الوضع المظلم
الخميس ٣١ / أكتوبر / ٢٠٢٤
Logo
كورد سوريا ما بين سندان  تركيا ومطرقة الـPKK
جومرد حمدوش

تواجه كوردستان سوريا تحديات متصاعدة وسط التوترات الإقليمية والتحركات التركية للتقارب مع حزب العمال الكردستاني (PKK)، مما قد يغير موازين القوى داخل سوريا. في ظل سعي تركيا لضمان أمنها القومي، وتأثير الضغوط السياسية والعسكرية المتزايدة، يجد الكورد في سوريا أنفسهم بين  سندان المصالح التركية ومطرقة سياسات الـPKK. يناقش هذا المقال سيناريوهات المرحلة القادمة وانعكاساتها المحتملة على مستقبل الكورد في سوريا.

أولاً: تركيا داخلياً:

مواقف سياسية:

المتغيرات الإقليمية في الشرق الأوسط, حرب غزة ولبنان والتوترات الأخيرة بين إيران و اسرائيل, دفعت تركيا للعمل على ترتيب الوضع الداخلي. بدأت التحركات بإعادة التواصل العلني بين تركيا و زعيم حزب العمال(PKK) عبدالله أوجلان, حيث كان زعيم الحركة القومية دولت بخجلي قد بادر بمصافحة نواب حزب المساواة و ديمقراطية الشعوب(DEM PARTI) المحسوب على الـPKK, وهو ما لقي تأييداً من الرئيس التركي ودعماً من الأطراف السياسية التركية و الكوردية. كما زار رئيس إقليم كوردستان أنقرة بدعوة من الحكومة التركية, في خطوة تُذّكر بالدور الذي لعبه الإقليم في بدايات عملية السلام التي انهارت منذ أكثر من 11 عاماً, و أخيراً و ليس آخراً تصريحات بخجلي, مجدداً, ودعوته لرفع العزلة عن أوجلان ليعلن من داخل البرلمان حل حزبه و انهاء مرحلة الصراع العسكري.

كانت هذه المبادرات كافية لتحفيز السلطات التركية للسماح لابن أخ أوجلان, البرلماني عمر أوجلان, بزيارته و نقل موقفه, الذي بدا إيجابياً. سبقت هذه اللقاءات اتصال بين أوجلان نفسه و قيادة الحزب في قنديل, ممثلة بجميل بايق, وقيل حينها إن أوجلان أغلق الهاتف انزعاجاً منه من بايق الذي سأل عن الضامانات المتاحة.

صراع الأجنحة داخل الـPKK

أظهر التفجيرالأخير في أنقرة مدى تصاعد الخلافات داخل الـPKK حيث بعد مرور 24 ساعة من تصريحات زعيم الحركة القومية داخل البرلمان التركي التي دعا فيها أوجلان لإعلان حل حزب العمال من البرلمان التركي, وقع التفجير. التفجير كان رسالة واضحة من جناح جميل بايق الرافض للتقارب مع الحكومة التركية و بقراءة بياني منظومة المجتمع الكوردستاني التابعة لحزب العمال بخصوص تبني التفجير من نفيه, وكذلك بيان قوات الدفاع الشعبي(HPG) التابع للحزب المذكور بتبنى التفجير, يظهر بشكل واضح أن هناك تصدع و إنقسام في المواقف. بشكل عام الجناح السياسي, ممثلا بحزب المساواة و ديمقراطية الشعوب و كذلك المعتقل صلاح الدين دميرتاش اللذان أدانا التفجير وأيّدو تصريحات أوجلان.

حق الأمل:

هناك احتمالية أن يشهد الوضع تغييراً, حيث قد يتم الإفراج عن أوجلان بعد قضاءه فيه أكثر من 25 عاماً وفقا لمصطلح حق الأمل وفقا للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان, أو فرض الإقامة الجبرية عليه في أنقرة. هذه الخطوة تتطلب تعديلات قانونية و تنازلات متبادلة, وهو ما قد يأخذ وقتاً.

