الوضع المظلم
السبت ٠٩ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • ماذا يعني أن تتزاحم مُدرعات أمريكية-روسية على طرق سورية؟

ماذا يعني أن تتزاحم مُدرعات أمريكية-روسية على طرق سورية؟
ماذا يعني أن تتزاحم مُدرعات أمريكية-روسية على طرق سورية؟

إعداد وتحرير: أحمد قطمة


علّق مسؤول عسكري روسي سابق رفيع المستوى على شريط فيديو يوثق حادثاً وقع مؤخراً على الطريق M4 شمال شرقي سوريا بين مدرعتين عسكريتين روسية وأمريكية، وأظهر ناقلة جند أمريكية ثقيلة، وهي تمنع عربة روسية مدرعة من طراز "تيغر" من السير بسرعة أكبر من اللازم لتجاوزها، في جانب الطريق الإسفلتي، وتجبرها على التوقف، لينتهي التسجيل عند ذلك الحد، لكن الأكيد أن السجال الأمريكي الروسي في سوريا لم ينتهي.


وهو ما ذهب إليه، الرئيس السابق للإدارة العامة للتعاون العسكري الدولي في وزارة الدفاع الروسية، الجنرال ليونيد إيفاشوف، الذي قال إن مثل هذه الحوادث بين القوات الروسية والأمريكية ستستمر، لكنها لن تتحول إلى مواجهة مفتوحة، متابعاً: "بمثل هذه الاستفزازات الصغيرة سيحاول العسكريون الأمريكيون دعم مستوى التوتر في سوريا، وهم ليسوا معنيين في استقرار الوضع بالكامل، حيث ستكون روسيا في مقدمة جهود التسوية".


حادثٌ وإن بدى عابراً، لكن الحقيقة غالباً ليست كذلك في المُطلق، فالشريط المصور كان إثباتاً لوقائع تحدث عنها ناشطون سابقاً، ونفتها روسيا دائماً، فيما تجنب الأمريكيون في العادة التطرق إليها، فالمنطقة في شمال شرق سوريا، وحتى في شمال غربها، باتت في الوقت الراهن، محل سجال وأخذ وجذب بين واشنطن وموسكو، اللتين يسعى كل منهما إلى الاستحواذ على حصة الأسد من الكعكة السورية.


إقرأ أيضاً: حقوق قُبرص في التنقيب بالمتوسط رهنٌ لتعديات جارها الشمالي!


كعكة يبدو أنه لروسيا القسط الأوفر منها، وهو ما يمكن الإشارة إليه من الإنزعاج الأمريكي من الوجود الروسي شرق الفرات وحتى إدلب، فتلك المنطقة في المنظور الأمريكي في النهاية تابعة لـ (نفوذ الناتو)، سواء أكان الأمريكيون من ينتشرون فيها أو الأتراك حتى، حيث تشير بعض المصادر الكُردية في شمال سوريا، بأن الهجوم التركي الذي بدأ في التاسع من أكتوبر العام 2019، كان بموافقة أمريكية على اجتياح مساحات شاسعة، أكبر من القطاع الذي تم السيطرة عليه بموجب ما عرف بـ"عملية نبع السلام"، ويؤكد هؤلاء أن الضوء الأمريكي الأخضر لم يكن ليمنع التوغل التركي أكثر، لولا الأمتناع الروسي وتدخله بعقد إتفاق جديد مع أنقرة وقوات سوريا الديمقراطية، لنشر قوات النظام على الحدود السورية التركية، مع الإحتفاظ الحالي، بالقطاع الممتد ما بين مدينتي رأس العين وتل أبيض.


تلك الفرضيات وبغض النظر عن صدقيتها، لكنها بالتأكيد خلقت لدى سكان المنطقة مخاوف مشروعة من الحليف المفترض لهم في محاربة الإرهاب الداعشي، وعليه لم يتبقى لدى "قسد" وأبناء المنطقة مصلحة حقيقة في مؤازرة الوجود الأمريكي، رغم أنه قد يشكل ضمانة مستقبلية في أي عملية تفاوضية للحل في سوريا، وسينأى غالباً مسؤولو "الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا" بأنفسهم عن الخوض في غمار أي اصطفاف مع أحد الطرفين، ما قد يشكل مغامرة بالرهان على الطرف الذي تم شد أزره، كونهما في موسكو وواشنطن قد خذلا أبناء المنطقة سابقاً، سواء في عفرين أو رأس العين وتل أبيض.


الحادث ليس بجديد


وليس الحادث الواقع بين الجانبين بالأمر الجديد، فقد سبقه في السابع والعشرين من ديسمبر العام 2019، نبأ آخر مُماثل، رغم أن وزارة الدفاع الروسية قد كذبته، حيث نشر "المرصد السوري لحقوق الإنسان"، تقريراً تحدث فيه عن اندلاع اشتباك بالأيدي بين عسكريين روس وأمريكيين شمال سوريا.


