الوضع المظلم
الجمعة ٢٠ / سبتمبر / ٢٠٢٤
Logo
كردستان إيران.. غزارة المياه والرصاص ومشانق الإعدام
همبرفان كوسه

همبرفان كوسه - صحافي كردي سوري


أوائل عام 1945، قدّم مجموعة من الشبّان والفتيات الكرد لأول مرة في كردستان- إيران، مسرحيّة دراميّة غنائيّة، بعنوان (وطننا الأمّ) باللغة الكرديّة، وقتذاك كانت الحركة السياسيّة الكردستانيّة في إيران تمرّ بظروف سياسيّة جيّدة والاقتصاد المعيشي للسكّان جيّد ومختلف عن الآن. في المسرحيّة الدراميّة قدّم صاحب الدور الرئيس جمل غنائيّة، تقول أجزاء منها "الوطن الأمّ في خطر، الدموع تملأ عيون النظارة، الوطن الأمّ مكبّل بالأغلال، النظارة يتأوهون ويطلقون الحسرات".


والحال، اليوم، صارت كردستان إيران وطن تحت وطأة طهران مكبّلة بالأغلال، وسكانها الكرد يطلقون حسراتهم على خساراتهم القومية والبشرية والماديّة لمدن منهكة واقتصاد مُتعب وأبناء مشرّدون ومعتقلون وضحايا. قبل أن تفعل هذه المظاهرات فعلتها بالكرد، وقبل أن تفعل الفيضانات الدمار والموت والتشرّد، فعلت قبلها بعشرات السنوات، في الحكمين الملكي والديني، إيران، أكثر من ذلك بكثير وأغرقتهم.


وخلال الأيّام الماضية، سقط عشرات الضحايا، خلال احتجاجات شعبيّة طالبت بإسقاط النظام الإيراني على خلفية رفع أسعار الوقود، شملت هذه التظاهرات كل المدن الكردية وأغلب المدن الإيرانية،


وقبل مدّة من الآن، عشرات الضحايا، غالبيتهم في محافظة لورستان الكردية، سقطوا جراء تشكّل السيول والفيضانات بعد موجة أمطار غزيرة اجتاحت مدن ومحافظات إيرانية، وأغرقت بلدات وقرى كاملة. بينها بلدة بلدختر في محافظة لورستان الكردية اللورية، التي غمرت بمياه السيول والفيضانات، وفرّ سكانها إلى المنطقة الجبلية المحيطة بها.


ولم تكن هذه الكارثة حدث طارئ على كردستان إيران، وإيران عموماً، بل ربّما كانت استمرار لما عاثته الحكومة الإيرانيّة في مهاباد ولورستان وأورميه وسنه وغيرها من المدن الكرديّة من خراب. ليست المسألة في أن تكون ثمّة مدينة كرديّة غُرقت في مكان ما بفعل الشتاء، وإنما بأن تُضاف هذه المدينة إلى سلسلة مُدن، غُرقت بالفساد والطغيان بفعل الحكومة الثيوقراطيّة في طهران.


والحال أنّ غياب الحكومة ونشاطها الإداري والبنية التحتية والطوارئ كانت خلف أن تكون ثمّة كوارث طبيعيّة تلاحق المدنيين وأحوالهم الحياتيّة، أمّا في مدن كردستان إيران الثانية، في أورميه وكرمانشاه ومهاباد ومريوان وسنه وسردشت وغيرها، فإنّ الخراب والفساد والمحاسبة والعنصرية والقمع قد أغرقتها منذ سنين، دون أن تطال الحكومة فعل السؤال والمحاسبة.


لورستان، وأخواتها من المدن الكردية في إيران، هنّ القصّة الثالثة من الحكاية الكردية في إيران. تلك الحكاية التي تحاكي الواقع المريع للشعب الكردي على يد حكومة ثيوقراطيّة إيرانيّة، القصّة الثالثة التي تحكي واقع الإعدامات والقمع والاعتقال وسلب الهوية القومية الكردية في مدن كردستان. القصّة التي سلبت فيها إيران من الكرد حقّهم في إرثهم الثقافي والسياسي والاجتماعي والقومي ونسبته لنفسها، وطردت مئات الآلاف من الكرد إلى جبال كردستان العراق ولاحقتهم بطائراتها.


في واقع الكرد المغمورين بالمياه والرصاص، ثمّة عزلة سياسية واجتماعية تطفو على سطح المياه، وكأنّها جثة القومية الكردية هناك. وهنا، ليست السيول هي التي يمكن أن تشعرنا بأن الخطر بدأ يتحدّق بكردستان إيران والإيرانيين من النظام الحاكم، وإنما بأن الخطر قد ابتلعهم ومدنهم وإرثهم، وبدأنا نرى الحال كلّما زادت عزلة إيران، وكلما زادت العقوبات عليها. ما تفعله إيران في الخارج مع الشعوب الثانية، في سوريا مثلاً، تفعل أضعاف ذلك مع شعبها.


وتالياً، ربّما أنّ الحكومة الإيرانيّة من الحكومات غير القابلة للسقوط بالتظاهرات والاحتجاجات الشعبيّة، ذاك أنّها الفزّاعة التي تؤمن لدول كثيرة بيع الأسلحة وجني الأموال من الدول التي تحيطها وتختلف معها طائفيّاً، وربّما في هذه المعادلة، لا يتغيّر حال المدنيين الإيرانيين، ضمنهم الكرد، سوى أنّهم صاروا يفقدون أرواحهم، بعدما فقدوا كلّ مقومات حياتهم.


نهاية القول، ربما سينجح النظام الإيراني الحاكم من إخماد ثورة الشعب الإيراني والاحتجاجات الشعبيّة، مثلما أوقفت احتجاجات ومحاولات سابقة. الاختلاف، أن الإيرانيين يملكون أشياء يخسرونه في قضايا مختلفة، لكن ربما الكرد اليوم وفي الأمس لا يملكون شيء يخسرونه، طالما أن صنوف القتل والعذابات والإعدامات والتهجير عاشوه ويزال مستمراً مهما كانت الظروف السياسية والاقتصادية والشعبيّة في إيران.

العلامات

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!