ثانياً: سوريا داخلياً:

إنعكاس التقارب التركي مع الـPKK على الوضع الكوردي السوري

لكن ما تأثير كل هذا على الوضع على الأرض في كوردستان سوريا؟ أي تقارب بين تركيا والـPKK سينعكس حتماً على كورد سوريا, و خاصة في مناطق سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي(PYD) المحسوب على الـPKK. هذا التقارب من الممكن أن يجبر الـPYD على التكيّف مع المتغيرات و القبول, مرغماً, بحوار كوردي-كوردي يشمل القطبين الحاليين: المجلس الوطني الكوردي سوريا(المقرب من إقليم كوردستان) و حزب الـPYD. كما أن تجربة الوساطة السابقة( سواء في تركيا أو في سوريا) تؤكد أن الإقليم سيكون طرفاً مهما في تسهيل الحوار.

وبحسب مراقبين, أي تقارب أو اتفاق سياسي في كوردستان سوريا من شأنه شرعنة الـPYD ضمن إدارة جديدية مشتركة, وبالتالي أن يقبل الـ PYD شركاء آخرين بجانبه و ليس مجرد أدوات لتنفيذ أجنداته, و هذا صعب جداً على حزب محسوب على حزب العمال بأن يقبل التعددية السياسية و العملية الديمقراطية, لكن بالتأكيد في حال جرت الأمور على ما يرام و اتفق حزب العمال و أردوغان, سيقبل الـPYD  مرغماً, وإلاّ مصير السنوارونصر الله أمامه.

تحديات الـPYD وجناحه العسكري و تداعيات التقارب المحتمل؟

أولا قبل كل شيء لكي يتحاشى الحزب المذكور مصير قيادات حزب الله و حماس, يتعيّن عليه قطع العلاقة المباشرة مع حزب العمال والخروج من عباءته, ما يعني تعديلات على مستوى القيادة السياسية و العسكرية . يظهر تصريح القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية( مظلوم عبدي) بخصوص تفجير أنقرة, يتوضح أن كورد سوريا من حزب العمال لم يحسموا موقفهم بعد, فمظلوم اكتفى بنفي المسؤولية دون إدانة, رغم أنه أبدى استعداه للحوار مع تركيا, وهذا يعكس  تردداً لتأثير جناح بايق داخل الـPKK على قرار الـPYD.

للتأكيد نذّكر هنا, دعوة أوجلان  في ربيع 2019 لقوات قسد للسعي إلى “ حلول في سوريا بأساليب أخرى غير الصراع“ و كذلك إلى ضرورة „وضع الحساسيات التركية في سوريا في الحسبان“ خصوصا أنه وقتها كان قد مضى عام وعدة أشهرعلى احتلال منطقة عفرين. بإمكاننا أن نقول إن الـPYD نفسه بين سندان أوجلان و مطرقة بايق.

كورد سوريا, حالياً, يدفعون ضريبة الـPKK وإلا لماذا يتم قصف عموم مناطق كوردستان سوريا رداً على تفجير أو هجوم أنقرة الذي تبناه حزب العمال, و أيضاً شن قوات قسد عمليات ضد الجنود الأتراك نيابة عن حزب العمال في الداخل السوري. نجاح الخطوة التركية, أو المبادرة أو إعادة إحياء عملية السلام أياً كان اسمها, إن قضت في النهاية إلى تخلي حزب العمال عن سلاحه, تعطي الفرصة لقوات سوريا الديمقراطية (الجناح العسكري لـPYD) بالخروج من عباءة وسيطرة حزب العمال و العمل في الميدان السياسي.

كوردستان سوريا بحاجة للتعددية السياسية والديمقراطية الحقيقية و الشفافية في اتخاذ القرار السياسي, و المشكلة أن كلا القطبين الحاليين يحسمون قرارهم السياسي من داعميهما, لذلك لم تجنِ جهود الصلح بينهما ثمارها حتى الآن. عدم وجود قرار كوردي سوري مستقل يشعّب الأمور أكثر ويهدد مصير الكورد في كوردستان سوريا, على الأقل يتوجب أن يتواجد طرف ثالث معارض و حقيقي للقطبين المذكورين ليتحقق توازن سياسي ولو بشكل جزئي.

