-
أوّل امرأة تحصل على جائزة نوبل.. ماري كوري مصدر إلهام للنساء
تُلهم قصة حياة العالمة الفرنسية، بولندية الأصل، ماري كوري الكثير من الطموحين لبلوغ أهدافهم ويعانون من صعوبات جمة، لاسيما النساء، فيما يتساءل آخرون هل يتعلق الأمر فقط بالجلد والمثابرة الحثيثة؟.
يبدو الأمر كذلك حين نطلع على حياة عالمة الفيزياء والكيمياء ماري، أول امرأة تحصل على جائزة نوبل، كما أنّها الوحيدة التي حصلت على جائزتي نوبل في مجالين مختلفين، في الفيزياء والكيمياء. وخدمت ماري العلم وقدمت اكتشافات طبية مهمة ولكنها كانت ضحية تلك الأبحاث.
شقتّ ماي طريقها في دروب شاقة من بولندا إلى فرنسا رغبة في العلم وشغفاً في الحصول عليه.
عملت وزوجها الفيزيائي الفرنسي بيير كوري في البداية على مشروعين منفصلين، وكانت ماري مُعجبةً بأبحاث عالم الفيزياء الفرنسي هنري بيكريل الذي كان قد اكتشف أن اليورانيوم هو عنصرٌ تنبعث منه إشعاعات أضعف من تلك المنبعثة من الأشعة السينية.
افتقرت أبحاث بيكريل إلى الأساس النظري الذي يفسر النشاط الإشعاعي، لكنها كانت النواة التي انطلقت منها جهود بيير وماري كوري، واستكمالًا لما اكتشفه بيكريل فقد قامت ماري بعدة أبحاث على الأشعة المنبعثة من اليورانيوم، وقد اكتشفت أن الأشعة المنبعثة تبقى ثابتة بغض النظر عن شكل الذرة، ووضعت فرضيّة مفادُها أن الأشعة تنبعث من البنية الذرية للعنصر نفسِه وليس من تفاعل حاصل بين الذرات.
أسست هذه النظرية المجال المعروف بـ"الفيزياء الذرية"، وأحدثت ماري مصطلحاً جديداً يُدعى "النشاط الإشعاعي" يصف ظاهرة الإشعاع الناجم عن الذرة.
انضم بيير لزوجته ليساعدها في أبحاثها، واكتشف الزوجان كوري في عام 1898 عنصراً مشعاً جديداً أسمَوه "البولونيوم" نسبةً إلى بولندا والتي هي الموطن الأصلي لماري. كما أن الزوجان قد اكتشفا مادةً أُخرى مُشعّة وذلك من خلال دراستهما لمعدن مليء بالعناصر المشعة وأطلقوا على هذه المادة اسم "الراديوم".
في عام 1903 حصلت ماري وزوجها بيير على جائزة نوبل في الفيزياء، وهو الأمر الذي أكسب ماري شهرةً واسعة في أنحاء العالم فقد كانت ماري أول امرأة تحصل على جائزة نوبل، واستخدم الزوجان كوري أموالهما المكتسبة من جائزة نوبل في استكمال أبحاثهما ودراساتهما.
تعرضت ماري لفاجعةٍ مؤلمة حين تُوفّي زوجها بيير في حادث مروّع في عام 1906، وبعد وفاة بيير حلّت محلّه في جامعة السوربون وأصبحت أول امرأة تعمل كبروفيسور في السوربون.
أصبحت ماري أول امرأة تنال جائزتي نوبل في مجالين مختلفين حين حازت في عام 1911 على جائزة نوبل في الكيمياء وذلك لاكتشافها عنصرَي الراديوم والبولونيوم.
حياة ماري كوري
في 7 تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1867، وُلِدت ماري كوري في وارسو في بولندا. وكان أبوها أستاذاً للرياضيات والفيزياء ولذلك تأثرت الفتاة ونبغت وتميزت بذكائها في المدرسة، إلا أن المصيبة ألمّت بهذه الأسرة حين توفيت والدة ماري جرّاء إصابتها بالسّل.
اقرأ أيضاً: البيت الأبيض يحتفي بذكرى زيارة ماري كوري... هدية كانت سبباً لاكتشافها "علاجاً" لمرض السرطان
لم تتمكّن من دخول جامعة وارسو التي كانت مخصصة للذكور فقط، رغم تفوقّها في دراستها الثانوية، لذلك فقد تابعت تعليمها وانضمت إلى جامعة سرية غير رسمية في وارسو كانت تُدعى "الجامعة العائمة".
حلمت ماري وأختها برونيا بالسفر للحصول على شهادة جامعية رسمية، إلا أن ضيق الحال قد منعهنّ من دفع تكاليف ونفقات الجامعة حينها، لكنّ إصرار الفتاتين على التعلُّم دفعَهُنّ لعقد اتفاق يقضي بأن تقوم ماري بالعمل وكسب المال لتُنفِق على برونيا خلال دراستها للطب، ومن ثم تقوم برونيا بالعمل لتُساند ماري خلال الدراسة.
وبناءً على ذلك الاتفاق، فقد عملت ماري لمدة خمس سنوات كمُدرّسة ومربية في المنازل حتّى تمكّنت في عام 1891 من السّفر إلى باريس والالتحاق بصفوف جامعة السوربون، وانكبّت ماري على الدراسة بكُلّيتها وعانت في أثناء دراستها من بعض المشاكل الصحية نظرًا لقلة التغذية الناجمة عن الفاقة وضيق الحال.