وقالت الوزارة الروسية، في بيان أصدرته تعليقاً على الموضوع، إن "التقرير الصادر عن ما يسمى بالمرصد السوري لحقوق الإنسان الذي يتخذ من بريطانيا مقراً له وزعم وقوع مشاجرة تحولت إلى اشتباك بالأيدي بين عسكريين روس وأمريكيين شمال شرق سوريا، ليس إلا خبراً زائفاً"، وذلك عقب أن نقل "المرصد السوري لحقوق الإنسان"، أن الحادث المزعوم قد حصل في الـ25 من ديسمبر الماضي، في بلدة تل تمر بمحافظة الحسكة شمال شرق سوريا، حيث وصلت إليها مجموعة عسكريين أمريكيين للحصول على معلومات من السكان المحليين.


إقرأ أيضاً: ما مدى جدية الغرب في حظر “الإخوان المسلمين”؟


وأوضح "المرصد" أن أهالي البلدة اتهموا العسكريين الأمريكيين بالخيانة في ظل قرار رئيس بلادهم، دونالد ترامب، سحب قوات الولايات المتحدة من شمال سوريا، ليصل إلى الموقع لاحقاً عسكريون روس واندلعت بينهم مُشاجرة تحولت إلى اشتباك بالأيدي، لكن دون استخدام أي سلاح، بحسب رواية "المرصد".


كما تكررت الاستفزازات بين القوات الروسية والأمريكية في شرق الفرات، حيث رصد “المرصد السوري” لعشرات المرات، اعتراض دوريات أمريكية لمثيلاتها الروسية، بهدف منعها من الوصول إلى معبر سيمالكا\فيش خابور الحدودي، الواصل بين مناطق "الإدارة الذاتية" في شرق الفرات وإقليم كُردستان العراق، حيث تستخدمه قوات التحالف الدولي لمُحاربة داعش بقيادة واشنطن في الحصول على الإمدادات اللوجستية والعسكرية، ما لم ترغب واشنطن في خسارته أو التنازل عنه لصالح موسكو، ما دامت عاقدة العزم على البقاء في "شرقي شرق الفرات"، وبالتحديد في المناطق النفطية في دير الزور ورميلان والمناطق الواقعة على الحدود السورية العراقية، فخسارة المعبر، تعني مما لا شك فيه، دخول الوجود الأمريكي في سوريا تحت رحمة موسكو ورضاها!


منطقة نفوذ الناتو


ولا يقتصر نفوذ الناتو عملياً على شرق الفرات، بل يمتد إلى (جرابلس وإعزاز وعفرين وإدلب)، فكامل تلك المنطقة هي في الميدان السياسي والعسكري باتت تابعة للناتو، وتركيا التي لم تشارك فعلياً بتشكيل التحالف الدولي لمحاربة داعش، هي في كل الحالات جزء من الناتو ومنظومته العسكرية والسياسية، فيما يتشكل التحالف الدولي في المجمل من دول الناتو، وبالتالي فإن خسارة تركيا لأي منطقة من تلك المناطق الواقعة في غرب الفرات لصالح روسيا، ستعتبر بشكل ما خسارة للناتو ككل.


وعليه، قال جيمس جيفري المبعوث الأميركي الخاص بشأن سوريا، في الخامس من فبراير، إن بلاده "قلقة جداً جداً" إزاء التصعيد في إدلب بسوريا، بسبب هجوم تشنه قوات النظام بدعم روسي إلى جانب مسلحين إيرانيين وميليشيا حزب الله اللبنانية، مُعيداً دعوة موسكو لتغيير سياساتها في الشأن السوري، قائلاً: "هذا صراع خطير، يتعين وضع حد له، على روسيا أن تغير سياساتها"، وتابع المبعوث الأميركي: "لا نرى الروس فحسب وإنما أيضاً الإيرانيين وحزب الله وهم يشاركون بفعالية في دعم الهجوم السوري، لا نعلم إذا ما كان الهجوم يهدف للسيطرة على الطريق إم4 - إم5 فحسب، أو ما إذا كان سيستمر لأبعد من هذا"، ونوه المبعوث الأميركي إلى أن الروس ينتهكون بشكل متزايد شروط اتفاقهم الثنائي مع الولايات المتحدة على منع الاشتباك في شمال شرق سوريا، معتبراً أن الهجوم الأخير في إدلب وحلب "تحرك لموسكو يهدف لتحدي وجود الولايات المتحدة في المنطقة".


إقرأ أيضاً: السعودية ركناً في مُواجهة أحلام أنقرة التوسعية


وهدد المبعوث الأميركي بفرض عقوبات على النظام السوري في محاولة لدفعه وحليفته روسيا إلى إنهاء الهجوم في محافظة إدلب، وقال: "نحن ندرس فرض عقوبات جديدة"، من دون أن يحدد الجهات التي ستكون مستهدفة لكنه لمح إلى أنها قد تكون في سوريا، ووفق المبعوث الأميركي فإن ترامب يتمتع، بموجب مرسوم رئاسي اعتُمد العام الماضي، بسلطة فرض عقوبات على "الأشخاص الذين لا يدعمون العملية السياسية، وبخاصة وقف إطلاق النار"، متابعاً: "لذلك نحن ننظر في ما يمكننا القيام به حيال ذلك. ونحن نسأل الأتراك كيف يمكننا مساعدتهم"، وسط القصف المتبادل الدائر بين النظام والأتراك في شمال سوريا.