ثالثاً: مخاوف تركيا

ناقش البرلمان التركي بجلسة مغلقة الأوضاع الاقليمية وتأثيرها على الأمن القومي التركي, و وقد ورد في إحدى تقارير الاستخبارات التركية مخاوف من تدخّل اسرائيلي محتمل في سوريا, وقد عبّر الرئيس التركي أردوغان في تصريح للصحفيين أثناء عودته من زيارة إلى ألبانيا, حيث حذّر من “ أي سيطرة اسرائيلية على العاصمة السورية قد تؤدي إلى تغييرات كبيرة في الخارطة الجيوسياسية للبلاد“ مشيرا إلى“ هذا الأمر لن يقتصر على دمشق بل قد يمتد إلى الشمال السوري, مما قد  يشكل تهديداً مباشراً للأمن التركي على حدوده الجنوبية“

كذلك ما قاله المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، غير بيدرسون, الذي يتوافق مع المخاوف التركية, حيث أشار إلى الخطر الذي يواجه سوريا, حيث قال: "نشهد الآن توافر كافة العناصر اللازمة لعاصفة عسكرية وإنسانية واقتصادية تضرب سوريا المدمرة بالفعل، مع عواقب خطيرة ولا يمكن توقع مداها على المدنيين وعلى السلم والأمن الدوليين", مضيفا: "هناك خطراً من أن يؤدي التصعيد الإقليمي إلى انهيار اتفاقات وقف النار التي نصت على وأدّت – وإن كان بشكل غير مثالي – إلى تجميد خطوط التماس داخل سوريا لما يقرُب من أربع سنوات".

اذاً تتركيا تتحرك من منطلق مخاوف أمنها القومي نتيجة تأثيرات الحرب في غزة و لبنان و احتمالية امتداد تلك الحرب إلى سوريا, و خصوصا اذا تطورت التوترات أكثر بين إيران و اسرائيل, أي أن تركيا تتخوف من احتمال استفادة كورد سوريا مما قد يحصل مستقبلاً, كاحتمال نشوء كيان كوردي جديد على حدودها و تأثيره بشكل مباشر على الداخل التركي, لذلك تحاول تركيا قطع الطريق أمام كل هذا من خلال التأكيد على إعادة و تحسين العلاقات السياسية مع دمشق و توجيه رسائل سياسية واضحة للـPKK.

هل الـPKK ورقة رابحة لتركيا مقابل كورد سوريا؟

تجربة الثلاثة عشر عاماً  الأخيرة في سوريا, تثبت أن حزب العمال ورقة رابحة بيد الأتراك, إذ مكنّت  تركيا عناصره من العبور إلى كوردستان سوريا و السيطرة على المنطقة بالتعاون والتنسيق مع النظام السوري. وقد استخدمت تركيا لاحقا هذا التواجد, خصوصا بعد انهيار عملية السلام في تركيا, كذريعة للتوغل و احتلال بعض المناطق من خلال ثلاث عمليات عسكرية. أية منطقة يتواجد فيها عناصر حزب العمال تصبح عرضةً للدمار و الخراب نتيجة التدخلات التركية المتكررة.

الخلاصة:

تتجه الأوضاع الاقليمية نحو مزيد من التصعيد, ما يفرض على كورد سوريا الاستفادة من هذه التطورات لصياغة مستقبلهم بدلا من الاعتماد على الـPKK الذي قد يتخلى عنهم  في حال توصله لإتفاق مشترك مع الحكومة التركية. الوضع الراهن يتطلب من كورد سوريا تحقيق استقلالية في القرار السياسي و الإبتعاد عن النفوذ الخارجي لتحقيق استقرار طويل الأمد. علينا أن ندعم و نساند مطالب الكورد في الأجزاء الأخرى من كوردستان وففق ما يقررونها, وبنفس الوقت أن نكون أصحاب القرار فيما يخص جزءنا والمعاملة بالمثل.

ليفانت: جومرد حمدوش

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!