حصلت ماري على شهادة الماجستير في الفيزياء في عام 1893، وثابرت على دراستها حتى حصلت في العام التالي على شهادةِ في الرياضيات. في ذلك الوقت بدأت ماري العمل على أبحاث عن الأنواع المختلفة للفولاذ وخصائصه المغناطيسية، وبعد عامين تزوّجت من الفيزيائي الفرنسي بيير كوري.
تزوجت ماري الفرنسي بيير كوري في 26 تموز/ يوليو 1897. بعد أن تطورت العلاقة بين ماري وبيير وشكّلا ثنائياً علميًاً مميّزاً، حين كانت ماري بحاجة إلى مُختبَر لتُنجِز أبحاثها حول الفولاذ أرشدها بعض زملائها إلى الفيزيائي بيير كوري.
وفي عام 1897 أنجبت ماري ابنتها آيرين. وفي العام الذي حصل فيه الزوجان على جائزة نوبل في الفيزياء أنجبت ماري ابنتها إيف.
في عام 1906 توفي بيير تاركاً ماري كوري تواصل أبحاثها منفردة، وفي عام 1911 تُوجت ماري كوري بجائزة نوبل للمرة الثانية، ولكن في الكيمياء هذه المرة، ومنحتها اللجنة الجائزة بسبب اكتشافها عنصري الراديوم والبولونيوم.
انفردت ماري بعد وفاة بيير، بقيادة الجهود البحثية من بعده، قد سمح لها بإثبات نفسها على المسرح العلمي، فتولت مقعد زوجها في جامعة السوربون، وشيئًا فشيئًا تمكنت من دحض الشائعات التي كانت تنسب كل الفضل العلمي إلى بيير، وتدعي أن ماري لم تكن سوى مساعدة له دون إسهامات بحثية خالصة، ورغم أنها قد فشلت في انتزاع مقعد في الأكاديمية الفرنسية للعلوم عام 1910، فإن حصولها على جائزة نوبل الثانية عام 1911 قد رسخ مكانتها عالمة قديرة، فلم يعد أحد يشكك فيها أو في إنجازاتها.
حين اندلعت الحرب العالمية الأولى كرّست ماري وقتها وجهدها لمساعدة ضحايا الحرب واستخدمت جهاز متنقل للأشعة السينية لمساعدة المصابين في الحرب وهو الأمر الذي ساعد بإنقاذ العديد من الأرواح.
كانت حياة ماري كوري مليئة بالتناقضات، فهي عالمة دؤوبة تسهر الليالي، وتعزل نفسها شهوراً وأعواماً لأجل بحث أو اكتشاف جديد يسبر أغوار العلم، وهي المرأة المنطوية التي لازمها الاكتئاب في فترات كبيرة من حياتها، إذ حُرمت من والدتها في صغرها بسبب إصابة الأم بمرض السل واضطرارها إلى الانعزال عن الأسرة حتى وفاتها.
وفاة ماري كوري
لم تُعد جدارة ماري كوري بعد الحرب محل شك، ولم يعد أحد ليشكك في براعتها العلمية، ولم تعاني من التمييز كونها أنثى، بل صارت تشكل مصدر إلهام لغيرها من النساء، وصارت تُقابَل بترحاب وتقدير في المحافل العلمية.
واستقبلها الرئيس الأمريكي وارن جي. هاردنج، الرئيس التاسع والعشرين للولايات المتحدة، في البيت الأبيض عام 1921، وأهداها قارورة بها جرام واحد من الراديوم النقي لتستخدمه في مختبرها، بعد أن صارت الكثير من الشركات والمؤسسات تستخدم الراديوم المشع في علاج السرطان، وهو ما أضاف بُعدًا إنسانيًا لجهود ماري كوري العلمية.
اقرأ أيضاً: الفرنسي آلان أسبيه يحصد نوبل للفيزياء مناصفة مع آخرين
كان العلم سبباً في المجد الذي صنعته كوري، وكذلك سبباً في اعتلال صحتها؛ فكانت ماري طيلة أيام عملها مع المواد الكيميائية والنظائر المشعة تحمل في جيبها أنابيب اختبار تحوي عناصر مشعّة كالراديوم، إذ لم يكن معروفاً حينها خطورة التماس مع تلك العناصر، فقد أدى تعرضها المستمر للإشعاع إلى إصابتها بفقر الدم الناتج عن فشل النخاع العظمي في إنتاج كريات الدم "aplastic anemia".
وصفتها صحيفة "نيويورك تايمز" بأنها "شهيدة العلم، التي كرست الكثير من الوقت والجهد من أجل الرفاهية العامة للبشرية".
اضطرت بعدها ماري لتلقّي العلاج في مصحّة سانسيليموز في باسي في فرنسا حيث كانت تتعالج من مرض فقر الدم اللاتنسجي الذي أصابها بسبب التعرض للمواد المشعّة، وتوفّيت ماري كوري في مصحة سانسيليموز في 4 تموز/ يوليو 1934.
نُقِل رفات ماري كوري وزوجها، في عام 1995، إلى البانتيون في باريس حيث يوجد رُفات العديد من عظماء فرنسا، إذ كانت ماري الأولى والوحيدة التي تتلقى هذا التكريم.
ليفانت نيوز_ خاص
قد تحب أيضا
كاريكاتير
من وحي الساحات في سوريا
- December 19, 2024
من وحي الساحات في سوريا
ليفانت-خاص
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!