-
لإرغامه على تغيير إفادته…تهديدات جدية لعائلة أحد شهود قضية إياد الغريب
لونا وطفة
خُصصت الجلسة الثالثة والرابعة عشر بتاريخ 24 و25 من الشهر السادس من محاكمة أنور رسلان وإياد الغريب، لشاهد يُعتبر الأول من نوعه، من جهة أن شهادته تطال إياد الغريب المتهم الثاني في المحاكمة.
لم تكن هذه الجلسة كسابقاتها، حيث بدا على الشاهد الارتباك الواضح وعدم التركيز في أقواله، بل وتحريفها.
الشاهد م.ع هو أيضاً منشق عن الفرع 295 وكان حينئذ برتبة ملازم، ينحدر من مدينة دير الزور وهي مسقط رأس إياد الغريب أيضاً، تحدث في شهادته بداية عن دراسته، حيث التحق بعد حصوله على شهادة الثانوية بالفرع 295 وهو فرع تلقى فيه التدريب باختصاصه المعلوماتية بتاريخ 15.11.2010. في بداية العام 2011 وقبل أن يتخرج تم نقله إلى الفرع 255 لدورة تدريبية، ومن ثم تمت إعادته للفرع 295 حيث كان مسؤولاً عن البريد. استمر بعمله في الفرع 295 حتى نهاية العام 2012 ثم طلب نقله إلى مفرزة بمنطقة السيدة زينب تتبع للفرع 300، بقي هناك وقبل أن يتم نقل إضبارته من الفرع 295إلى الفرع 300 وتحديداً يوم 28 تموز عام 2012 المصادف للتاسع من شهر رمضان قرر الانشقاق. هرب أولاً باتجاه مدينته دير الزور وهناك أصيب بقصف طائرة وتم نقله إلى تركيا للعلاج،حيث لايزال هناك شظايا في جسده حتى الآن، بعد علاجه قدِم إلى ألمانيا عام 2017 وقدم اللجوء.
تحدّث الشاهد برغم الارتباك الواضح عليه أثناء شهادته، التي قدمَّها مسبقاً بتحقيقين، أُجريا معه من قِبل الشرطة الجنائية في ألمانيا: أولهما كان عام 2019 والثاني كان في شهر شباط 2020، عن طبيعة عمله في قسم البريد بالفرع 295 وعن لوائح قادمة من المشافي العسكرية (مشفى تشرين العسكري، المزة العسكري، حرستا العسكري) والتي كانت تُسلَّم لهم دون أسماء وإنما فقط أرقام، ثم بعد تسليم الأرقام كانت تأتي برادات الموتى محملةً بالجثث التي وردت أرقامها بالأوراق ليتم دفنها.
بداية الثورة كما يقول الشاهد كان يتم دفن المعتقلين، الذين قضوا تحت التعذيب في مقبرة الشهداء الموجودة نهاية منطقة “الحسينية”بداية الذيابية، ثم أصبح هناك مقبرة المجهولين وراء مساكن الجيش وكان يتم الدفن فيها أيضاً، وهناك مقبرة ثالثة كانت تحت حماية الإيرانيين ويعتقد أن جثث الإيرانيين وقتلى المخابرات السورية كانت تدفن هناك، ولايُسمح لأحد بدخول تلك المقبرة.
وتمّ عرض صور كثيرة لخرائط جوجل للمنطقة، مع إشارات وضعت عليها من قِبل الشاهد نفسه لتوضيح الأماكن هذه، وأيضاً رسمة توضيحية لها قام الشاهد برسمها بيده أثناء التحقيق الذي أجري معه مع الشرطة الجنائية سابقاً، ليوضح أماكن المقابر الموجودة في منطقة نجها. تم عرض الرسم بالمحكمة على الشكل التالي:
كانت الأرقام التي يستلمها كلوائح بالبريد، عبارة عن جداول يتم أولاً وعلى رأس الصفحة ذكر رقم المشفى العسكري دون اسمه، وبعدها أرقام الجثث التي تم استلامها، والأفرع الأمنية المسؤولة عنها وذكر من ضمن هذه الأفرع (251،293،285)، وأكد أنه ليس من الضرورة أن يتطابق رقم الجثث على الورق، مع عدد الجثث التي يتم إحضارها للدفن، وأنه يوجد بنهاية كل لائحة ختم من طبيب شرعي، وأحياناً ببداية اللائحة وتحت رقم المشفى يتم كتابة جملة أن الوفاة حدثت لأسباب طبيعية. ولبيان المقصود بتلك اللوائح طُلب منه خلال الجلسة الثانية بتاريخ 25.06 رسم توضيحي لطبيعة هذه اللوائح فقام برسمها على الشكل الآتي:
ذكر الشاهد أيضاً أن عمله بالفرع 295 كان بين سجلات الفرع والبريد، ولم يكن يسمح له بالإطلاع على لوائح الأرقام القادمة من المشافي العسكرية، ولكنه كان يطلع عليها سِرَّاً لأنه كان يبحث عن 15 شخصاً من عائلته، من بينهم أخٌ له ويتأمل أن يجد ما يدله عليهم بعد اختفائهم بشكل كامل، وعدم معرفة العائلة أي شيء عن مصيرهم منذ ذلك الحين وحتى اللحظة.
