الوضع المظلم
السبت ٢١ / سبتمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • لدواعي سياسية أم تنظيمية ... غلق الكنائس البروتستانتية يثيرا جدلا بالجزائر

لدواعي سياسية أم تنظيمية ... غلق الكنائس البروتستانتية يثيرا جدلا بالجزائر
كنيسة سانتاماريا

ب.أمين


أثار قرار إغلاق الكنائس البروتستانتية بالجزائر جدلا واسعا ولغطا كبيرا ، وطرح تساؤلات عديدة بشأن حرية المعتقدات بالبلاد ، والسبب الحقيقي وراء غلقها وإن كانت تتعلق بأمور تنظيمية محضة أم لدواعي سياسية وأمنية في طل استمرار الحراك الشعبي .


ورغم أنّ هذا الإجراء الأمنِي يحدُث من حين لآخر في محافظات الوطن، دُون صَخبٍ إعلامي،لكن هذه المرة تَزامن غلق هذه الكنيسة مع حالة الصّدام بين السّلطة والشّارع بسبب الحراك الشعبي الرافض لإجراء إنتخابات الرئاسة بالبلاد .


وأعاد قرار غلق هذه الكنائس ، الجدل مجددا بالجزائر بعد الذي اندلع في الجزائر عام 2006، عند صدور "القانون المنظم لممارسة الشعائر الدينية"، الذي انتقدته حينها كثير من المنظّمات الدولية بحجّة "التضييق على غير المسلمين".


وقامت السلطات الأمنية بمنطقة القبائل وبخاصة محافظة تيزي وزو (100 كيلومتر شرق الجزائر العاصمة)، بغلق 12 كنيسة بإقليم الولاية بسبب "عدم حصولها على تراخيص لممارسة نشاطها وفقًا لما ينصّ عليه القانون".


وعاشت الجزائر على وقع إحتجاجات كبيرة على خلفية تشميع أكبر كنيسة بالجزائر، المتواجدة بوسط مدينة تيزي وزو و هي” كنسية الإنجيل الكامل”.


ونددت كل من الكنيسة البروتستانتية بالجزائر، والجمعيات ومنظمة حقوق الإنسان بتيزي وزو، بهذه المضايقات الممارسة في حق هؤلاء المسحيين.


وإستنكر صالح شلاّح، رئيس الكنيسة البروتستانتية في الجزائر، في اتّصال مع صحيفة "ليفانت"، قرار غلق الكنيسة وقال " إنّ السلطات الجزائرية لها رغبة جامحة لمهاجمة الكنائس البروتستانتية، من أجل التخلص منها تدريجيا ،وحسبه غالبًا ما تستعمل ذريعة عدم الامتثال لللتنظيم من اجل غلقها ".


ويضيف شلاّح إن "السلطات تزعجها فكرة وجود جزائريين يعتنقون الدين المسيحي، ويبدو أنها مستمرّة في رؤيتها للعنصر المسيحي باعتباره دخيلًا على المجتمع والثقافة الجزائرية".


وغالبا ما تكون قرارات الغلق لهذه الكنائس بالجزائر تحت طائلة حجج إدارية يتم تبليغ الأشخاص الذين يسيرون هذه الكنائس من أجل مخالفتهم للوائح الإدارية والتنظيمية والقوانين السارية المفعول المنطمة لهكذا دور عبادة .


وهنا يرى صالح شلّاح أنّ الأمر لا يتعلق بأمور إدارية بقدر ما يؤكد النية السيئة للسلطات من أجل غلق هذه الكنائس وبحثها المستمر على عن أدنى سبب من أجل التضييق على المسيحيين لممارسة ديانتهم والكنائس المرخّصة واختلاق الأعذار من أجل إغلاقها.


وظهرت مواقف كثيرة بين مؤيدة ومستنكرة لقرار السلطات الجزائرية أخلطت حرية التفكير وحرية ممارسة التدين الجماعي التي تخضع لقوانين منظمة .


