسكو يوحد القارّة العجوز


في حين قال وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، في السادس من أبريل، أن الاتحاد الأوروبي سيفرض عقوبات جماعية على المجلس العسكري في ميانمار لاستهداف كياناته الاقتصادية، وقال لودريان: "سنضيف عقوبات اقتصادية على مستوى دول الاتحاد الأوروبي الـ27 ضد الكيانات الاقتصادية المرتبطة بالجيش حتى نتمكن من تطبيق العقوبات بسرعة كبيرة"، وذلك عقب أيام من إعلان وزير الخارجية البريطاني، دومينيك راب، عن فرض عقوبات على مؤسسة في ميانمار، على صلة بالعسكريين.


العسكر يضيقون الخناق على الشعب


إلا أنّ العسكر ومجلسهم الانقلابي، رفض الرضوخ للمطالبات الدولية والشعبية المحلية، وعمل على تكميم الأفواه وحصار المعلومة، فسنّ في أبريل، تعتيماً على المعلومات، أضحى معها من المتعذر الوصول إلى خدمة الألياف الضوئية ذات النطاق العريض عبر العديد من الشبكات، كما بدأت السلطات في بعض المناطق بمصادرة أطباق استقبال بثّ القنوات الفضائية المستخدمة للوصول إلى نشرات الأخبار الدولية، إذ عمل المجلس العسكري بشكل تدريجي على خنق خدمة الإنترنت، وحجب وسائل التواصل الاجتماعي، مثل "فيسبوك"، ثم قطع خدمة بيانات الهاتف المحمول، وهي الطريقة الأكثر شيوعاً للاتصال بالإنترنت في البلاد، لكن خلال الليل فقط.


اقرأ أيضاً: السدود والمياه.. حربٌ تتقنها تركيا في دول الإقليم


وبالتزامن، بدأت مكونات عرقية تستشعر الخطر على مستقبلها، عقب الإطاحة بما تعتبرها التجربة الديمقراطية في البلاد، باللجوء إلى العنف المضاد لعنف العسكر، ففي العاشر من أبريل، ذكرت وسائل إعلام بأن عناصر الشرطة لقوا مصرعهم نتيجة هجوم في شرق ميانمار، شنّه تحالف من جماعات عرقية مناهضة للعسكر، وشددت التقارير على أن مسلحين منتمين إلى تحالف يحوي جماعات "جيش أركان" و"الجيش الوطني لتحرير تانغ" و"جيش تحالف ميانمار الوطني الديمقراطي" شنوا هجوماً على مركز للشرطة في قرية نونغمون بولاية شان.


وبالتوازي، كان العسكر يحاولون القضاء على آخر الآمال بعودة الحكم المدني للبلاد، عبر تنظيم محاكمات سريعة لرموز الحكومة السابقة، إذ وجهت، في الثاني عشر من أبريل، تهمة جنائية للزعيمة المدنية أونغ سان سو تشي، التي أطاحوا بها الجيش، ونقلت وكالة "فرانس برس" عن المحامي مين مين سو قوله إنه "تم توجيه تهم (لسو تشي) في ست قضايا بالإجمال، خمس منها في العاصمة نايبيداو وواحدة في مدينة رانغون"، مشيراً إلى أنّ التهمة الأخيرة وجهت بموجب قانون إدارة الكوارث الطبيعية في البلاد.


حكومة ظلّ في مواجهة حكومة العسكر


لكن، لم يستكين الميانماريون للأمر الواقع، ففي السادس عشر من أبريل، أعلن معارضو المجلس العسكري في ميانمار، عن تشكيل حكومة وحدة وطنية، تضم أعضاء البرلمان المعزولين وأفراداً من جماعات عرقية، ورموزاً في الحركة الاحتجاجية المناهضة للانقلاب، وعقبها بيومين، ذكر مسؤول في تلك الحكومة أنه يتوجب على جيران البلد التفاوض معهم، إذا كانوا يريدون حلّ الأزمة الناجمة عن انقلاب الأول من فبراير، وأنه يتوجب على (آسيان) عدم الاعتراف بالمجلس العسكري في ميانمار.


اقرأ أيضاً: أنقرة وداعش.. مُحاولات لتبييض الصورة تدحضها التقارير والمنطق


ونهاية أبريل، عرضت جماعة معارضة في ميانمار مشاهد مصورة، بينت قرابة 120 شاباً وهم يركضون في غابة موحلة في ساعة مبكرة من الصباح، مرددين هتافات بلغة ميانمار تعبر عن جاهزيتهم للقتال "من أجل الشعب"، وأوردت وقتها، وكالة "رويترز" عن مون مون، وهي واحدة من مؤسسي الجماعة، أن الأخيرة قوة الدفاع المتحدة التي تكونت من محتجين رافضين لانقلاب أول فبراير الماضي، وفروا من القمع الذي راح ضحيته مئات المحتجين بأيدي قوات الأمن.