وعند سؤاله عن سبب إرسال هذه اللوائح للفرع 295 تحديداً، أجاب بأنه الفرع المسؤول عن منطقة نجها، وأن المقابر هناك لذلك كانت مسؤولية الفرع تسلُّم هذه اللوائح والإشراف على الدفن.
ذكر الشاهد مقابر جماعية كان يتم دفن المعتقلين بها، ولم يحدد ما إن كان دفنهم يتم بشكل جماعي ضمن حفرة واحدة، أو بقبر لكل جثة، ولكنه تحدث عن رؤيته لحفارات آلية كانت موجودة في مقبرة الشهداء، ونفى رؤيته لجثث بشكل مباشر، لأن البرادات تدخل دون أن يتم فتحها أمامه إذ أنها ليست مسؤوليته.
كما تحدث أيضاً عن تواتر عمليات تسليم الجثث، وقال أنها كانت تحدث من فترة لفترة، أحياناً مرة أو مرتين بالأسبوع، وتحدث أن عمليات التسليم هذه قد بدأت نهاية العام 2011 بداية العام 2012 حيث كان يصل عدد الجثث التي يتم تسليمها في كل مرة لستين أو سبعين جثة كما قال. وأكد أن هذا الأمر لم يحدث مسبقاً عام 2010 أثناء وجوده هناك، أي قبل الثورة.
وأما عن لقائه بإياد الغريب فقد تحدث عن لقائهما مرتين أثناء قيام إياد بمهمة تسليم الجثث، وأنه تحدث معه بعد أن عرَّفه به شخص يدعى “محمد معلا” يعمل معه بالفرع 255، مرافقاً لرئيس الفرع “ثائر العمري” قائلاً أن “الغريب” من مدينته ويقصد “الموحسن”، وبذلك تعرف أحدهما على الآخر، وقال الشاهد بأن رئيس مفرزة دوما التي كان يعمل فيها إياد يدعى “جميل الدبوس”، وهو أحد أقارب إياد لذلك كان إياد يحظى بالدعم، ويعتقد الشاهد أن عمل إياد لايختلف كثيراً عن عمل رئيس المفرزة من حيث قمع التظاهرات في دوما وقتل المتظاهرين، وتحدث أنه في المرة الثانية التي التقى بها بإياد لتسليم الجثث، كان قادماً من دوما، بمعنى أن الجثث كانت من هناك، وأنه بالغالب اتجه باتجاه مقبرة الإيرانيين ولكن لايستطيع تأكيد ذلك.
في الجلسة الثانية تم استدعاء محققين اثنين من الشرطة الجنائية، في الساعة الأولى منها، وهما اللذان توليا التحقيق مع الشاهد م.ع حيث أكدا على تعاون الشاهد، ورغبته بالإفصاح عن المعلومات، وأنه شعر بالخوف والتردّد عندما تم ذكر التهديد الذي طال أهله له، وأصبح التحقيق معه صعباً قليلاً مقارنة بما قبل التهديد.
وعن التهديد فقد ذكر الشاهد في التحقيق مع الشرطة الجنائية، أن شخصاً يدعى “م.الغريب” اتصل بأهل الشاهد بعد التحقيق الأول، وكانوا لا يعلمون شيئاً عن التحقيق حيث أن الشاهد لم يخبر أحداً بذلك، وقاموا بتهديدهم وإطلاعهم على حقيقة ما فعله الشاهد “ابنه،م” من تقديمه لمعلومات ضد إياد.
