الوضع المظلم
الثلاثاء ٢٤ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
قمع إضراب القضاة يعمّق الإنسداد السياسي في الجزائر
قمع إضراب القضاة يعمق الإنسداد السياسي في الجزائر

في تطور خطير للصراع القائم بين جهاز القضاء ووزارة العدل بالجزائر ، إستخدمت السلطة القوة العمومية لكسر الإضراب المفتوح الذي دخل فيه قضاة الجمهورية منذ أسبوع كامل، ما ينذر بتأزم الوضع وتعميق الإنسداد السياسي الواقع بالبلاد التي تستعد لإجراء إنتخابات الرئاسة يوم 12 ديسمبر/ كانون الأول المقبل.


وتفاجأ الشارع الجزائري لما وصل إليه صراع القضاة مع وزارة العدل، عقب تدخل عناصر الدرك الوطني بالقوة فور تلقيها الضوء الأخضر لأجل مواجهة إحتجاجات القضاة بمحكمة وهران غربي الجزائر العاصمة.


وإستعملت القوة العمومية لإخراج القضاة المضربين، على خلفية رفضهم السماح بتنصيب نائب عام في إطار حركة النقل الأخيرة التي باشرتها وزارة العدل.


وأظهرت مقاطع فيديو مثيرة للجدل صورها قضاة من داخل محكمة وهران، وتناقلتها صفحات فايسبوكية، استخدام عناصر الدرك القوة وإرغامهم على الخروج، وسط صراخ وعويل القضاة المحتجين أثناء العملية.


وصنعت هذه الفيديوهات المنتشرة عبر مواقع التواصل الإجتماعي الحدث بالجزائر رغم حالة التعتيم الإعلامي عليها من قبل وسائل الإعلام المحلية، والتي تفادت الخوض فيها تفاديا للمشاكل مع السلطة وتعرضها للمتابعات والتضييق.


ويجزم متابعون للشأن السياسي والقضائي بالجزائر أن ما حدث جاء عقب فشل كل المساعي الحثيثة لجعل نقابة القضاة تتخلى عن خيار الإضراب ودعوتها لإستئناف العمل، ما حتّم على وزير العدل بلقاسم زغماتي، توجيه تعليمة، يوم السبت الماضي، رخص فيها لرؤساء المجالس القضائية باستدعاء القوة العمومية إذا إقتضى الأمر، لتنصيب القضاة الجدد ممن وافقوا على حركة النقل.


وربط المراقبون لما تعرض له القضاة من إستخدام القوة العمومية ضدهم، عقب الدعم العلني لقائد الجيش، الفريق أحمد قايد صالح، لوزير العدل خلال الإحتفالات الرسمية المخلدة للثورة التحريرية المظفرة ودعوته له لـ" الذهاب إلى أبعد حد ممكن" للتخلص من عصيان القضاة.


وفي تطور وُصف بالخطير وغير المسبوق في تاريخ القضاء الجزائري، يتعرض من خلاله القضاة للتعنيف وإستعمال القوة داخل مؤسسة قضائية، أثارت الحادثة الكثير من الجدل عبر مواقع التواصل وصدمة كبيرة وسط الشارع الجزائري.


وكتب الإعلامي عبالقادر جمعة عبر صفحته بالفايسبوك أن التضامن مع القضاة، لا يعني نسيان حقيقة الفساد المستشري في أوساطهم، ولا التغافل عن مواقفهم ومساراتهم، لكن نتضامن معهم لأننا نؤمن أن الحقوق والحريات حق للجميع، بما في ذلك المجرم والفاسد، فالحريات والحقوق لا تقبل التجزئة او التمييز.


وقال جمعة " قد تكون الدوافع والخلفيات، في اضراب القضاة أو غيرهم، دوافع شخصية أو فئوية...، لكن هذا لا يبرر التعامل معهم خارج القانون أو الدوس على حقوقهم وحرياتهم كمواطنين".


وأضاف الإعلامي في منشوره "لقد كان كثير من القضاة سنداً قوياً للفساد والاستبداد، قبل وبعد الحراك الشعبي، لكن القبول بالعدوان على القضاء كمؤسسة وسلطة ورمز، هو قبول بالتعدي على كل القيم والمبادئ التي تقوم عليها الدول والمجتمعات الحديثة".


وختم بالقول " التطهير و محاربة الفساد داخل القضاء وفي كل مكان آخر، يجب أن يتم في إطار احترام الحقوق والحريات الأساسية ".