وأكدّ الباحث ناصر جابي بأنه يرفض استغلال هذه الاختلافات الموجودة في كلّ المجتمعات، لخلق استقطابات سياسية لا تخدم الجزائر والجزائريين في هذا الوقت بالذات، من قبل سلطة اكتشفت فجأةً، أنّ هناك كنائس غير مرخّص لها في منطقة القبائل فقط، أرادت غلقها في حين أنّها موجودة منذ عقود في كامل التراب الوطني، ترفض السلطات التعامل القانوني معها بالرفض أو القبول".


وردّ ناصر جابي على منتقدي موقفه الرافض لغلق الكنائس قائلًا: "ما كتبتهُ على صفحتي اليوم، أثار موجة تعليقاتٍ واسعة عبّرت في بعض الأحيان عن انغلاقٍ فكريّ، لم أكن أتوقّع انتشاره بهذا الحجم عندنا، رغم أنّ فكرتي كانت بسيطة، هي تأييد لحقّ الجزائريين، كلّ الجزائريين، مهما كانت قناعتهم الفكرية أو الدينية في العيش المشترك بحرّية وسلام في وطنهم".


ويعتقد كثيرون بالجزائر ، أن إقدام السلطات على غلق الكنائس في الجزائر راجع إلى المرحلة الحسّاسة التي تمرّ بها الجزائر في ظل الحراك الشعبي، وتخوّفات السلطة من دخول الكنائس غير المرخّصة على خط الأزمة السياسية، ممّا يتطلب وضعها تحت المجهر ومنهعها من النشاط الرسمي.


وحسب متابعون للشأن السياسي والديني والأمني بالجزائر فإن الأجهزة الأمنية توصلت من خلال تحرياتها المستمرة بأن دور العبادة سواء كانت مساجد او كنائس وظفت سياسيا و تم اختراقها حتى استخباراتيا من أجل زرع الفتنة بين أفراد الشعب الواحد.


ويقول الأستاذ " عدة فلاحي " الباحث في الإسلاميات والمستشار السابق لوزير الشؤون الينية والاوقاف بأنه " لا يخفى على المتتبع و المراقب بان الجماعات الدينية الاسلامية كانت تستخدم المساجد لاستقطاب المتطرفين لاداء مهمات ارهابية سواء بالجزائر او خارج الجزائر و الكنائس وظفت من جهات استخباراتية لزرع الفتنة و الشفاق داخل المجتمع الجزائري لاجندة قائمة على قاعدة فرق تسد "


ويضيف فلاحي في حديثه لصحيفة "ليفانت" بأن " اكثر النحل التي كانت منخرطة في ذلك من المسيحيين هي الطائفة البروتستانتية التي تكفر حتى المسيحيين الكاتوليك اي مثلهم مثل التكفيريين من الدواعش من المسلمين و هم من تمرد على قوانين الجمهورية و بالتحديد قانون الشعائر الدينية لغير المسلمين و فتحوا بيوتا و شققا و فيلات و اتخذوها كنائس و قاموا بالتبشير بنحلتهم واعدين الناس بجنة الدنيا و الاخرة "


وقال عدة فلاحي بأن هذه الإغراءات هي التي دفعت الكثير من المو اطنين الى اعتناق البروتستانية اما لضعف وازعه الديني و العقائدي او لاسباب سياسية انتقاما من السلكة التي تمثل الاسلام الرسمي او للحصول على بعض الامتيازات المالية او عقود عمل و فيزا بالخارج.


وقال المستشار السابق لوزير الشؤون الدنية والأوقاف بأن هذا الوضع الخطير كان على السلطة ان تتدخل لوقف هذا التسيب الذي استشرى اكثر خلال فترة الحراك الذي سرق الانظار و استغله البروتستانتيون في منطقة القبائل بالذات لانه في اعتقادهم اكثر المناطق تعنتا و معارضة للسلطة و بالتالي حسب قوله تكون الاستجابة لهم سهلة و واسعة ولكن و كيفما كان الحال تبقى هذه المنطقة هي خزان العلماء و المساجد و الزوايا و حفظة القرآن الكريم الى يوم الدين و لا يمكن عموم سكانها ان يبيعوا دينهم بدنياهم...