الناتو وروسيا وجهاً لوجه


وفي السادس من فبراير، قالت الولايات المتحدة أنها تساند بشكل كامل رد تركيا على هجمات قوات النظام السوري، عقب هجوم الأخير على مواقع الجيش التركي في إدلب، وأشارت كيي كرافت وهي المندوبة الأمريكية الدائمة لدى الأمم المتحدة، خلال جلسة استثنائية لمجلس الأمن الدولي حول الأوضاع في إدلب: "الولايات المتحدة تؤيد تركيا، الحليفة في الناتو، بشكل كامل في ردها دفاعاً عن النفس على الهجمات غير المبررة من قبل نظام الأسد على نقاطها للمراقبة والتي أسفرت عن مقتل عسكريين أتراك"، وزعمت كرافت أن الولايات المتحدة "في حالة رعب" بسبب الوقائع الحاصلة في إدلب، داعيةً الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، لاتخاذ إجراءات حاسمة لوقف العنف في المحافظة السورية.


وأردفت أن إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، "تدين بأشد شكل ممكن العمليات العسكرية الوحشية وغير المبررة من قبل نظام الأسد وإيران وحزب الله"، متابعةً: "رسالتنا اليوم تكمن في أن الوضع في شمال غرب سوريا يتطلب إعلانا فورياً لنظام شامل وقابل للتدقيق لوقف إطلاق النار، ولا ثقة بمنصة أستانا فيما يخص إعلان مثل هذه الهدنة".


إقرأ أيضاً: من موسكو إلى واشنطن: حان الوقت لمُغادرة شرق الفرات!


وربما يكون وجود إدلب ضمن منطقة نفوذ الناتو، إحدى الشيفرات التي يمكن أن تفك لغز مساندة أوروبا وواشنطن لإبقاء الوضع في إدلب على ما هو عليه، رغم سيطرة تنظيمات إرهابية متطرفة في المجمل على المحافظة، دون السعي الحقيقي لتغيير ذلك الواقع بأي شكل، فيما تجد تنظيمات كـ هيئة تحرير الشام والحزب الإسلامي التركستاني وغيرها من الجماعات المتطرفة، الملاذ الآمن في المحافظة السورية.


فيما اتهم المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف في الثاني عشر من فبراير، أنقرة بأنها لا تحترم الاتفاقات الروسية-التركية حول وقف إطلاق النار في سوريا وأنها لا تفعل شيئاً من أجل "تحييد الإرهابيين" في منطقة إدلب، متحدثاً عن اتفاقات سوتشي التي تم التوصل إليها في تشرين الأول/أكتوبر، حيث أوضح بيسكوف أن تركيا "ملزمة بتحييد من وصفهم بالمجموعات الإرهابية" لكن "كل تلك المجموعات تهاجم قوات النظام وتقوم بأعمال عدوانية ضد المنشآت العسكرية الروسية".


شيفرة تُبرر كذلك الحزم الروسي في الحفاظ على ما بحوزتها، وإصرارها على إستعادة ما تقول أنه يتم بطلب (السلطة الشرعية في سوريا)، حيث رفض الكرملين دعوة الرئيس الأمريكي ترامب موسكو لوقف دعمها للنظام السوري، وقال المتحدث باسم الرئاسة الروسية في السابع عشر من فبراير، دميتري بيسكوف، إن موسكو ستواصل دعمها لعمليات لقوات النظام السوري ضد الإرهابيين، وأكد أن: “القوات المسلحة الروسية والمستشارين الروس يواصلون دعم القوات المسلحة السورية في الحرب ضد الإرهابيين”.


إقرأ أيضاًالعقوبات الإقتصادية والأخطاء تُنبئ “روحاني” بـ (ثورة)


وبناءاً على ما سبق، يمكن التشديد على تحول الساحة السورية إلى ساحة حرب باردة إلى فاترة بعض الشيء في سخونتها، (ما بين الناتو وروسيا) دون وجود ضمانات حقيقة بعدم تحولها إلى ساحة حرب ساخنة فعلياً، وإن كانت ساحة شرق الفرات مستبعدة في الوقت الراهن من تحولها إلى ساحة صدام مباشر بناءاً على مناوشات هنا أو هناك، فإن الوضع في إدلب يبدو خطيراً بشكل أكبر بكثير، ومهيئاً بشكل فعلي للمواجهة بين الناتو وروسيا، لو قرر حلف شمال الأطلسي أن يُراهن على تركيا في خوض معركة كسر عظم وإثبات وجود أمام موسكو، لوضع حدود جديدة، يبدو أن السوريين في المحصلة من سيدفع ثمنها، حتى الوصول إلى حل سياسي قد يرضي معظم الأطراف، أو يفرضه المنتصر في الميدان!

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!