وبالصدد، كشف مقاتلو جماعة تابعة لعرق "الكارين" أنهم استولوا، على قاعدة تابعة لجيش ميانمار، وذكر ناطق باسم الاتحاد الوطني للكارين، الجماعة السياسية الرئيسية للأقلية التي ترمي إلى قدر أكبر من الحكم الذاتي عن الحكومة المركزية في ميانمار، أن الجناح العسكري للجماعة هاجم القاعدة في الساعة الخامسة صباحاً بالتوقيت المحلي، وأحرقها بعد الفجر بقليل.


واقع مأساوي.. ومستقبل مجهول


ومع مواصلة الشعب انتفاضه، ومواجهة العسكر لها بلغة الحديد والنار، نبهت الأمم المتحدة، في نهاية أبريل، من أنّ الآثار المزدوجة لجائحة كورونا في ميانمار والأزمة السياسية الناتجة عن الانقلاب العسكري، قد توقع قرابة نصف السكان هناك في براثن الفقر بحلول عام 2022، ولفتت التقديرات إلى أنّ مجموع من يعيشون تحت خط الفقر في ميانمار.


اقرأ أيضاً: في إيران.. العسكر يتحكّمون بالساسة أحياءً كانوا أم أمواتاً


فيما طالبت أكثر من 200 منظمة مجتمع مدني، في الخامس من مايو، مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بفرض حظر أسلحة على ميانمار، للمساهمة في حماية المدنيين الذين يحتجون بشكل سلمي على الانقلاب العسكري، وذكرت منظمات المجتمع المدني التي تنتمي لأجزاء متفرقة من العالم، ضمن بيان مشترك: "فرض حظر أسلحة عالمي على ميانمار هو أقل خطوة يتعين على مجلس الأمن اتخاذها للرد على العنف المتصاعد للجيش".


أما مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، ميشيل باشليه، فقد شددت في الحادي عشر من يونيو، على أنّ العنف يتوسّع في أرجاء ميانمار، منبهةً من أنّ البلد يشهد "كارثة" في مجال حقوق الإنسان منذ الانقلاب، وذكرت عبر بيان، أنه "في غضون أربعة شهور ونيف، تحولت ميانمار من ديمقراطية هشة إلى كارثة فيما يتعلق بحقوق الإنسان"، لافتةً إلى أنّ القادة العسكريين للبلاد "يتحملون وحدهم مسؤولية الأزمة".


مسعى دولي للجم العسكر


ومع توارد كلّ تلك التقارير وغيرها، اعتمدت، في التاسع عشر من يونيو، الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً غير ملزم، بإدانة الانقلاب في ميانمار، داعيةً كل الدول الأعضاء إلى منع تدفق السلاح إلى ذلك البلد، فيما أكدت فيه مبعوثة الأمم المتحدة الخاصة إلى ميانمار، كريستين شرانر بورغنر، على أن "خطر نشوب حرب أهلية واسعة النطاق في ميانمار، تهديد ماثل"، مضيفةً: "الوقت حاسم.. الفرصة لرد الانقلاب العسكري تتضاءل".


اقرأ أيضاً: أبو عمشة.. سيف الارتزاق الضارب بعقيدة الإخوان المسلمين


ودعا القرار إلى عودة الديمقراطية في ميانمار، والإفراج عن قادتها المدنيين، وتطبيق خطة من خمس نقاط وضعتها رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، في أبريل، تشمل تعيين موفد وتحض القوات المسلحة في ميانمار على "أن توقف فوراً كل أعمال العنف بحق المتظاهرين السلميين"، بجانب الدعوة إلى تأمين إيصال مساعدات إنسانية من دون عوائق إلى ميانمار.


فيما قال سفير الاتحاد الأوروبي لدى الأمم المتحدة، أولوف سكوغ: "إنها أوسع إدانة عالمية للوضع في بورما حتى اليوم"، معتبراً أنّ القرار "يوجه رسالة قوية وحازمة، وينزع الشرعية عن المجلس العسكري، ويدين انتهاكاته والعنف الذي يمارسه بحق شعبه ويثبت عزلته في نظر العالم"، لكن وإلى الوقت الراهن، لا يبدو أن وقائع القمع التي تمارسها سلطة العسكر قد تغيرت، فيما ما يزال الميانماريون يجهدون لإفشال سرقة مستقبلهم.


ليفانت--خاص


إعداد وتحرير: أحمد قطمة

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!