الوضع المظلم
الجمعة ٠١ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
لماذا الخشية من مصالحة أردوغان مع بشار؟
عبد السلام حاج بكري

صلاة أردوغان في المسجد الأموي مؤجلة للمجهول، وهذا المجهول بحاجة لفك العديد من الشيفرات الصعبة والتي لا يملك بشار أن يقدمها للسلطان، ولا يريدها، وقد لا يكون للسلطان رغبة في الصلاة في ظل وجود الأسد، وقد تبادل مع بشار عداء وكراهية تراكمت سنوات عديدة، ولا يتعدّى ما نراه من تصريحات تشير للسير على طريق المصالحة كونها متطلبات مرحلية للسلطان.

ترغب روسيا بهذه المصالحة، وتضغط بالمستطاع لتحقيقها، فهي تأتي لها بالاطمئنان لاستقرار حكم بشار في سوريا والحفاظ على نفوذها والوضع القائم للتفرغ لحربها في أوكرانيا، وبلغت ذروة عملها على ذلك في قمة طهران الشهر الماضي، حيث طلب بوتين بوضوح من أردوغان التقدّم بخطوات تجاه الأسد مقابل خدمات يقدمها الأخير له في الشمال السوري، عبر تولي زمام حماية حدوده وإبعاد قسد الذي يشكل حزب العمال الكردستاني أهم مكوناته عن الحدود التركية.

بدوره، حزب العدالة والتنمية في تركيا يستثمر في موضوع عودة العلاقات مع النظام السوري على اعتبار ذلك يقدم له خدمة كبيرة لدى الناخب التركي الذي ضاق صدره من اللاجئين السوريين في بلاده، ويسحب هذه الورقة من أيدي الأحزاب المعارضة، عدا عمّا تحققه له من عائدات اقتصادية كبيرة بفتح طريق الترانزيت التجاري إلى الخليج والأردن وإسرائيل، وامتطى الإعلام منصة لإطلاق تصريحات ناعمة تجاه النظام السوري عبر مسؤولين كبار في الحزب والقيادة التركية، وروّج لحديث عن لقاء عابر بين وزيري خارجية الطرفين، وتحضير محتمل لجمع أردوغان وبشار بلقاء ثنائي خلال قمة اقتصادية تعقد قريباً في الصين.

أما الطرف الثالث في معادلة المصالحة المتمثل في النظام السوري، فالتقط العصى من المنتصف، مرة مرحِّباً بالتقارب مع تركيا وأخرى متشدداً يطالبها باعتذارات عن سلوكها تجاهه خلال كل السنوات الماضية من عمر الثورة السورية، ويرى مراقبون أن ضغطاً روسيّاً أكبر على بشار سيدفعه لمقابلة التصريحات التركية بإيجابية تمهيدا للمصالحة.

اليد الطولى لروسيا في سوريا وعلى نظامها لا تبدو كافية لتحقيق رغبتها بالمصالحة، فإيران التي تنشر ميليشياتها في الجغرافية السورية وتمتلك رصيداً كبيراً في القرار السوري، لا سيما عبر السيطرة على الفرقة الرابعة القوية ومفاصل واسعة في الاقتصاد السوري لا تبدو بحالة حماس تجاه المصالحة، حيث ترى فيها تقليصاً لنفوذها وسطوتها، لأنها تدرك أن لتركيا الكثير من المطالب على كافة الصعد، وهي لا ترغب بشريك ثالث في حكم سوريا.

لو تخلّت إيران عن تردّدها بقبول المصالحة ورضخت لرغبة روسيا وتركيا فيها، فلن يكتب لهذه المصالحة أن تتمّ، أقلّه في الوقت الحالي، لأن سدّاً عنيداً يقف بوجهها يتمثل بنظام بشار الأسد، ففيها يجد كيانه العميق نهاية النظام خلال فترة غير بعيدة.  

أمام إيران وبدفع منها، يقف نظام بشار الأسد رافضاً المصالحة بشكل قاطع غير معلن، لأسباب عديدة أهمها أنه يرفض كليّاً عودة للسوريين من تركيا إلى المناطق التي هجّرهم منها، وهذا أهم ما تريده تركيا، لأن عودتهم تعني وقف مشروعه للتغيير الديمغرافي القائم على أساس طائفي، وانتهاء سرقة أزلامه لثروات هذه المناطق ومقدّراتها.    

بشار لا يريد المصالحة، لأنها ستكون مدخلاً لفتح ملفات كثيرة مثل المعتقلين وتنفيذ قرارات الأمم المتحدة بما يخصّ سوريا، لا سيما التحوّل الديمقراطي وإجراء انتخابات حرة، والإعلان صراحة عن تفاصيل اتفاق أضنة التي لا يقبل حتى اللحظة الإعلان عنها، وسيزيد الأمر صعوبة عليه أن روسيا وافقت على إضافة بنود توسّع صلاحيات تركيا في المناطق الحدودية، عدا عن تفاصيل كثيرة ليس أقلّها أهمية تسليم المطلوبين لتركيا مثل معراج أورال، كل ذلك يرفع مداميك سدّ الرفض الأسدي.     

عوامل أخرى تجعل المصالحة بالظروف الحالية غير قابلة للتحقيق، فدخول تركيا في نقاش المصالحة يقتضي بالضرورة توجيه جيش النظام إلى مناطق تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية على الحدود التركية وفقاً للعرض الروسي، وهذا أمر لا يمتلك بشار قراره بمفرده بل يقتضي موافقة أمريكية، وهي غير متوفرة حتى اللحظة.

روسيا وتركيا تريدان المصالحة وتسعيان لها، ولكن ليس للأبد فإن لم تحصل قريباً تنتهي ضروراتها، فقد تعود روسيا قوية إلى سوريا في حال توقفت حربها في أوكرانيا، وسيفقد أردوغان حماسه لها إذا فاز بالانتخابات الرئاسية التركية العام القادم، ومنذ الآن حتى ذلك الوقت سيراوغ بشار الأسد للهروب من المصالحة معتمداً على سند غير ضعيف في سوريا هو إيران.

عدا عن كل ما سبق، لا يمكن للمصالحة المقترحة أن تتم دون ضوء أخضر غربي أمريكي إسرائيلي، ومن الواضح أنه لم يجرِ تشغيله حتى اللحظة، فهؤلاء يرون أن حلّ الأزمة السورية رهن بتسويات شاملة لكل أزمات الشرق الأوسط وتحقيق الديمقراطية والسلام، أو على الأقل هذا ما يدّعونه.

وعليه لا أرى مبرراً لخوف السوريين المعارضين من فكرة المصالحة المطروحة لأنها وإن فرضت عليهم، فلا يتوفر طرف راغب بها يستطيع فرضها على نظام بشار الأسد، وعليهم الاستمرار بعيشهم بكل ما فيه من سوء، ولا يزيدوه كوابيس إضافية. 

 

ليفانت - عبد السلام حاج بكري      

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!