-
قضاة تونس يدخلون أسبوعهم الثالث من الإضراب.. كيف تستثمر أزمة القضاء في بناء عدالة دائمة؟
يعيش القضاء التونسي ثاني أزماته الحادّة في ظرف وجيز، حيث يخوض القضاة ثاني أطول إضراب لهم عن العمل بعد إضراب ديسمبر 2020 والذي امتدّ لأكثر من شهر انتهى بإمضاء تاريخي بين الحكومة حينها ومختلف الهياكل النقابية القضائية، وتمّ بمقتضاه الترفيع في رواتب القضاة ومنحهم بشكل لم سيبق له مثيل في تاريخهم.
أمّا إضراب اليوم الذي يخوضه القضاة، والذي يطوي أسبوعه الثاني، فأسبابه ليست مادّية، وتعليقه يبدو أصعب من كل الإضرابات التي خاضها القضاة منذ الثورة إلى اليوم، حيث يطالب القضاة رئيس الجمهورية بالتراجع عن قراره بعزل 57 قاضياً بتهم مختلفة، وهو ما يراه ملاحظون طلباً مستحيلاً ولا بدّ من إيجاد حلول أخرى لحلحة الأزمة وإعادة المرفق القضائي للعمل بصفة طبيعية.
والواقع أن عمليّة العزل هذه ومن قبلها حل المجلس الأعلى للقضاء تظهر كأنها استهداف من الرئيس سعيّد لهذا المرفق الهام ورغبة منه في تطويعه. لكنّ الحقيقة أنّ هذان القراران يختزلان الأزمة الحقيقية التي يتخبّط فيها هذا القطاع منذ 2011، حيث كان الأكثر استهدافاً والأكثر اختراقاً والأكثر فساداً، وهذا يعلمه القاصي والداني ويحسّه حتى المواطن العادي حينما يدخل إلى قصور العدالة.
وهذان القراران يدخلان فيما يسمّى بآخر الطبّ الكيّ، وهو العلاج الذي لا يرفضه الكثير من شرفاء المهنة والهياكل النقابية القضائية، ولكنّهم يطالبون بعزل معلّل وبفرصة للتقاضي وأن تتمّ العملية في إطار قضائي بحت بعيداً عن السياسة وسياسة التركيع.
إن هذه الأزمة التي يمرّ بها القضاء والصراع المفتوح بين القضاء والرئاسة لن يكون فيه لا منتصر ولا مهزوم، إنّما سيتضرر منه المواطنون والمستثمرون والمحامون وكل من له علاقة بالقضاء، ولا بدّ من إيجاد أرضيّة للحوار وصيغة قانونية لتمكين القضاة المعزولين من الدفاع عن أنفسهم واسترداد حقوقهم وردّ اعتبارهم إذا ما كانوا من المعزولين ظلماً أو خطأ.
والأهم من هذا كله هو كيف نستثمر هذه الأزمة في خلق عدالة دائمة لا تخضع لا لشهوات الحاكم ولا لأهواء القاضي، بل تكون عدالة فوق الجميع وذات معنوية غير قابلة لا للعزل ولا للرشوة ولا للاختراق. فالعدالة عند كل الشعوب هي أسمى القيم وهي الضامنة لعدم التعدي على الآخرين وحماية المصالح الفردية والعامة، وهي مفهوم أخلاقي يقوم على الحق والأخلاق، والعقلانية، والقانون، والقانون الطبيعي والإنصاف.
والعدالة ليست في حاجة لقوانين وضعية فهي تستمد وجودها وقدسيّتها من القوانين الطبيعية التي وجدت مع وجود الكون وتحقيقها فيما يتعلق بالبشر يرتبط بمدى إدراكهم وفهمهم لكينونة الكون القائم على العدل والظلم والخير والشر.
العدالة سبب تعايش الفقير والثري والضعيف والقوي في مجتمع واحد، وهي حق يتمتع به الجميع والقوانين وروح القضاء يجب أن تكون مستمدّة منها فهي فوق القانون وفوق الأشخاص.
إنّنا بحاجة لتكريس العدالة في المجتمع وفي عقلية النّاس والقضاة وفي تصرّفاتهم اليومية، فتلك هي البداية والطريق لبناء قضاء عادل بعيداً عن سياسة التطهير التي ستنتج منظومة قضائية أخرى أشدّ بؤساً وأكثر بطشاً.
قضاة تونس يدخلون أسبوعهم الثالث من الإضراب بالتوازي مع دخول 73 قاضياً المعفيون في إضراب جوع، وهذا التصعيد الجديد يجب أن يتوقّف ويفتح المجال لمفاوضات حقيقية مع السلطة حتى تستثمر أزمة القضاء لبناء عدالة دائمة.
ليفانت - عادل الصندي
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!