-
كي لا نَقتل الوطن "1"
أعلم أنّ كلّ سوريّ حقيقي يسترجع بكلِّ ما في ذاكرته من ألمٍ ووجع مرحلة ما قبل 2011، هذا اليقين لا أطرحه كفرض وصايةٍ وطنيّة، إنّما هو محصّلةٌ حتميّة لما نقرأه يوميّاً وما نسمع عن مجريات على جميع المستويات.
ويمكن لنا أن نفترض أنّ هذه هي إحدى النقاط التوافقيّة القليلة التي يجتمع اليوم عليها جميع السوريّين، ومن أجل أن تتّسع دائرة التوافق كان لا بدّ من البدء بهذه الفرضيّة.
لعلّ الطرح الأكثر فاعليّة حاليّاً ومرحليّاً هو البحث عن نقاط الالتقاء والتوافق بين الأطراف السوريّة المجتمعية والسياسيّة المختلفة من أجل إنشاء علاقة بينها، حتى وإن بدا ذلك بعيداً وصعباً في ظلّ الشروط القائمة، حيث إنّ القول بإمكانيّة بناء علاقة بين هذه الأطراف يمثّل الإشكاليّة الأكثر تعقيداً في السّياق السوري التاريخي الراهن، إنّه الصعب الممتنع بأوضح صوره.
إنّ الأحداث التي عايشتها الأطراف السوريّة على تناقضاتها تجعل من المعقّد اليوم إيجاد نقاط بناءٍ مباشرة، وتفرض ضرورة وضع استراتيجيةٍ وفق إجراءاتٍ منهجيّةٍ مدروسة للعمل على نسج آليّات حوار مُجدية تقتنع فيها جميع الأطراف بعدم جدوى الاستمرارية بالنهج القائم وانعدام مصلحة أي طرف من هذه الاستمراريّة.
في هذا السّياق، تبدو العلاقة التاريخيّة بين هذه الأطراف هي الأكثر عمقاً وفاعليّة، حيث يمكن أن نجد في مكوّنات المجتمع الحضاريّة العوامل الجامعة لأيّ تكوين مجتمعي، ممّا يجعل منها المنطلق لبناء الخيوط العلائقية بين أطراف الصراع السّوري للبدء بعمليّة المصالحة الوطنيّة.
لقد تعزّزت في هذه المرحلة من الصراع عوامل الانقسام التي كانت مزروعة أساساً في الوعي المجتمعي، وهذا ما يفسّر هذا الكمّ من الانقسامات الطائفيّة والمناطقيّة التي تسم في المشهد السوري. ورغم أنّ التعدّد والتنوّع كان سمة مُلازمة للمجتمع السوري تاريخيّاً، ويمتد لقرون عديدة، إلّا أنّ السياسة القائمة من أكثر من ثلاثة عقود، والتي لابدّ من مراجعتها على ورقة العمل الخاصة بالمصالحة الوطنيّة <سيتم إفراد ملف كامل خاصّ بملف المصالحة الوطنيّة في قسم الدراسات، ليفانت نيوز>، كرّست البعد الانقسامي بشكل منهجيّ ومنظّم لدى الفئات المجتمعيّة، من خلال منح الامتيازات على نحو غير عادل.
العدالة الانتقاليّة
إنّ بدء العمل على بناء العلاقة بين أطراف الصّراع يجب أن يتلازم مع العمل على تفعيل العدالة الانتقاليّة التي تكفل تطبيق مبدأ المحاسبة وإقامة العدالة من أجل تحقيق المصالحة، حيث إنّ سياسة الإفلات من العقاب تُفقد الإحساس بالأمان عند الأفراد وتُشعر مرتكبي الانتهاكات والجرائم بحريّة التمادي بتجاوزاتهم. ومن أجل تحقيق العدالة الانتقاليّة لا بدّ من تفعيل دور ضحايا الانتهاكات بحيث يواجه المجتمع ماضيه بكلّ ما حدث فيه من أجل تحديد الأخطاء التي تخلّلته، حيث لا يمكن أن يتسامح الضحايا والمتضرّرون مع مجتمع ويتعزز انتماؤهم إليه إلا من خلال شعورهم بأنّ حقوقهم لن تضيع فيه وأنّ العدالة ستتحقق والمرتكب لن يُفلت من العقاب.
إنّ الفئة المتضرّرة أشبه بقنبلةٍ موقوتة تعتريها رغبة الانتقام إن لم يتم إنصافها وتعويضها، خاصّةً إذا شعرت بمنح ضمانات لمرتكبي الجرائم.
إنّ العمل على تطبيق العدالة الانتقاليّة يعزّز في الوقت نفسه الإحساس بالطمأنينة لدى الفئات التي لم ترتكب انتهاكات أو أخطاء بأنه لن يتم الاقتصاص منهم وفقاً لانتماءاتهم أو توجّهاتهم، كما يضمن لمرتكبي الانتهاكات والجرائم أنّ القصاص منهم سيكون عادلاً ويخضع للقوانين والقضاء الذي سيحاسبهم بالقرائن والأدلّة وليس ردّاً انتقاميّاً أو ثأريّاً.
ولعلّ ما يعزّز طرح مشروع العدالة الانتقاليّة ويجعل منه نقطة أساسيّة لبدء البناء في المرحلة الحاليّة، إلى جانب كونه تعبير عن حاجة مرحليّة، هو أنّه مشروع مستمرّ طويل الأمد وخطّة شاملة ومتكاملة، وبالتالي لا بد من صياغته على نحو يتناسب مع تطوّرات الحالة المجتمعيّة ويلبّي في نفس الوقت طموحات كافّة الأطراف على تناقضاتها ويخضع بالعام لمبادئ القانون الدولي.
هذه الإجراءات يمكن أن تسهم في نفس الوقت في بدء تعزيز فكرة الديمقراطيّة عبر مواجهة أخطاء المرحلة السابقة، حيث تصبح من أولويّات المجتمع الاعتراف بتعدّدية المصالح والتوجّهات الفكريّة والسياسيّة والثقافيّة والاجتماعيّة.
ليفانت - منال محمود
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!