وندد المحلل السياسي الدكتور نورالدين بكيس بالإعتداء والعنف ضد القضاة ورفض رفضاً مطلقاً أن تصل الأمور إلى التصادم واستعمال القوة ولم يستبعد أن يتكرر هذا المشهد مستقبلاً من قبل النظام الذي يبحث على تعبيره عن ترتيب أموره.


وفي حديثه لصحيفة ليفانت يقول نورالدين بكيس بأنه ضد فكرة الاعتداء واستعمال القوة ضد أي مواطن كان وإعتبر ذلك بالمساس بكرامته وكرامة كل من له الحق في التعبيير عن أفكاره ورفضه لقرارات معينة".


ويضيف بكيس "أعتقد أن تصل الأمور إلى الإعتداء على القضاة جسدياً وضعاً غير صحي وغير عقلاني لكنه يندرج في سياق التصادم وترتيب النظام لأموره وتوزيع تفوذه داخل النظام وهذا المشهد قد يتكرر مستقبلاً وكأننا نعيش ثورة داخل النظام لسنا متأكدين من أهدافها الحقيقية لكن أكيد ما يحدث داخل النظام أكبر بكثير مما يحدث داخل الشارع".


ونددت النقابة الوطنية للقضاة في بيان رسمي تحصلت "ليفانت" على نسخة منه بما وصفته بالإنزلاق الخطير الذي حدث بمجلس قضاء وهران نتيجة تسخير القوة العمومية وقوات مكافحة الشغب ضد القضاة المحتجين، وهو ما تسبب حسب البيان لبعض القضاة في جروح وإصابات متفاوتة الخطورة، ما إعتبرته النقابة بالإنتهاك الواضح لحرمة المباني القضائية المقررة في المواثيق والأعراف الدولية وقت السلم والحرب.


وقالت النقابة في ذات البيان: "في الوقت الذي كانت فيه النقابة الوطنية للقضاة تستجيب لكل دعوات الوساطة التي وصلتها من أجل حلحلة الأزمة الراهنة التي يعيشها القضاء، إنصدم جموع قضاة الجمهورية ومعهم الرأي العام الوطني بما حدث من تجاوزات خطيرة بوهران التي دون شك لن تزيد الوضع إلا تعفناً" .


وتبرأت النقابة مما قد ينجر عن ذلك من ردود أفعال غاضبة من بعض القضاة، رغم الدعوات التي اصدرتها النقابة بضبط النفس، وتمسكت بحقها في اتخاذ كافة الإجراءات القانونية التي تراها مناسبة ضد كل المسؤولين عن ما أسمته بالمهزلة.


وختم بيان نقابة القضاة بالتأكيد للرأي العام على قطع كل مساعي الوساطة والحوار الرامية لحل الأزمة وهددت بعدم إستئنافها لذلك إلا بعد رحيل وزير العدل الحالي.


وفي خطوة تضامنية مع القضاة، أصدر الإتحاد الوطني لمنظمات المحامين بياناً ندد فيه بالعنف الذي تعرّض له القضاة في مجلس قضاء وهران من طرف رجال القوة العمومية داخل حرم المجلس القضائي، ما إعتبره مساساً خطيراً بسيادة السلطة القضائية.


وبحسب بيان للإتحاد الذي وقعه رئيسه أحمد ساعي أكد: “الإتحاد الوطني لمنظمات المحامين يدين مثل هذه التصرفات ويعتبرها تصرفاً غير مقبول مهما كانت الدواعي والمبررات”.


وألمح الإتحاد الوطني لمنظمات المحامين في بيانه على جلوس جميع الأطراف إلى طاولة الحوار والتحلي بالحكمة وروح المسؤولية في هذا الظرف الصعب الذي تمر به البلاد، للخروج من هذا الانسداد بما يحفظ كرامة القضاة والسير الحسن لمرفق القضاء في إطار احترام قوانين الجمهورية.


وفي طل هذه المستجدات الخطيرة وتفاقم الصراع بين السلطة القضائية والسلطة التنفيذية يبقى الوضع السياسي في الجزائر مشحوناً وينذر بتأزم الوضع، تزامناً مع إقتراب إجراء الإنتخابات الرئاسية التي تبقى على المحك، فهل ستنجح السلطة في تهدئة الأوضاع والذهاب بسلاسة للإنتخابات التي يرفضها الحراك الشعبي؟


كاتب وصحفي جزائري

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!