تحدث الشاهد في الجلسة الثانية، التي بدا فيها مرتاحاً أكثر، عن الأمور الإدارية بطبيعة عمله، وأيضاً تحدث عن طبيعة تسليم أوراق لأهل المتوفى من قِبل المشافي العسكرية، والتي تشير للوفاة بشكل طبيعي، مع ختم أيضاً من طبيب شرعي، دون تسليمهم جثة المتوفى، أو معرفة أسباب الوفاة الحقيقية وأن هذه الإجراءات كانت متبعة بشكل شبه دائم. تحدّث أيضاً عن اعتقاله من قبل الفرع 285 بداية الثورة، لأنه غادر الفرع دون إذن عندما علم باختفاء أخيه، ليبقى مع عائلته، وعندما عاد تم اعتقاله وتعذيبه لمدة ثلاثة أيام ثم إعادته للفرع 295 ليمارس عمله.
في الجلسة الأولى كان يبدو على الشاهد الصدمة، حيث بدأ بإعطاء المحكمة معلومات لا تشبه تلك التي قدمها مسبقاً بالتحقيقين الجنائيين الذين أُجريا معه. حيث اعتمدت شهادة الشاهد بالتحقيقات مع الشرطة الجنائية على معلومات تفيد تورط إياد بنقل وتسليم جثث المعتقلين الذين قضوا تحت التعذيب مراتٍ عدة، ولقاءه معه شخصياً مرتين أثناء عمليات التسليم، وتهديد أحد أفراد عائلة إياد عائلة الشاهد بعد أن علموا بطريقة غير معروفة عن التحقيق الأول الذي أجري مع الشاهد في ألمانيا، وطبيعة المعلومات التي قدمها ضد إياد. ولكن أثناء جلسة المحكمة حاول عدم توجيه مثل هذه التهم لإياد بل وغير اسم الشخص الذي هدد عائلته ليقول أنه من عائلة “غريبة” وليس “الغريب.”! قبل أن يعود مرة أخرى للتأكيد أنه من عائلة “الغريب”.
كانت المفارقة التي لم يعلمها أعضاء المحكمة، وعلمتها ليفانت نيوز من خلال حديثها المباشر مع الشاهد بعد الجلسة الأولى، أنه كان وبرغم معرفته بالتهديد مستعد للتعاون، بشرط أن يكون مجهول الهوية، وتتم حمايته من قبل المحكمة عندما يتم استدعائه هناك، بيد أن المحكمة رفضت إبقاء الشاهد مجهولاً في قاعتها، وتم الكشف عن هويته أمام الحضور؛ الأمر الذي لم يتوقعه الشاهد ولم يتم إخباره به من قبل محاميه الذي كان من المفترض أن يعلم عن رفض المحكمة لطلب الشاهد.
لأجل ذلك بدا على الشاهد الصدمة، ولكن لم يكن ذلك السبب الوحيد، حيث أخبر الشاهد ليفانت نيوز بشكل خاص أنه لايزال خائفاً من التهديد، ولذلك طلب حماية شخصيته، وهو الآن لا يدري ماذا سيحدث بعد أن أجبر على الإدلاء بمعلوماته علناً، تحت ضغط الادعاء أثناء شهادته، أنه على وشك أن يواجه تهماً ضده إذا استمر بالكذب على المحكمة، وكان ذلك منتصف الجلسة الأولى معه.
إضافة إلى ذلك أخبر الشاهد مراسلة ليفانت نيوز أنه جاء إلى الجلسة الأولى مباشرة، بعد سفر استمر سبع ساعات متواصلة، ولم تتح له فرصة النوم أو الاستراحة، والأهم من كل ذلك أنه ومنذ أن أعيد نشر صور قيصر منذ ما يقارب الأسبوع، ظن مثل كثيرين غيره أن هناك صوراً جديدة، وبدأ بالبحث عن أخيه وأولاد أعمامه المفقودين بين الصور، الأمر الذي أنهكه نفسياً بالكامل قبيل الجلسة دون أي تحضير للجلسة بحد ذاتها أو التفكير بها. كما أكد محامي الشاهد السيد تايبل لليفانت نيوز الظروف النفسية السيئة التي يمر بها موكله.
إذاً كان الشاهد م.ع خائفاً، مرهقاً وحزيناً بعد رؤيته لصور قيصر، الأمر الذي أخبرت به مراسلتنا الجهات المعنية، التي قررت مسبقاً عدم مقاضاة الشاهد لأنه أدلى بالنهاية بكل المعلومات الصحيحة في المحكمة، لكنهم يتفهمون ظروفه الخاصة ولم يكونوا على علمٍ بها مطلقاً.
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!