وإعتبر فلاحي بأن ما يجري بالتشويش المبرمج من طرف البروتاستانين و بالتعاون مع جهات داخلية معارضة للسلطة يجب التنبيه كذلك الى اللوبي الفرنسي الذي يحرك هذا المشهد لتبقى الجزائر في حالة الفوضى و بالتالي يسهل التحكم و التأثير في قراراته و ابتزازه سياسيا و اقتصاديا و لكن للاسف حتى معشر المثقفين و الاكاديميين المخذرين بالنصوص لا يتفطنون للعبة اللصوص يضيف عدة فلاحي .


ويجمع المتخصصون في الشأن الديني بالجزائر على تقبل الحرّيات الفكرية والدّينية الفردية والجماعية ، ولكن يشددون على أن "ممارسة التدّين الجماعي" يحتاج للتّقنين والضّبط بما فيها الجماعات الإسلامية التي تريد أن تكون لها مساجدها الخاصة.


ويعتبرون بـأن قضية الترخيص لدور العبادة الذي جاء به قانون 06/03 جاء بعد الفوضى التي سادت في فتح المعابد ليس الخاصة بالمسيحيين و فقط و انما كانت كذلك بعض المساجد و المصليات و حتى المدارس القرآنية تفتح دون الرجوع للهيئات الوصية فجاءت القوانين لتنظم اداء الشعائر الدينية حفاظا على الامن الديني و الاجتماعي .


وفي تصريح خاص لصحيفة " ليفانت" يقول الباحث الجامعي البروفيسور" بومدين بوزيد" بأن هناك من يخلط بين حريّة التّفكير وحرّية ممارسة التّديّن الجماعي التي تخضع لقوانين مُنظمة صَدرت سنة 2006 بما فيها ممُارسة المسلمين لشَعائرهم.


ويضيف بومدين بوزيد " إن موادّ الدّستور تَكفُل الحقّ في العقيدة وممارسة الشّعائر ولكن يربطها بالقوانين، فبناء المساجد ودُور العِبادة والكنائس تخضع لترخيص من وزارة الدّاخلية، وأداء أوّل صلاة جُمعة في مَسجدٍ جديدٍ يخضع كذلك لترخيص ممضي من وزير الشؤون الدينية شخصياً ".


وطرح بومدين بوزيد عدة تساؤلات تتعلق بمشكلة الإدارة الجزائرية في تسيير الشّأن الديني مع البروتستانتية وليس مع الكاثوليكية، ويتساءل ترى لماذا لا يشتكي الكاثوليكيّون حتى وإن كان لهم انتقادٌ ولكن ليس بنفس الّلهجة، وآراء الأسْقف السّابق في الجزائر هنري تيسييه يمكن مراجعتها؟ وما هي العلاقة بين البروتستانتية في منطقة شمال إفريقيا بالخصوص مع اليمين الجديد في الولايات المتحدة الأمريكية؟ ومع البروتستانتية المُتصهْيِنة التي تعمَل على عودة الشّعب اليهودي إلى فلسطين؟


ويقترح الأكاديمي يومدين بوزيد في حديثه لصحيفة ليفانت بعض الحلول للحد من هذه المسائل فيقول " مِن ضمن قوانين حريّة وحقّ ممارسة الشّعائر الدّينية لغير المسلمين تعيين رجال دين في وزارة الشؤون الدينية يتلقّون رواتِبهم وضمانهم الاجتماعي مثل الموظّفين الجزائريين مع اشتراط الجنسية الجزائرية طبعاً" .


والغريب في الأمر حسب بومدين بوزيد عدم تفعيل "الّلجنة القِطاعية الوزارية التي تَظُم ممثّلين عن المسيحيّين في الجزائر وموضوعها: "الشّعائر الدّينية لغير المسلمين" والدّولة ترصد لها ميزانية خاصّة سنوية ولكنها للأسف لا تُسْتهلك" على حد قوله .


ويرى بومدين بوزيد بأن الجزائر بحاجة إلى إعادة النّظر فكريّاً وقانونياً وعلْمياً في تسيير الشّأن الدّيني للمُسلمين ولغيرهم، وإنشاء مَراصِد متخصّصّة تُتابع ذلك بدون هَرج ومزايدات وجهالات.


 

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!