الوضع المظلم
الثلاثاء ٢٤ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • لماذا ارتفعت نسبة الطلاق بين السوريين في أوروبا؟

لماذا ارتفعت نسبة الطلاق بين السوريين في أوروبا؟
كمال اللبواني

يبدو أنّ تغيير نمط الحياة قد انعكس سلباً على الحياة الأسرية التي تكونت في سوريا قبل أن تضطر للخروج منها، بالرغم من المعاناة الكبيرة التي تعرض لها كل السوريين، والتي يفترض بها أن تزيد من تلاحمهم. نسبة الطلاق


إن الثورة السورية عموماً لم تنجح بإسقاط نظام الأسد، بل نجحت بتغيير نظام الزواج والأسرة، وانتقلت بها سريعاً إلى التشرد والتفكك والسقوط، فمعاناة السوريين المهجرين لأوروبا لها معنى مختلف، حيث سرعان ما اكتشفت المرأة حقوقها الكاملة التي تفوق حقوق الرجل، وقدرتها المادية على العيش الحر بعيداً عن ضغط المجتمع وإكراهات الحاجة المادية، لذلك كان أول ما فكرت به هو الانتقام من الرجل، والتحرر من سلطته الذكورية التي كان يمتلكها ويمارسها بقوة العادات والتقاليد ورقابة المجتمع الصارمة التي أصبحت من الماضي الذي لن يعود، لذلك سرعان ما اكتشفت التسهيل والتشجيع من السلطات والقضاء الأوروبي على الطلاق، والذي يزيد من مساعدتها لو تطلقت وانفصلت عن الرجل، فهي ستبقى في منزلها وستزداد مساعداتها ويقل مصروفها، وهكذا تتوهم أنها انتصرت وتحررت، لكنها عملياً لم تفكر أن تتحرر مع الرجل وليس منه، أن تبني أسرتها على الحرية والكرامة، وليس أن تفككها.


فنظام القمع والأسر والتجهيل والاستعباد لم يدرب الشعب على الحرية والكرامة واحترام الآخر إن كان من جنس آخر أو قبيلة أو طائفة، ولم يسمح بنمو الاعتماد على الذات، والقدرة على انتزاع الحقوق، بل كان يشجع كل مغتصبي الحقوق وسالبي العقول والجيوب، لذلك لم يتمتع لا الذكر ولا الأنثى بأي من الصفات التي تؤهلهم للعيش هكذا فجأة في مجتمع متحرر، ولم يسمح بنشوء أسر قائمة على علاقة ندية بين ذكر حر وأنثى حرة، بل كانت تلك الأسر منخرطة فقط في تدبير شؤون الحياة المادية والاجتماعية الصعبة والتي تزداد صعوبة.


والذي دفع الثمن سريعاً هم الذكور الذين سيحرمون من الأسرة الدافئة، والأولاد المرضيون، والزوجة المطيعة الخادمة، ومن الشعور بالسلطة الذكورية عليهم والتي تعوض عن قهره وذله السياسي، بعد حرمانهم من حاراتهم وأقربائهم ومضافاتهم التي تغذي فيهم تلك السلطة وتحرسها لتصريف الشعور بالقهر والذل أمام سلطة المخابرات ورجال حزب البعث، وشيخ الجامع المكلف من الوقاف، وأصحاب العمل شركاء المسؤولين، ففي سوريا لا يوجد سوى متجبر ومسحوق، مستغلّ ومسلوب، قاهر ومقهور، وكل مقهور يقهر من هو تحته، حتى يصبح فقط السيد القائد هو الوحيد الذي لا يقهره أحد، بينما يتحول كل المجتمع لمقهورين بدرجات تختلف بحسب سويتهم في هرم السلطة السياسية الاجتماعية الاقتصادية الدينية المتحدة والمتحالفة مع شيطان النظام البعثي الحاكم المختزل بشخص، وهكذا صار الرجال في أوروبا مطلقين منبوذين مطرودين من منازلهم وعروشهم يعيشون الكفاف ليغسلوا وينشروا ويطبخوا ويجلسون في شققهم الصغيرة جداً، وعلى هواتفهم فقط، والتي صارت هي جل حياتهم. نسبة الطلاق


العنصر الثاني الذي سيدفع ثمناً هم الأطفال الذين يفقدون انتماءهم للأسرة بسرعة، ليغادروها أو يتمردوا عليها بأول فرصة، وبذلك يسرعون عملية نسيانهم لما حملوه معهم من ذكريات وثقافة وقيم ويسارعون للاندماج مع المجتمع الجديد وتقمص هويته، لذلك فكل السياسات الاجتماعية في أوروبا تسهل وتسرع، بل تتعمد تشجيع الأسرة على التفكك (كونها تؤدي لتسريع اندماج الصغار ودخولهم سوق العمل بدل العيش على المساعدات كما يفعل آباؤهم، الذين بكل تأكيد سيعجزون عن تعلم اللغة، وتعلم نظم ومعايير العمل الجديدة، طبعاً يحدث هذا بتشجيع من السلطات المحلية التي لها الحق في حمايتهم من أي اضطهاد واستغلال، ولكنها لا تحميهم من شرور الرفقة وفساد المجتمع خاصة في العلاقات الجنسية والمخدرات والفشل في الدراسة والتسيب.  أوروبا


وهكذا ستجد المرأة بعد فترة بسيطة أنها فقدت كل شيء، وبيدها هي، فهي بالرغم من التخلّف كانت عنوان الأسرة ورابطها، وملكتها، تشعر بالخسارة، خاصة عندما لا تستطيع أن تشكل أي علاقة ناجحة ومستقرة مع أي رجل جديد على الطريقة الأوروبية، لتكتشف أنها لا تستطيع أن تعيش حياة الأجنبيات ولا منافستهن على معاشرة الذكور الذين سرعان ما يملوا منها بعد أن أشبعوا رغبتهم بالتعرف على نساء سوداوات الشعر، لكنهم لا يشكلون ندّاً يجبرهم على تشارك الحياة، بل مجرد شريك عابر في علاقة جسدية مختلفة. وهكذا تكتشف أنها هي أيضاً قد أصبحت وحيدة من دون زوج أو أولاد، غير قادرة على استعادة أسرتها التي كانت موجودة، لأنها أمعنت في طعن الرجل بكل ما يحمله من معنى في بلداننا، ولأنها خسرت أولادها بل ضيعتهم.


في النتيجة أصبحت كرامة كل شخص تتطلب منه أن يضع ملحاً على الجرح، ويكمل حياته في مقرات العجزة بالقرب من المقابر مع نظرائه، لكن من دون لغة يتفاهم بها معهم، ليموت بصمت وحيداً في بلاد الغربة، كما يموت المعتقلون في سجون الأسد، فلا أحد يحسد اللي حصلوا على لجوء. نسبة الطلاق


كمال البواني


ليفانت - د. كمال اللبواني ليفانت 

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!